كيف يقاوم الشعب الفلسطيني المساعي الإسرائيلية لتهجيره؟

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الخميس 27 أكتوبر 2022 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة The New York Times مقالا للكاتبة رجا عبدالرحيم، تحدثت فيه عن عمليات التهجير القسرى التى يتعرض لها سكان القرى فى الضفة الغربية المحتلة، تحت ادعاء إسرائيلى أنهم ليسوا سكانا أصليين بل وافدين جددا، ومحاولاتهم إنشاء كهوف تحت الأرض لإيجاد مأوى.. نعرض من المقال ما يلى.

فى مايو الماضى، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمرا بإخراج نحو 1200 فلسطينى وفلسطينية من قراهم فى الضفة الغربية المحتلة، حتى يتمكن الجيش الإسرائيلى من استخدام الأرض فى ساحة تدريب عسكرية بالذخيرة الحية. قد يمهد ذلك القرار الطريق لواحدة من أكبر عمليات الطرد الجماعى للشعب الفلسطينى منذ عام 1967، ما دفع منظمة الأمم المتحدة إلى التعليق بأن هذا الأمر قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب.

فى ضوء ذلك، يحاول مئات الفلسطينيين والفلسطينيات العودة إلى شكل قديم من المأوى (العيش فى كهوف تحت الأرض)، لمواجهة محاولات الطرد من قبل السلطات الإسرائيلية. تقول وضحة أيوب أبو صبحا، 65 سنة، من قرية خربة الفخيت، فى الضفة الغربية المحتلة: «ليس لدينا منزل نسكن فيه ولا خيمة، ليس لدينا خيار سوى العيش فى الكهف». وأضافت: «بداية حياتى كانت فى الكهف، وستكون نهاية حياتى فى الكهف». بينما ينتظر باقى سكان القرى الأخرى المنتشرة فى المنطقة بفارغ الصبر رؤية ما سيحدث لإعداد كهوفهم!.

إسرائيل تقول إن من يعيشون فى هذه القرى ليسوا مقيمين أصليين، وإن لها الحق فى إعلان المنطقة منطقة عسكرية مغلقة، عرفت المنطقة باسم مسافر يطا وهى عبارة عن مجموعة من 19 قرية فلسطينية فى محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية. نتيجة لأهميتها بالنسبة لإسرائيل تهدم السلطات الإسرائيلية منذ فترة طويلة المنازل والمبانى الأخرى فى المنطقة، متذرعة بانتهاكات مثل عدم وجود تصاريح البناء ــ التى نادرا ما تمنحها الحكومة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني ــ لكن دائما ما يعود السكان الفلسطينيون لبناء منازلهم مرة أخرى.

بعد المرة الثالثة التى هُدم فيها منزل وضحة أبو صبحا، بدأت عائلتها فى تجهيز كهف أسفل الأرض للعيش فيه. ابنة عم وضحة، انشراح أحمد أبو صبحة، 58 عاما، حاولت أن تبدو مبتهجة تجاه واقعها الأليم وتخيلت نفسها مصممة ديكور لتجديد منزلهم الجديد تحت الأرض!.

أشارت انشراح بيدها تجاه الجدران الحجرية قائلة: «هذا يحتاج إلى جهد» مقترحة إضافة صف من الأرفف، ثم نظرت إلى السقف، الملىء بخيوط العنكبوت، والذى يتدلى منه ضوء كهربائى وقالت: «إنه يحتاج إلى فتحة تهوية هناك».

نظرت انشراح إلى أصغر زاوية فى الكهف وقالت، مشيرة إلى حفيدة وضحة البالغة من العمر 3 سنوات: «ستكون هذه غرفة لزينب. ما رأيك يا زينب؟ غرفة لك؟».

• • •

إلى جانب عمليات الهدم، شاركت إسرائيل فيما تسميه منظمة الأمم المتحدة «إجراءات قسرية» لجعل الحياة صعبة على الفلسطينيين والفلسطينيات فى المنطقة، كمصادرة وسائل المواصلات، وتقييد وصول منظمات الإغاثة، وإقامة نقاط تفتيش بين القرى التى تجعل من الصعب على الأطفال والمعلمين الوصول إلى المدارس.

قالت نوا ساتاث، المديرة التنفيذية لجمعية الحقوق المدنية فى إسرائيل: «التهجير القسرى مخالف لاتفاقيات جنيف، ولا يعنى الترحيل دائما تعبئة الناس فى شاحنات ونقلهم بعيدا. فسوء المعاملة البطيئة للسكان من أجل جبرهم على المغادرة يعتبر أيضا تهجيرا قسريا».

من جانبها، السلطة الفلسطينية قالت إن إخلاء سكان المنطقة من شأنه أن يرقى إلى مستوى التطهير العرقى، وهو اتهام غالبا ما يوجهه الشعب الفلسطينى والمدافعون عنه لسلطات الاحتلال؛ حيث تدفعهم قوانين الأراضى والبناء للتخلى عنهم لصالح المستوطنين اليهود.

• • •

فى أوائل الثمانينيات، أعلن الجيش الإسرائيلى عن جزء كبير من مسافر يطا فى الضفة أنه منطقة إطلاق نار محظور الاقتراب منها، قائلا إنها تتمتع بخصائص فريدة لا تتمتع بها أى منطقة أخرى. وقالت وزارة الدفاع إن إعلان المنطقة منطقة إطلاق نار يتفق مع القانون الدولى الذى يحكم أى احتلال عسكرى!.

لكن يقول سكان القرى إن مسافر يطا هى أرض فلسطينية، وهو ادعاء مدعوم بسندات ملكية تعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948. قدم محامو السكان صورا جوية إلى المحاكم الإسرائيلية قالوا إنها تظهر استيطانا مستمرا للقرى على مدى الـ 45 عاما الماضية. لكن وزارة الدفاع الإسرائيلية قالت إن الصور لا تظهر أن السكان الفلسطينيين كانوا هناك بشكل دائم قبل عام 1980، قائلة إنهم كانوا يعيشون فى المنطقة بشكل موسمى فقط. فى النهاية، وافقت المحكمة على ادعاءات وزارة الدفاع وأعلنت المنطقة منطقة عسكرية!.

قال الجيش الإسرائيلى ردا على أسئلة وجهتها صحيفة ذا نيويورك تايمز: «على مر السنين، انتهك الفلسطينيون أمر الإغلاق، وبدأوا فى البناء بشكل غير قانونى فى المنطقة. وأضاف: «قضت المحكمة بأن الملتمسين تصرفوا بسوء نية وأنشأوا بشكل غير قانونى فى المنطقة، ورفضوا أى محاولة تسوية عرضت عليهم».

لكن منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، سامر عبدالجابر، قال خلال زيارة قام بها إلى مسافر يطا فى مايو الماضى: «بصفتها القوة المحتلة، فإن مسئولية السلطات الإسرائيلية هى حماية المدنيين الفلسطينيين». وأضاف: «إجبار 13 مجموعة على إفساح المجال للتدريب العسكرى يتعارض مع هذا الواجب، وهو ببساطة غير إنسانى وغير قانونى».

وفقا لمكتب الشئون الفلسطينية الأمريكى، تراقب إدارة بايدن التطورات فى مسافر يطا عن كثب، وأثارت واشنطن مخاوفها مع الحكومة الإسرائيلية بشأن إخلاء القرى الفلسطينية وهدم المنازل.

بموجب اتفاقيات أوسلو ــ اتفاقية السلام فى التسعينيات التى كان من المفترض أن تمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية ــ وقع ثلثا الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية المؤقتة. وكان من المفترض أن تنسحب إسرائيل تدريجيا من معظم تلك المنطقة وتحيل السيطرة إلى الشعب الفلسطينى. بدلا من ذلك، حافظت إسرائيل على احتلالها العسكرى وسمحت ببناء وتوسيع المستوطنات غير القانونية ــ بموجب القانون الدولي ــ فى المنطقة التى تسيطر عليها مع طرد الفلسطينيين والفلسطينيات. 

• • •

ينفذ الجيش الإسرائيلى تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية وانفجارات فى منطقة مسافر يطا. وقدمت جمعية إسرائيلية تقود المعركة القانونية التماسا إلى المحكمة لإصدار أمر قضائى طارئ بوقف التدريب. لكن تم رفضه.

يأمل المحامون أنه مع استنفاد جميع السبل القانونية، فإن الضغط الدبلوماسى يمكن أن يساعد. والآن، يراقب سكان قرى مسافر يطا اقتراب الجرافات الإسرائيلية لإزالة منازلهم، مع استمرارهم فى تجهيز الكهوف للسكنى. ففى النهاية، إذا لم يصنعوا الكهوف، فأين سيعيشون؟. يمكن لسلطات الاحتلال هدم منازلهم ومصادرة خيماتهم، لكن من الصعب عليهم إخراجهم من كهوفهم، لقد أعادوهم إلى الطريقة التى عاش بها أسلافهم!.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved