السلطوية والديمقراطية والحكم فى مصر

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 - 12:40 م بتوقيت القاهرة

باغت الرئيس محمد مرسى مصر والمصريين باعلان دستورى مكمل جديد يوم الخميس 22 نوفمبر وردت فيه أحكام لم يتوقعها أحد فى المجتمع السياسى المصرى ولا فى عموم الجماعة المصرية. الأحكام الواردة فى الإعلان من أنواع ثلاثة، الأولى هى من الأحكام التى يمكن أن ترد بالفعل فى اعلانات دستورية مثل مدِ فترة عمل الجمعية التأسيسية، أما الثانية فهى أحكام ليست الإعلانات الدستورية مكانها بأى شكل من الأشكال، مثل تحديد فترة ولاية النائب العام، وإلغاء اختصاص المحكمة الدستورية فى البت فى دستورية قانون انتخابات مجلس الشورى، والنوع الثالث هى أحكام إما أنها غير ضرورية، مثل منح رئيس الجمهورية صلاحية إصدار قوانين وإجراءات لحماية الثورة، والوحدة الوطنية، وأمن البلاد، حيث إن الرئيس يمارس بالفعل السلطة التشريعية، او أنها خروج على كل مبادئ القانون، مثل الحكم الأخطر المرتبط بالحكم الأول والذى ينص على تحصين كل قانون أو إجراء يتخذه الرئيس بهذا الشأن ضد كل طعن عليه، فضلا على محاكمة أشخاص للمرة الثانية على جرائم اتهموا بارتكابها.

 

من حق رئيس الجمهورية الذى يمارس السلطتين التنفيذية والتشريعية نظريا أن يمدَ فترة عمل الجمعية التأسيسية ليمكنها من إتمام مهمتها. ولكن أليست الجمعية التأسيسية موضع لغو وخلافات سياسية محتدمة؟ أولم ينسحب منها ممثلون لنسبة معتبرة من الشعب المصرى، حتى وإن لم تمثل هذه النسبة الأغلبية؟ ألم يكن من الأوفق أن يتشاور الرئيس مع القوى السياسية كافة بشأن علاج مشكلات الجمعية التأسيسية، ومنها مسألة فترة ولايتها، ليخرج قراره الذى اتخذ شكل الإعلان الدستورى قرارا توافقيا يمهِد لتسوية مشكلات الجمعية ولاعتمادها نصا دستوريا بالتوافق هو الآخر؟

 

أما تحديد فترة ولاية النائب العام والغاء اختصاص المحكمة الدستورية فمكاناهما القانونان المنظمان لعمل كل منهما وليس دستورا أو اعلانا دستوريا. إدراجهما فى إعلان دستورى هو انتقاص من قيمة الأحكام الدستورية ومن سموها على غيرها من قوانين، وهو ما يهدد النظام القانونى برمته ويعرِض بالتالى دولة القانون المبتغى بناؤها فى مصر للخطر. هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فإن لم يكن للمحكمة الدستورية الفصل فى دستورية كل من تشكيل الجمعية التأسيسية و قانون الإنتخابات، فما هى قيمة ما يتبقى لها من اختصاصات؟ 

 

صلاحية اصدار القوانين والإجراءات الكفيلة بحماية الثورة والوحدة الوطنية وأمن البلاد، ومحاكمة من سبق محاكمتهم عن نفس الإتهامات التى حوكموا عليها من قبل هما الحكمان المرتبطان ارتباطا لصيقا بتحصين قرارات رئيس الجمهورية ضد أى طعن أو مساءلة. الحكم الثانى، وأيا كان موقف المراقب من التبرئة المستمرة لكل من حوكم على اتهامه بارتكاب جرائم فى حق الثوار، مشكوك تماما فى دستوريته، ولذلك استوجب على رئيس الجمهورية ادراج حكم التحصين فى الإعلان. والشىء ذاته ينطبق على صلاحية إصدار القوانين والإجراءات. هذه الصلاحية مفروغ منها لأن رئيس الجمهورية يمارس السلطة التشريعية كما سبق بيانه، ولذلك فإن ذكر هذا الحكم لايمكن أن يعنى إلا أن ثمة نية أو استعدادا لإصدار قوانين وإجراءات فى مضمونها، وليس فى عملية إصدارها، خروج على الأحكام الدستورية المعمول بها، ومن ثم توجب على رئيس الجمهورية تحصين هذه القوانين والإجراءات من الطعن. هنا يكمن الخطر لأن هذا أول طريق التسلط.

 

لا يمكن الاعتداد بأنه لا يوجد بناء سلطوى فى مصر الآن، فكيف يمارس التسلط؟ السلطوية ليست بناء يشيَد ثم يمارس القائمون عليه التسلط على الناس. ممارسة التسلط هى التى تشيَد بناء السلطوية حجرا فوق حجر.

 

على أن المفارقة هى أن ممارسة التسلط تفرِق تفرقة نهائية بين أطراف الجماعة الوطنية وبين أعضاء المجتمع السياسى، دون حتى أن تمكِن ممارسيها من السيطرة على الحكم ومن تحقيق الاستقرار الضرورى لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن تأمين استدامتها.

 

الاحتجاجات على الإعلان المكمل بطول البلاد وعرضها، حتى وإن لم يكن المحتجون أغلبية، قرينة على أن انعدام الإستقرار هو الذى سينتج عن أى محاولة للتسلط. لن تجدى محاولات القمع والقسر. فإذا أضفت إلى رفض الناس للتسلط، تطلعهم إلى مستوى لائق للمعيشة، يستعصى عليهم بلوغه، ويضاعف عدم الإستقرار من صعوبة إدراكه، ستتبيَن فداحة الخطأ الذى ارتكبه رئيس الجمهورية بسلوك طريق المواجهة والفرقة.      

 

المشكلات التى خلَفها لمصر الحكم الساقط فى فبراير 2011عديدة، لن يقوى فريق سياسى واحد على حلها، وأهم هذه المشكلات تلبية احتياجات المواطنين، وتحسين ظروف معيشتهم، وانتشال ما يقرب من 40 فى المائة منهم من الفقر، من بينهم 25 فى المائة يعيشون فى فقر مدقع، وتوفير فرص العمل للشباب، شباب يعانى 42 فى المائة ممن تقع أعمارهم بين الخامسة عشر والتاسعة عشر منه من البطالة. هذا الشباب تحت سن التاسعة والعشرين يمثل 62 فى المائة من السكان، ويصل من تقع أعمارهم من بينه بين سن العاشرة والتاسعة والعشرين إلى 40 فى المائة من السكان. إن علم السكان السياسى يلقى الضوء على الاحتمالات العالية لعدم الاستقرار فى البلدان التى ترتفع نسب الشباب فى مجتمعاتها، خاصة إن عانى هؤلاء الشاب من البطالة والفقر. الاحتجاج، والاحتجاج المستمر، تكلفته منخفضة، بل قد تكون منعدمة للعاطل عن العمل، أو لذلك الذى يعمل لساعات قليلة أو بمقابل منخفض. النزول إلى الشارع لإعلان الاحتجاج والغضب لن يضيع على المحتج أى فرصة ولا دخل، وإن ضيَع فسيكون الدخل الضائع قليلا، ولذلك فهو لايتردد فى النزول مرة بعد أخرى، خاصة بعد أن انكشف ضعف الدولة وجهاز قمعها، وضاع ما اصطلح على تسميته مؤخرا «هيبة الدولة».

 

حتى إن تجمعت القوى السياسية واتفقت على قواعد بناء النظام السياسى وعلى النظام السياسى نفسه، فلن يكون سهلا تلبية احتياحات المواطنين، والشباب منهم بشكل خاص. التجمع سيمكن من بناء نظام ديمقراطى يوفر للحكم أفضل امكانيات القوى السياسية ويرسى، وهو الشىء الأهم، قاعدة تستطيع أن تساند السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الجديد. أما إن أرادت الدولة، حتى إن كانت ديمقراطية، أن تستعيد «هيبتها»، فسيكون عليها أن تثبت أن هناك تقدما تدريجيا يتحقق فى تلبية احتياجات المواطنين. هيبة الدولة لا تستجدى وإنما يفرضها أداؤها، وهى المقابل الذى يؤديه المواطنون ثمنا لهذا الأداء.

 

رئيس الجمهورية يحتاج إلى الاستقرار الضرورى لتنشيط الاقتصاد، ولذلك فإنه أول المتضررين من قرار سياسى يبث الفرقة، ويقوض الاستقرار، ويعطل عودة النشاط الاقتصادى إلى سابق عهده، وهو عهد لم يكن مرضيا أصلا، بل كان التطلع إلى تخطيه وإلى التقدم على طريق التنمية.

 

كان الأمل هو أن يقوم رئيس الجمهورية بتجميع القوى السياسية فيكون بحق زعيما للبلاد، ليس لوجاهة الزعامة، وإنما لضرورتها لممارسة الحكم بفاعلية، وللتصدى للمشكلات العديدة التى تواجه مصر، ولتلبية احتياجات المواطنين، ومنهم الشباب المحتج والغاضب. وكان الأمل بعد ذلك أن يجمع الرئيس أصحاب المصالح الاقتصادية حتى يساهموا فى النمو والتنمية، وكى يساندوا إعادة توزيع سخية للدخل القومى تمكِن من رفع مستوى معيشة مجموع المواطنين ومنهم هذا الشباب الثائر على أوضاعه. إعادة التوزيع السخية ليست منَة وإنما تكلفة الاستقرار الضرورى لتنمية أعمال أصحاب المصالح الاقتصادية أنفسهم.

 

لم يقم الرئيس بذلك بل إنه فعل عكسه، فأى مستقبل يتنظر حكم مصر فى ظل الفرقة وعدم الاستقرار: سلطوية أم ديمقراطية؟ أخشى ما يمكن خشيته هو ألا يكون هذا ولاذاك ما ينتظرها، وإنما تحلل فى السلطة وتعطل فى تأدية وظائفها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved