غضب الطبيعة

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 27 نوفمبر 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

يتحدثون عن الموجة الخامسة من الجائحة التى يتفاقم أثرها حول العالم مع برد الشتاء، عن الرسم البيانى للكورونا صعودا وهبوطا، وكيف يتخذ شكل الجرس مثلما سائر الأمراض الفيروسية التى تصيب الإنسان، مرحلة انتشار فى البداية، تصل إلى نقطة الذروة، ثم حالة من الثبات والركود، يليها انحسار تدريجى، وهكذا تتكرر الموجات حتى يضعف الفيروس، على أمل أن نصل إلى مناعة جماعية بفضل اللقاحات أو تتكون الأجسام المضادة الطبيعية. حركات من المد والجزر مثل البحر، لذا كلما نتورط فى الحديث عن الموجات المتتالية للفيروس، أفضل أن ألوذ بالبحر، بالموجة التى «تجرى ورا الموجة عايزة تطولها، تضمها، وتشتكى حالها من بعد ما طال السهر»، كما تشدو أم كلثوم بلسان حال الشاعر أحمد رامى. أفضل ذلك على التفكير فى أن العالم يرحل وأنه قد يحمل معه غرقى أكثر مما يحمل مبحرين، فالفكرة فى حد ذاتها قاتمة وكئيبة. أفضل صورة الطفلة التى تتعلق برقبة والدها وهى تصارع الأمواج ضاحكة لاهية وتصرخ كل مرة تنجو فيها من صفعات المياه «هوبا يا موجة»، منتشية بالنصر.
•••
تعلمنا منذ الصغر أننا لا نستطيع أن نُسكت البحر الهائج أو نجعل أمواجه تهدأ قليلا، البعض يختار أن يناطحها وآخرون يفضلون التماهى معها والسير مع التيار، فطالما نظرنا للبحر بوصفه جنون الطبيعة الأكبر، لكن حتى ذلك لم يعد أكيدا، فالطبيعة تقدم كل يوم دروسا فى التنوع والتأقلم. موسيقى البحر تولد من الريح التى تدخل إلى أعماق المياه، تستدعى الآلهة وتعلن التمرد. تنشأ الأمواج نتيجة لحركات الرياح والعواصف، وأيضا نتيجة لحركة المد والجزر، موجات ميكانيكية تنتشر على طول المسافة بين الماء والهواء، وتتشكل بسبب توليد قوة ضغط واحتكاك تؤدى إلى حدوث خلل فى اتزان السطح المائى، فيقف أمامها الكبار والصغار ما بين الانبهار والخوف. ترتفع أحيانا الأمواج إلى أكثر من 30 مترا، ترتطم بالصخور، تدفع سفينة يقودها ربان وهو يرتل أناشيد دينية وأهازيج البحارة، يصمت فى أحيان كثيرة لأنه يعرف أن الصمت أفضل.
•••
أجلس لساعات قبالة البحر، أراقب كلبا تمكن من الوصول إلى الضفة سابحا بمشقة، بعدما تراجعت المياه وراح غضبها. خلال رحلة اجتياز البحر، كانت الأمواج تداعبه حينا وتصفعه حينا آخر. انهمرت صفعات ولكمات البحر على وجهه وصدره، وأنا من بعيد أجلس على الشاطئ أتابع رقصة المياه الدائمة وتفاعلها مع الهواء وتفتت الضوء على سطحها وانعكاساته. البحر طفل فى ساعات الصفاء، مجنون عند الغضب. أمواجه تشبه النفس البشرية بكل ما فيها من تقلبات. تارة يبوح بما فى داخله، وتارة يسكت. ونحن نراقب دروس الطبيعة على كرسى مداد. نستمع إلى أصواته المختلفة، إلى صرخة الأمواج وهديرها ورجيفها. يرتفع الصخب، ثم يأتى الهدوء ببطء شديد. هدهدة رقيقة تحث على النوم والاسترخاء. مياه صافية مترقرقة على قيعان الحصى الملونة. هدأت العاصفة وذهب الغضب، غضب المياه، أما غضب الفيروس فلا يزال قائما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved