الأخلاق فى وجه الفوضى الإباحية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 27 أكتوبر 2021 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

من المؤكد أن الإباحية التى وصفنا بعضا من صورها وممارساتها فى مقال الأسبوع الماضى لها أسباب كثيرة نابعة من الواقع؛ فالسياسة الفاسدة، والصراعات والحروب الأهلية العبثية، والاقتصاد غير العادل، والإعلام ومختلف التعبيرات الأدبية والفنية غير الملتزمة وغير المسئولة، تلعب جميعها أدوارا فى خلق الظروف وإضعاف النفوس لانتعاش شتى صنوف الممارسات الإباحية الشخصية والمجتمعية.
لكننا فى هذا المقال سنركز على إشكالية ما نعتبر إضعافها الممنهج وتهميشها فى الحياة العامة أحد أهم الأسباب لمحنة الإباحية تلك، ونعنى بها الإشكالية الأخلاقية، بكل أنواعها ومصادرها.
أهمية الأخلاق فى حياة البشر تبرز فى المكانة الكبيرة التى أعطيت لموضوع قيم ومكانة وممارسة وتشوه وانفلات الأخلاق، وذلك عبر القرون من تاريخ الإنسانية، سواء من خلال المناقشات الفلسفية الكثيرة المتباينة فى مدارسها، أو تفاعل الموضوع الأخلاقى مع شتى الأوامر والنواهى والتشريعات الدينية، أو تشريع القوانين المجتمعية الضابطة لها فى حقول السياسة والاقتصاد وممارسة المهن وغيرها.
والنتيجة وجود أنواع من التسميات الكثيرة الأخلاقية من مثل: أخلاقيات التنمية، أخلاقيات المستهلكين، أخلاقيات المهنة، أخلاقيات الأعمال، أخلاقيات جنسية، أخلاقيات الرعاية، أخلاقيات الفلسفة السياسية، الأخلاق الإسلامية، أخلاق الأوامر الإلهية، الأخلاق الإيكولوجية البيئية، أخلاقيات الفنون والآداب العامة. ومن الواضح أنه كلما زادت ساحات النشاطات الإنسانية اتسعت الإضافات والأنواع. من هنا ظهر علم عصرى جديد، «علم الإثيقا» (Ethics)، أى علم أو فلسفة الأخلاق الفاضلة، المعلى للفضائل والمنتقد للرذائل، المدعى بأنه نتيجة تطورات بيولوجية من جهة وتطورات ثقافية حضارية من جهة أخرى. وهو علم أصبح يدرس فى الجامعات والمدارس العليا كفرع من فروع علم الفلسفة. نقول ذلك بالرغم من أن «الإثيقا» والأخلاق مصطلحان يستخدمان غالبا كمترادفين يناديان بنفس المبادئ والأعراف.
فى الحال يطرح السؤال الآتى نفسه: ما الذى مكن بعض قوى الحضارة الحديثة من تشويه وتهميش موضوع قديم قدم الوجود البشرى، ومتغلغل فى كل مناحى نشاطات الإنسان الفكرية والحياتية، تهميشه بالشكل المريع الذى يسمح بوجود وانتشار الوباءات الإباحية التى أوجزنا وصفها فى مقال الأسبوع المنصرم؟ هذا سؤال بالغ الأهمية، إذ إنه لوحظ منذ القدم بأن انتشار الرذائل وانكماش وضمور الفضائل أدى دوما إلى زوال المجتمعات والأمم والحضارات، وعِبر التاريخ فى هذا المجال لا تعد ولا تحصى. ذلك أن الأخلاق مرتبطة وجوديا بنقاء الفطرة الإنسانية وتوازن الشخصية الإنسانية، فإذا همشت دخلت المجتمعات عالم الحيوانية بكل نقائصها ومشاكلها. ولعل ذلك يفسر الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين فى شكل أوامر إلهية أو تحريما لهذه الرذيلة أو تلك أو تقوية للجوانب الروحية، ويفسر حماس بعض الفلاسفة للقول بأن إنسانية الإنسان لا تتحقق بعقلانيته المجردة لوحدها وإنما تحتاج لتفعيل قواه الأخلاقية، وعلى رأسها تفعيل الفضائل الكبرى فى حياته الخاصة والعامة من خلال مرتكزات دينية وفلسفية وأشكال من التعبيرات الرمزية.
إن محاولات خلق حالة صدامية بين الحرية الفردية والمجتمعية والأخلاق، بين تطورات العلم والأخلاق، بين حاجات الجسد الطبيعية المنضبطة والأخلاق، وغدا بين إملاءات الإنسان الآلى والذكاء الاصطناعى وبين الأخلاق، قد أوجدت شعورا كاذبا بأن الإنسان هو سيد الكون، وبالتالى حقه فى أن يقلب الأخلاق إلى أن تكون حالة نفعية وحسية مستقلة عن كل ضوابط الوجود الإنسانى وعن بقية الكون. هذا شعور خطر ويجب أن يصحح ويقاوم.

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved