لسنا منهم يا ست سعاد

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: السبت 28 يناير 2017 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

عندما سئلت السيدة سعاد ثابت التي تم تعريتها وحرق منزلها ومنازل باقي أقباط قرية الكرم بمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا قبل 7 شهور: كيف تم حفظ القضية؟.

قالت السيدة السبعينية بلهجة صعيدية: "بص يا بيه القضية اتلعب فيها، كل الاطراف منهم والشهود منهم.. واحنا غلابة يا بيه.. هنروح لهم فين.. حقنا راح في الرجلين".

و"منهم" في هذا السياق تعود على المسلمين، التي تعتبرهم السيدة سعاد الطرف الثاني في القضية "الباغي" أو "الجاني" الذي اعتدى وأحرق وعرى وسحل، ثم قرر دفن القضية فقط لأن المعتدى عليها مسيحية ليس لها ظهرا ولا سند، "الشهود، كل اللي شاف حاجة قال عليها قدام المباحث، وقالوا أني اتعريت واتبهدلت ملط في الشارع، وأن بيتونا اتحرقت"، أضافت المجني عليها وهي تبكي في مداخلة تلفزيونية قبل أيام.

وأشارت إلى أنها لم تدخل لا هي ولا أبنائها القرية منذ طردهم منها قبل أكثر من نصف عام "مش قادرين نرجع لو رجعنا هيبهدلونا، العائلة اللي اعتدت علينا كبيره ومعاهم سلاح، وفي نفس الوقت مش قادرين على المعايش، أبني وولاده بيناموا على حصيرة".

وفي النهاية لم تجد الست سعاد غير الله لتشكو له ضعفها وقلة حيلتها وهوانها على الناس بعد أن تخلى عنها الجميع وختمت المداخلة قائلة: "ربنا معانا هو بس اللي مش هيفرط في حقنا.. اللي يعلموا ربنا هيكون.. وربنا يسامح الكل".

تم حفظ قضية "سيدة الكرم" ولم يتم احالة إي متهم للمحاكة لعدم كفاية الأدلة، وذيلت حيثيات الحفظ بتلك العبارة: "الدليل على تلك الواقعة جاء متهاترًا غير كافٍ لبلوغ الحد اللازم لإحالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية"، بالطبع الدليل "تهاتر" لأنه ترك أكثر من 6 شهور غير فيها شهود الإثبات أقوالهم بعد أن "قبضت قوات الأمن على أقاربهم كمتهمين فى وقائع حرق بيوت الأقباط! الأمر الذى أدى إلى تراجعهم عن شهادتهم لطمس الأدلة"، بحسب ما نقله الباحث والكاتب الصحفي سليمان شفيق.

الحكومة قررت دفن القضية وأهالت التراب عليها منذ البداية، وأرسلت وفودها إلى القرية لإقناع الأنبا مكاريوس أسقف المنيا بالتراجع عن موقفه المنتصر لدولة القانون والرافض لجلسات "تبويس اللحى"، وضغطت على كل الأطراف بما فيها رأس الكنيسة البابا تواضروس الذي أصدر حينها بيانا يطالب فيه الجميع بـ"ضرورة ضبط النفس، وغلق الطريق على من يحاولون المتاجرة بالحدث لإشعال الفتنة الطائفية"، فلحقت القضية بما سبقها من قضايا مشابهة لم يقدم فيها جاني واحد إلى المحاكمة، بدء من "الكشح" مروراً بـ"صنبو وأبو قرقاص والعياط والعامرية وكنيسة القديسين" وغيرها العشرات من الأحداث التي أهدرت فيها دولة القانون.

خلال افتتاحه قرية الأسمرات منتصف العام الماضي قدم الرئيس السيسى اعتذار للسيدة سعاد وقال لها: «أرجو إنك متاخديش على خاطرك مننا.. أحنا لا نقبل أن يكشف سترنا لأى سبب من الأسباب»، ساعتها ظن المتابعين أن دولة القانون ستحسم القضية وتعيد حق سيدة الكرم، الإ أن عرف "شبه الدولة" فرض نفسه، فحفظت القضية لعدم كفاية الأدلة.

عذرا يا ست سعاد، نحن لسنا منهم، معظم المصريين ليسوا منهم، بل منك ومثلك مهمشين فقراء، حقوقهم مهدورة مخطوفة، لن تعود إلا بتأسيس جمهورية العدل والكرامة والقانون.

محمد سعد عبد الحفيظ
Saadlib75@gmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved