ردع شعبى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 27 نوفمبر 2020 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

فى خضم حالة الرفض الشعبى للتطبيع مع الكيان الصهيونى، والتى اكتسبت قوة معنوية هائلة خلال الفترة الأخيرة، بعد «التأديب» الجماهيرى والنقابى لأحد نماذج الإسفاف الفنى فى مصر، بسبب نشره لصور تجمعه مع إسرائيليين، بدأت تنتشر أفكار تشكك فى جدوى حركة مناهضة التطبيع مع دولة الاحتلال.
من بين هذه الأفكار، أن مناهضة التطبيع لن تتمكن من وقف قطار الزحف العربى تجاه تل أبيب، واللقاءات مع قادة هذا الكيان المخضبة أياديهم بالدماء العربية والفلسطينية، وأن الأجيال العربية الجديدة لم تعد تقنع بالخطاب الذى يرفض التعامل مع هذا الكيان الغاصب، وضرورة إيجاد آلية أخرى تتمثل فى تقوية بناء الدول سياسيا واقتصاديا وعسكريا للوقوف فى وجه التغلغل الإسرائيلى فى المنطقة.
قد يكون الكلام السابق منطقيا، ومبدئيا نعلم تماما أن رفض التطبيع وحده، لن يعيد الأرض المحتلة، لكنها ورقة مهمة فى أيدى الشعوب، ويمكن تسميتها بـ«الردع الشعبى» الذى يجب التمسك به جيدا وعدم التفريط فيه تحت أى ظرف من الظروف، والبناء عليه لمواجهة هذا المشروع الاحتلالى.
كذلك لا يختلف أحد على أن الدول تكتسب مناعتها وقوتها ومكانتها من الأخذ بأسباب العلم والبحث والتطور، وأن تقدمها الاقتصادى والسياسى والعسكرى، هو ما يمكنها من مجابهة التدخلات والتهديدات والتحديات التى تعترض طريقها، ويحقق لها استقلاها الوطنى، وهى أمور يجب أن تكون «فرض عين» على أى دولة فى المنطقة للحفاظ على مصالحها وأمنها واستقرارها، وليست مشروطة فقط بمجابهة الاحتلال الصهيونى للأراضى العربية.
لكن السؤال هو هل صحيح أن الخطاب المناهض للتطبيع، غير مقنع للأجيال الشابة الجديدة؟ وهل هناك دراسات علمية أو استطلاعات للرأى أجرتها مراكز متخصصة أثبتت صحة هذا الرأى؟
قد يكون ذلك صحيحا لكن من الصحيح أيضا ومن خلال رصد مواقع التواصل الاجتماعى، هو أن أجيالا ولدت بعد توقيع اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى بسنوات، ولم تر فى حياتها الرئيس الراحل أنور السادات يخطب خطابا مباشرا على الهواء، تؤمن وتعتقد بقوة أن إسرائيل كيان غاصب للحقوق العربية، ويجب عدم إقامة علاقات طبيعية معه، وأنه إذا فرضت السياسة على بعض الحكومات والأنظمة فى المنطقة، إقامة مثل هذا النوع من العلاقات، فإن للحكومات ضرورات وللشعوب خيارات متعددة فى هذا الشأن، أهمهما وأبرزها رفض التعامل مع هذا الكيان المحتل بأى طريقة كانت، وكذلك مقاطعة منتجاته وبضائعه حتى يتخلى عن احتلاله وتدنيسه للأرض والمقدسات العربية.
ثم إن أحد الأدلة على اقتناع الأجيال الشابة بجدوى مناهضة التطبيع، هو أن إسرائيل متلهفة على التقارب مع الشعوب العربية وظهر ذلك من خلال دفاعها الضارى عن الفنان المصرى الذى انجرف للتطبيع معها، وتزخر كتابات صحفييها وبرامجهم التليفزيونية بالشكوى من العزلة فى المنطقة، وتستنكر تمسك العرب بما تسميه «شعارات بلا فائدة» من الخمسينيات والستينيات، تحظر وتجرم التعامل الشعبى معها.
رفض الشعوب العربية للتطبيع مع الكيان الصهيونى، يمثل نوعا من المقاومة المدنية للاحتلال الغاصب، شأنها شأن التجربة الملهمة للزعيم الهندى الراحل المهاتما غاندى ضد الاحتلال البريطانى لبلاده، عندما تبنى غالبية الهنود، دعوته الرامية للاحتجاج غير العنيف ضد ممارسات الإمبراطورية السابقة، وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطانى، والذى تضمن مقاطعة البضائع البريطانية.
ما نحتاجه فعلا فى هذه المرحلة، تقوية جدار مقاومة التطبيع، ونقد الخطاب المؤيد لإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيونى، والذى يتردد بقوة هذه الأيام، من دون وعى أو إدراك لخطورة هذا الأمر على مصير القضية الفلسطينية التى لا تخص الفلسطينيين وحدهم، لكنها تخص العرب والمسلمين جميعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved