معرض الكتاب.. ومخالفة التوقعات!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: السبت 28 يناير 2023 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

ــ 1 ــ
أعترف بأننى لم أكن متفائلا بدورة هذا العام من معرض القاهرة الدولى للكتاب الـ 54 التى تُعقد هذه الأيام بمركز مصر للمؤتمرات بالتجمع الخامس، خلال الفترة من 24 يناير وحتى 7 فبراير. كان يخامرنى إحساس قوى بالخوف الشديد (بل الرعب) من تأثير الأزمة الاقتصادية على الناشرين والكتاب والقراء، وكل أطراف هذه الصناعة الوطنية العظيمة، التى لا تدخل فى حسابات أحد، ولا يهتم بها أحد سوى أصحابها فقط!
كنت أتخوف من الآثار الكارثية للاضطراب العالمى فى الأسواق العالمية، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الغذاء والنفط وجنون سعر الدولار فى مقابل العملات المحلية، وسعى كل حكومات الدنيا إلى توفير الغذاء أولا ومصادر الطاقة ثانيا وتأمين السلع الاستراتيجية والضرورية ثالثا، وبالتأكيد فلن يكون ضمن أولوياتهم التفكير فى شىء آخر! وربنا يستر على الكتاب وأهله وصناعه وناشريه وقرائه.. إلخ.

ــ 2 ــ
وقبل شهر تقريبا من انطلاق هذه الدورة كان الحديث يتردد فيما يتردد كل عام من حيث تراجع الإمكانات، وضعف التنظيم، ومشكلات اللوجيستيات التى كانت تحفظ لمعرض الكتاب مكانته وتاريخه؛ فكلنا يعلم أن معرض القاهرة الدولى للكتاب بعد 2011 لم يعد أبدا هو ذاته الذى كان قبلها، من حيث احتلال الصدارة بين معارض الكتاب العربية فى التنظيم والحضور وعدد دور النشر المشاركة والفعاليات.. إلخ. وقل ما شئت عن المشكلات المزمنة الأخرى؛ التى برزت بشكل مخيف خلال السنوات الماضية، من تواضع الإمكانيات، وعن الارتباك والفوضى والعشوائية، كل ذلك معلوم؛ لكن شيئا واحدا وواحدا فقط ضمن لهذا المعرض الكبير والعريق أن يكون دائما فى الصدارة، وأن يكون قبلة لكل المثقفين، شاء من شاء وأبى من أبى.. كلمة السر التاريخية دائما فى نجاح الفاعليات الثقافية وأنشطة معرض الكتاب هى «الجمهور»؛ الناس، البشر، هم الحياة ذاتها.
هذا الجمهور وحده هو الذى أعطى ويعطى المعرض حيويته ونضارته وحضوره، رغم كل شىء؛ فما زالت الأسر المصرية البسيطة حريصة على زيارة معرض الكتاب ولو ليوم واحد؛ ما زالت أجيال وأجيال تحافظ على حنينها المتوهج لمعرض الكتاب؛ المواطن المصرى البسيط الذى لا يكترث له أحد هو الذى يمنح المعرض كل هذا البهاء والألق والحضور.

ــ 3 ــ
وفى ظل هذه الأجواء الغائمة المستريبة فى نجاح هذه الدورة، خاصة بعد أن ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها الكئيبة الكابية، فجأة وبدون اتفاق، ولا سابق تخطيط، ومن قلب الإحباط الدامس، انبثق ضياء أمل وفرح ونور تجسدت بصورة مذهلة فى تلك الدفعة الهائلة من النشاط والأمل والتفاؤل؛ دفعة غير عادية سرَت فى أوساط المهتمين والمعنيين بالكتاب ونشره وصناعته أولا، وفى محيط المتعاطين مع القراءة والمعرفة ثانيا، نفضت هذه الكتلة العظيمة من جمهور القراء والناشرين والمثقفين عن نفسها أى ظلال يأس أو إحباط أو «انتظار البلا»، وقررت مواجهة كل ذلك بالأمل والعمل والتفكير خارج الصندوق، ولا شىء آخر غير ذلك!
وتوالت الإعلانات والمبادرات عبر السوشيال ميديا والمواقع الثقافية ودور النشر المصرية، كى تؤكد أنها ستواجه هذه الظروف الصعبة، وستتحدى الغلاء وستقدم جديدها من المعرفة والكتب رغم أى شىء، وبدأ ظهور الأغلفة الجديدة المبهجة المفرحة، والعناوين التى ينتظرها كل عشاق الكتب والقراءة والأدب والمعرفة عموما، من العام إلى العام. وهنا أحب أن أرصد ظاهرة بزوغ جيل جديد من شباب المصممين.
أزعم الآن أن جيلا بل أجيالا جديدة تتخلق وتتشكل وتعبِّر عن نفسها جماليا وبصريا، فلم تعد سوق تصميم الأغلفة مقصورة على الأسماء المعروفة والمكرسة والتى سيطرت على هذا النشاط طيلة السنوات العشر الماضية. عشرات الأعمال والأغلفة الجديدة بتصميمات مبتكرة وأفكار رائعة تؤكد حضور هذه الأجيال، وتفتح آفاق هذا الفن إلى حدود لا تحد، وقد أسالت هذه الأغلفة بالفعل لعاب محبى القراءة والشغوفين بها، وأشعلت فضولهم إشعالا مضاعفا!

ــ 4 ــ
وبالتوازى مع هذه الدفقة الحيوية من الإعلانات عن الأغلفة الجديدة، وعن العناوين الجديدة، والإصدارات الجديدة، انطلقت مبادرات أخرى تزامنت مع بعضها بعضا، وتداخلت فى مزيج متجانس رائع أشبه بلوحة الموزاييك المبهجة التى تسر الناظرين، قادتها دور النشر المصرية، منها العريق والراسخ فى المهنة، ومنها الحديث الشاب المتوثب المتحدى، ومنها دور عديدة متنوعة من الصفوف الأولى وما بعدها، كلها تعلن بحماس عن حزمة خصومات هائلة، وتيسيرات مذهلة وغير مسبوقة على إصداراتها الجديدة والقديمة على السواء..
خصومات تصل إلى أكثر من ستين فى المائة بل وأعلنت بعض دور النشر عن أسعار مخفضة «حقيقية» معلنة على صفحاتها الترويجية تبدأ من سعر 10 جنيهات ولا تزيد على الخمسين جنيها!
على المستوى الشخصى، لم أكن أتوقع أبدا أن تحدث هذه الانتفاضة العفوية المقاومة للظروف والتحديات، وكالعادة يثبت قطاع أصيل من أهل الصناعة المصرية، ومن الجمهور المصرى، أنه قادر على مواجهة التحديات والأزمات مهما كانت الظروف، ومهما كانت المعوقات والصعوبات.

ــ 5 ــ
وفى اليوم الأول لافتتاح المعرض للجمهور (الخميس 26 يناير) ملأت صور الحشود والطوابير من الشباب ومن كل الأعمار صفحات السوشيال ميديا ووسائل الإعلام المختلفة. صور رغم اعتياديتها طيلة العقود الماضية، لكنها فيما مضى تعنى شيئا، والآن ــ وفى هذه الظروف ــ تعنى شيئا آخر تماما.
رصدت عينات من تعليقات الكُتاب والمثقفين والقراء الأشقاء من الدول العربية على هذه الصور وهذه المشاهد... القاسم المشترك فى هذه التعليقات يمكن تلخيصه فى هذه العبارة «لا شىء يمكن أن يواجهكم، ولا يمكنكم تجاوزه والتغلب عليه».
أسعدنى وأفرحنى وأرضانى وأشعرنى بالفخر أن أقرأ الأسطر الجميلة والنبيلة من الكاتبة الإماراتية الكبيرة والمثقفة العروبية الرائعة عائشة سلطان، المثقفة العربية المحبة لمصر والحريصة على نجاح كل فعل ثقافى عربى، ختمت كلامها الجميل بذلك السطر الجميل «مصر حلوة وعظيمة، وستبقى كذلك بكم ولأجل كل العرب».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved