رسالة تشرح وقائع موت معلن

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: السبت 27 سبتمبر 2014 - 7:20 ص بتوقيت القاهرة

لم أصدق عينى وأنا أطالع تلك الصورة الصادمة التى تناقلتها شبكة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» هذا الأسبوع. خلتها خدعة سخيفة وما أكثرها على تلك الشبكات. لكن كل الجرائد اليومية فى صباح اليوم التالى نشرتها: الصورة لجثة رجل تتدلى معلقة فى الهواء من هيكل لوحة إعلانات عملاقة على طريق إسماعيلية الصحراوى اختار ان يتخلص من حياته شنقا. اختلفت التعليقات حول السبب الذى دفعه للانتحار شنقا فجاءت كلمات عن الديون التى تراكمت وأخرى عن عجزه عن طلاق زوجته فى إشارة إلى أنه قبطى. لم يكن فى كل هذا ما يهمنى انما ما أوجعنى حقا ان الرجل مات وحيدا على الملأ!

لا يخالجنى أدنى شك فى أن الرجل عانى ما لا طاقة له به من ضغوط حياتية لكنه ولابد أيضا انه عانى من ملابسات نفسية وربما عقلية دفعته دفعا إلى أن يرفض الاستمرار فى الحياة. الشىء الذى يبقى بلا تفسير هو تلك الطريقة الصادمة التى اختار أن يموت بها.

إلى اللحظات الأخيرة كان منتبها تماما لما يفعل. قيادة سيارة نقل على الطريق الصحراوى فعل ايجابى لابد له من يقظة وقدرة على التحكم وتوافق بين العقل والقدرة على أداء رد الفعل المناسب لأى فعل مفاجئ على الطريق.

لا أظن أن الفكرة جاءت وليدة اللحظة أو أن الاكتئاب كان الكفة الأكثر ثقلا فى ميزان حياته. كان لهذا الرجل رسالة أرادها أن تصل إلى كل العالم من حوله وإلا ما اختار وقائع موته عنوانا للوحة إعلانات ضخمة على الطريق لا تخطئها عين أو يمكن تجاهلها.

لهذا الرجل عائلة وأصدقاء وزملاء يجب ان يدلوا اليوم بشهادات كاملة عنه فى تقرير نفسى علمى يعهد به إلى هيئة علمية متخصصة يمكنها فى النهاية أن تستخلص رسالة هذا الرجل الذى أعلن عنها دون أن يمنحه العالم فرصة ليتلوها عليه.

تظل الصحة النفسية بمنأى عن اهتمام أصحاب الشأن الطبى فى مصر.

لا يمكن التغاضى عن قصور المشروع الطبى فى بلادنا وتبعاته لكن هذا لا يجب على الإطلاق الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية للمواطن المصرى. الهم واحد لكن الواجب لا يتجزأ أبدا.

أدعو زملائى أطباء الأمراض النفسية والعقلية مشاركتنا فى محاولة قراءة تلك الرسالة الهامة الموجعة التى غاب عن المواطن المصرى الذى أعلن عن وقائع موته بتلك الصورة التى ستدمغ عقل وقلب كل من رآها بالمرارة ــ ان يكتبها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved