مرحبًا بمصر فى عالم «البدون»

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 27 سبتمبر 2017 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

بفضل حكومتنا الرشيدة التى تحسدنا عليها أمم الأرض، تستعد مصر لدخول «عصر البدون» أى عديمى الجنسية، من أوسع الأبواب بمشروع قانون وافق عليه مجلس الوزراء يتيح سحب الجنسية المصرية من ملايين المواطنين الذين لا ترضى عنه السلطة بدعوى سعيه إلى «إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى لها بالقوة، أو بأى وسيلة من الوسائل غير المشروعة».

هذه العبارات الفضفاضة تنطبق على الشباب الذى يشجع كرة القدم تحت لافتة جماعات الألتراس، وتنطبق على من يشارك فى مظاهرة معارضة لم تحصل على تصريح رسمى باعتباره يسعى إلى «تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى.. بوسيلة من الوسائل غير المشروعة»، لآن التظاهر فى مصر «وسيلة غير مشروعة».

الغريب أن هذا التعديل مثل غيره من «القوانين سيئة السمعة والصنعة معا» التى تتحفنا بها الحكومة والبرلمان، يأتى فى إطار الحرب على الإرهاب، فى حين لم يرد فى مشروع التعديل المقترح أى ذكر لكلمة الإرهاب كسبب لسحب الجنسية، وإنما وضع اتهامات مطاطة لا يعرف أحد من أين تبدأ ولا أين تنتهى.

لم يخطر ببال الذين وضعوا الدستور «بحسن نية» أنه كان المفترض أن يضعوه «بسوء نية» تتناسب مع «سوء المصير» الذى وصلنا إليه، أن تأتى حكومة وتقرر حرمان المواطن المصرى من جنسيته فلم يتطرقوا إلى شروط سحبها وإنما تحدثوا عن شروط اكتسابها. 

فالمادة السادسة من الدستور تقول «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية».

نحن أمام مشروع قانون حكومى أقره مجلس الوزراء ولسنا أمام اجتهاد وزير أو رغبة نائب، يمكن التهرب من مسئوليتها بدعوى أنه لا يمثل موقف الحكومة ولا الدولة.

لا ندرى كيف وصلت النزعة السلطوية والرغبة فى القضاء على أى صوت معارض إلى هذه الدرجة فى بلادنا؟. فالجنسية الموروثة لم تكن أبدا وسيلة من وسائل العقاب على أى جريمة، منذ عرفت البشرية الجنسية والهوية. فـ«العاصى المتمرد أحمد عرابى» ورجاله تم نفيهم بعد هزيمتهم وهزيمة ثورتهم ودخول الاحتلال البريطانى مصر ولم يتم تجريده من الجنسية. وجواسيس إسرائيل فى زمن الحرب تم إعدامهم وهم مصريون ولم يتم تجريدهم من الجنسية المصرية قبل إعدامهم، فهل «المساس بنظام الدولة وتقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى لها» أخطر من التجسس لصالح إسرائيل فى زمن الحرب؟ وهل هذا أخطر من «العصيان والتمرد المسلح والخروج على الخديوى وخليفة المسلمين» كما فعل عرابى؟!!!.

ثم تأتى الأسئلة الأهم، ما هو مصير المواطن المسجون فى سجوننا بعد تجريده من جنسيته؟ وكيف ستعامل الدولة ابنه بعد أن فقد شرط «أن يكون من أبوين مصريين» لكى يتمتع بحقوقه كمواطن كامل المواطنة؟ وما هى الهوية التى سيحملها المواطن المحروم من الجنسية وهو يعيش فى مصر؟، وهل تعيد الدولة عقوبة النفى بعد أن تستأجر أو تشترى جزيرة نائية فى المحيط الهادئ لنفى المواطنين المحرومين من الجنسية؟

أما سؤال المليون دولار فهو: هل يمكن استخدام هذا القانون لإسقاط الجنسية من نواب البرلمان ووزراء الحكومة والمسؤلين بدعوى «تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى للدولة» لأنهم أهدروا حكما قضائيا نهائيا وباتا بمصرية جزيرتى تيران وصنافير وتنازلوا عنها للسعودية، أو لأنهم «قوضوا النظام الاجتماعى» بقرارات اقتصادية وسياسية دمرت الطبقة المتوسطة، أو لأنهم «قوضوا النظام السياسى» الذى ينص الدستور على أنه يقوم على أساس «التعددية وتداول السلطة» فى حين أننا لا نكاد نرى أى تعددية ولا أمل فى تداول سلمى للسلطة؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved