تصالحنا مع إسرائيل.. فهل يمكن مع إيران

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 27 أكتوبر 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

لن يستقيم حال الوطن العربى والإسلامى إلا بإجراء بعض المصالحات التاريخية الهامة ومنها المصالحة التاريخية بين السنة والشيعة، والمصالحة بين مصر وتركيا، وبين السعودية وإيران، وبين فتح وحماس، وبين العرب وإسرائيل، وبين حركات الإسلام السياسى وحكومات دولهم، وقبل ذلك كله أن يتصالح الإسلاميون مع الدنيا وسننها وقوانينها، وأن يتصالح العلمانيون العرب مع الدين وأن يحبوا الله ويقبلوا أمره ونهيه رغبا قبل أن يفعلوا ذلك قهرا فى الآخرة، وأخيرا أن تتصالح معظم الحكومات العربية مع شعوبها، وهذه المصالحات التاريخية إن لم تحدث عاجلا غير آجل فقل على الوطن العربى والإسلامى السلام.

لقد كان الرئيس السادات يردد: «تحدثنا مع الكرة الأرضية كلها ومع طوب الأرض حول القضية الفلسطينية لكى يحلوا مشكلتنا، ولم نتحدث مرة مع صاحب الشأن الرئيسى معنا فى القضية وهو إسرائيل»، وهذا كلام صحيح، فالقطيعة لم تحل المشكلة والحرب لم تحلها أيضا؛ لأن الغرب كله إن لم يكن الشرق معه لم يسمح بهزيمة إسرائيل هزيمة إستراتيجية كاملة تهز كيانها وتهدد وجودها، ولو أن العرب قبلوا حدود 1948 التى صكها قرار الأمم المتحدة وقتها ما كنا فى هذه الأزمة حتى الآن.

اليوم يتسول العرب حدود ما قبل 5 يونية 1967وإسرائيل اليوم فى وضع القوة بل فى أفضل أزمانها وهى ترفض ذلك وتتأبى عليه، ورغم ذلك يهرول العرب جميعا نحوها ورسائل الود والصداقة العربية تنهال على إسرائيل سرا وعلنا دون أن تحرك إسرائيل ساكنا نحو أى حل للقضية الفلسطينية.

تصالح العرب جميعا مع إسرائيل رغم أن أرضهم مازالت محتلة، وفى المقابل العرب لهم مشكلة مع إيران؛ لأنهم كرروا نفس الأخطاء التاريخية السابقة، فقد شجعت دوائر غربية وعربية الرئيس العراقى الأسبق صدام على خوض حرب غير منطقية وغير مبررة مع إيران، خسر فيها الطرفان مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وتعطل اقتصاد البلدين لسنوات، ثم تخلى الجميع عن صدام بعد خطئه الجسيم بغزو الكويت.

لا أدرى كيف يفكر العرب فى حروبهم، تذهب جحافلهم يوما لتحرير كابول فى آخر الكرة الأرضية مع أن القدس والمسجد الأقصى على مرمى بصر منهم، وتذهب جيوشهم تارة لحرب إيران مع أنه لو اجتمع الجيشان لحررا القدس والأراضى الفلسطينية المحتلة، ولكن هكذا أُريدَ لنا أو هكذا أردنا.

اجتاح الأمريكان العراق بمباركة العرب، ظن العرب أن أمريكا تحطم العراق من أجل عيون الخليج وأمنه، فإذا بها تحطم العراق من أجل العيون الإسرائيلية التى تحلو دائما لدى الأمريكان، أدركنا المأساة متأخرين كعادتنا، أهدت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب.

ذهبت جحافلنا مرة أخرى لتحرير دمشق وحلب وحماة من عرب ومسلمين مثلنا، مع أن الجولان كان أمامنا وكذلك القدس أيضا، تحطمت سوريا كلها وأصبحت أثرا بعد عين، بشار الأسد ظالم وباغ مثل غيره، ولكن ما حدث من الجحافل التى ذهبت لإسقاطه كان أكثر بغيا وظلما، وزادت مفاسد بشار ومظالمه وبغيه، فلم يحصِّلوا مصلحة ولم يدرأوا مفسدة.

تحالف الجميع لقتل الإسلاميين هناك، حصدت روسيا وإيران وأمريكا أرواح أكثر من خمسين ألف إسلامى جهادى، وكأنهم تجمعوا للقتل هناك دون فائدة، هكذا يفعل الإسلاميون بشبابهم الطيب يخرجون بهم إلى المهالك فإما إلى القبور وإما إلى السجون والتعذيب، وكأنهم لا قيمة لهم ولا أهل لهم ولا أسر تحتاج إليهم، ولا يراجع أصحاب هذه القرارات أنفسهم، ولا يحاسبهم أحد على قراراتهم، ولا يكتبون فى مذكراتهم أنهم أخطأوا فى هذه القرارات.

ضمت إيران ولاية سوريا بعد العراق إلى إمبراطوريتها، ومن قبل كانت فى حوزتها لبنان واليمن، الآن إيران إمبراطورية عظمى على حساب غباء العرب وغياب الحكمة السياسية العربية وغياب المشروع الرشيد للحكم فى بلاد العرب.

الآن يتحد العرب مع إسرائيل التى تحتل بلادهم فى مواجهة إيران؟ إسرائيل تكره العرب وإيران؟ وتريد موتهما والخلاص منهما، العالم انتهى من تدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا، ويستعد الآن بقيادة أمريكية إسرائيلية لمواجهة إيران.

أمريكا وأوربا لا مصلحة لهما فى مواجهة إيران، ولكن إسرائيل تجر الجميع جرا لهذه المواجهة لمصلحتها فقط، تريد أن تتم هذه المواجهة والحرب بأيدى العرب ودمائهم وأموالهم وعلى أرضهم ليتم الفناء الكامل للفريقين.

نعم إيران شيدت إمبراطورية على حساب غفلة العرب وتقصيرهم وإهمالهم.. نعم هى تسيطر على أربع دول عربية عن طريق الميليشيات التى تشارك فى الحكومة بالنهار وتذبح وتسجن وتعذب بالليل.. ونعم للعرب مشكلة مع إيران، ولكن أليس من الأولى أن يتحاور العرب معها ليصل الطرفان إلى مشتركات تقى البلاد والعباد والمنطقة مزيدا من الدماء والتفرق والصراعات.

المواجهة مع إيران ستذهب بالأخضر واليابس، وخاصة أن لها أذرعا وميليشيات فى كل مكان، ومعظم الشيعة فى بلاد العرب يستبطنون الولاء للإمام خامنئى أكثر من ولائهم لحكامهم، وأكثرهم يدفع خُمس أموالهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة إلى الإمام وكل هذا يصب فى ميزانية الحرس الثورى وهو الحاكم الفعلى لإيران والمتحكم فى كل شىء والمكون لكل الميليشيات الخارجية والمسيطر عليها والتى تدين له بالولاء المطلق.

ذهبنا إلى إسرائيل من قبل وحلت مصر مشكلتها معها، ولو كان الباقون تفاهموا معها لكان الجولان وغيره تحرر منذ أربعين عاما، ولكن الجولان محتل، وسوريا كلها محتلة الآن إما بالميليشيات الشيعية أو التكفيرية أو الحرس الثورى أو قوات روسية أو تركية أو أمريكية، ليست هناك سوريا التى كنا نعرفها قديما، سوريا الآن جزء من الإمبراطورية الإيرانية، وبشار الأسد لا يملك فيها شيئا.

لماذا لا تتم المصالحة بين العرب وإيران، أليس ذلك أفضل للطرفين، لماذا لا يتم ذلك على قواعد محددة فى صالح الفريقين تنهى الصراعات وتحل السلام وتعيد الدول إلى أفضل الممكن والمتاح، وفى الوقت نفسه تتم المصالحة بين مصر وتركيا، وفتح وحماس، وكل ذلك سيعطى دفعة لحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ووقف الصلف الإسرائيلى الذى يعتمد على تباعد المواقف العربية الإيرانية التركية والخلافات بين هذه الدول الكبرى.

وبدلا من ذهاب العرب إلى أمريكا وروسيا وضخ المليارات فى خزائنها الفارغة لحل مشكلة اليمن أو سوريا أو لبنان أو العراق، نذهب مباشرة إلى إيران لحل كل هذه المشاكل، وبدلا من التبادل التجارى القوى مع إسرائيل نفعله مع إيران وتركيا أو مع الجميع على الأقل إن لم يكن هناك بد من التعامل مع إسرائيل.

الحرب القادمة على إيران ستضر العرب؛ لأن أمريكا وإسرائيل تريدها بأموال العرب ودماء العرب, وعلى أرض العرب, وبتدمير بلاد العرب, فهل تجرى هذه المصالحات التاريخية وتتوقف الصراعات على هذه الأراضى المقدسة التى سار عليها الأنبياء.

نحن لا نريد صراعا لا مع إسرائيل ولا تركيا ولا إيران ولا الغرب ولا الشرق.. نريد فقط سلاما عادلا مع الجميع يحق الحقوق ويمنع تدخل كل طرف فى شأن الآخر، إلا بالعون والخير والمساعدة ويعيد الحقوق إلى أصحابها ويرد المظالم إلى أهلها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved