المصب المتجدد وشمال الدلتا والساحل الشمالي الغربي

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الخميس 27 أكتوبر 2022 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

فى أسبوع القاهرة للمياه المنعقد فى منتصف شهر أكتوبر، شاركت فى الجلسة المخصصة لعرض الجوانب المختلفة للمشروع المعروف بـ«تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية فى شمال الدلتا والساحل الشمالى»، وهو أحد أكبر المشروعات التى بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، ومرت بالعديد من المراحل حتى تم توقيع الاتفاق مع صندوق المناخ الأخضر فى عام 2017، لتمويل ثلث تكلفة المشروع على أن تقوم الحكومة المصرية بتمويل الثلثين. يقوم على إدارة المشروع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة ويقوم بالتنفيذ هيئة حماية الشواطئ المصرية.

فى البداية عرض المدير المصرى الملامح العامة للمشروع ثم عرض العضو المصرى فى الفريق الاستشارى الأجنبى، المكلف بتطوير خطة للإدارة المتكاملة للساحل الشمالى على كامل طوله، الإطار العام الذى يتم فيه إنجاز الخطة والتى تستمر حتى العام 2025 والتى من المخطط أن تشهد تطبيق مشروع تجريبى لإدارة متكاملة لشريحة من الشاطئ بغرض اختبار نجاح التخطيط المقترح وتتعامل تلك الخطة مع إشكالية نقص المعلومات الدقيقة من خلال إنشاء منظومة لجمع البيانات.

 بعد عرض آخر لمقترحات جديدة طور البحث مع الجانب الهولندى جاء دورى لعرض «تسريع الاستجابة للتغير المناخى» وشرحت فيه كيف أن الفرصة الزمنية المتاحة لنا وللعالم للتعامل مع تأثيرات التغير المناخى ضيقة للغاية طبقا للتقارير الأخيرة الصادرة فى الربع الأول للعام ويحدد البعض تلك النافذة بنحو ثمانى سنوات للوصول إلى خفض الانبعاثات للنصف وأيضا وقف تدهور الطبيعة وبداية ازدهارها من جديد. وكيف أننا بالرغم من الموقف الملىء بالتحدى يمكننا ليس فقط الاستجابة للتحديات والتهديدات الكبيرة للتغير المناخى ولكن أيضا تسريعها. 

مشروعنا المقترح والذى نتمنى أن يتم تنفيذه قريبا يقوم على فكرة إضافة بُعد التخفيف لبُعد التكيف فى المشروع وذلك من خلال استخدام النباتات البرية التى ربما لا تمتص قدرا هائلا من الانبعاثات ولكنها تعمل على تحسين التنوع الطبيعى المحلى، وهو لا يمثل بُعدا حاسما فى مواجهة التغير المناخى فقط ولكن يساهم أيضا فى وقف تدهور البيئة الطبيعة. لم تقف فكرتنا عند حدود المشروع المقام والذى هو عبارة عن جسر شريطى مبنى فى حرم الشاطئ ولكننا اقترحنا أن يكون بداية لاستعادة الحياة البرية فى مدينة دمياط الجديدة وهى التى شهدت فى القرنين الماضيين تدهورا كبيرا. وكيف أننا نعمل مع أكاديمية البحث العلمى والجمعية الدولية لصون الطبيعة لتنفيذ تلك الوصلة ومراقبتها بالصورة التى تمكننا من تكرار هذه الوصلة عبر المناطق الأخرى فى ساحل شمال الدلتا وفى هذا الإطار أشرت لمشروع آخر تموله جامعة القاهرة ونقوم فيه بمعالجة مياه الصرف باستخدام الكائنات الدقيقة لإعادة استخدامها مرة أخرى سواء داخل المبانى، بالإضافة لرى النباتات البرية التى تستهدف إثراء التنوع الطبيعى واستعاده فى برج رشيد. وأوضحت أنه نظرا لقرب المشروع من الجسر الذى تم تنفيذه هناك فهناك إمكانية واقعية فى البدء فى تطوير شبكة طبيعية من النباتات البرية التى تسهم فى مواجهة تأثيرات التغير المناخى المتوقعة، بالإضافة إلى تحسين البيئة الطبيعية المحلية وحياة الناس هناك.

خلال العامين الماضيين زرت العديد من مناطق شمال الدلتا والساحل الشمالى بداية من مدينة بورسعيد، التى كان ينتهى بالقرب منها أحد أفرع النيل القديمة والتى لا زال باستطاعتنا رؤية بقايا من العمران بها فى آثار تأنيس، كما زرت مدينة دمياط وخاصة منطقة رأس البر ودمياط الجديدة وزرت أيضا مدينة المنصورة الجديدة كما زرت إحدى مناطق برج البرلس الواقعة على بحيرتها وزرت مدينة رشيد وبرج رشيد مرات عديدة وزرت مدينة إدكو للغرب منها بالطبع، كما زرت سابقا منطقة أبو قير والتى كان ينتهى بالقرب منها أحد أفرع النيل القديمة. زرت أيضا مدينة الإسكندرية ومدينة الحمام ومدينة مرسى مطروح، وعبر طول الساحل ازدادت قناعاتى وفهمى لساحل شمال الدلتا وباقى الساحل الشمالى، وكيف أنه مترابط فى التهديدات التى تواجهه. 

درسنا كيف تدهورت البيئة الطبيعية فى القرنين الماضيين فى ساحل الدلتا ولكنها أيضا تدهورت فى الساحل الشمالى الغربى فى العقود الماضية وخاصة مع بداية بناء القرى السياحية الدائمة هناك وإزالة الكثبان الرملية والتدخل فى الوديان الطبيعية وتغيير خط الشاطئ بسبب الأنشطة البشرية التى لم تدرك فى وقتها أهمية وحساسية المنظومات الطبيعية، وبالتالى لم تعاملها بالاحترام الواجب وهو ما بدأ البعض يشعر بتبعاته. 

إدراك محورية المنظومات الطبيعية وحساسيتها الفائقة يتطلب منظورا مختلفا فى التعامل والاقتراب منها يتطلب ليس فقط دراسات العلماء وليس المهندسين فقط ولكن أيضا الفلاسفة كما يتطلب ولا شك إشراك المجتمعات المحلية التى عاشت لآلاف السنين فى توافق مع تلك البيئة لأنها تعلم جيدا أنها مصدر الحياة المتجددة لها وتحمل تلك المجتمعات فى طياتها العديد من الكنوز المعرفية التى من الممكن أن تساعدنا فى مراجعة تعاملنا مع تلك المناطق الطبيعية والتوقف عن النظر لها كمجرد مورد ينضب موجود لتلبية رغباتنا فقط. 

سيتطلب أى جهد حقيقى للتحول نحو حياة متجددة فى المصب أن يرتبط بالمجهودات الأخرى التى تستهدف الساحل الشمالى بأكمله لتفيد وتستفيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved