من كوارث عبدالناصر..

الأب رفيق جريش
الأب رفيق جريش

آخر تحديث: السبت 28 يناير 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

فى عام 1878، حضر سمعان صيدناوى إلى مصر من قرية «صيدنايا» السورية، فارا من الاضطهاد العثمانى لمسيحيى الشام فى ذلك الوقت. قرية صيدنايا هى قرية صغيرة أغلب سكانها من طائفة «الروم الأرثوذكس، واسم القرية يعنى «سيدتنا» حسب اللغة السيريانية.
فى بلدته بالشام، كان سمعان بائعا موهوبا. وحين وصل إلى مصر، بدأ فى ممارسة نفس عمله فى مهنة البيع. ومع الوقت استطاع امتلاك دكان صغير، وكتب لأخيه سليم بالشام يدعوه للعمل معه. وبالفعل حضر سليم إلى مصر. إلا أنه فضل الاستمرار فى مهنته الأصلية، وكان «ترزيا ماهرا». وشارك صديقا له يدعى «مترى صلحانى» فى دكان صغير ولكن شبت النيران فى الدكان وأتت على جميع محتوياته.
طلب سمعان من شقيقه مشاركته فى دكانه بسوق «الحمزاوى» بحى الجمالية، وأطلقا على المحل «سليم وسمعان صيدناوى للخردوات»، هذا المحل كان حجر الأساس فى «إمبراطورية الصيدناوية».
***
فى البداية كانت مبيعات المحل بطيئة إلى أن جاء يوم أتت فيه مجموعة من «سيدات البلاط الخديوى» للتسوق واشترين أغراضا كثيرة. وغادرن الدكان وقد دفعن مبلغا من المال يزيد عن قيمة الأغراض دون أن ينتبهن. وبعد أسابيع، عادت إحداهن للدكان لتشترى مجددا، فأسرع إليها سمعان وشرح لها ما حدث ورد لها فرق السعر.
أعجبت السيدة بأمانة التاجر الشامى، وأخذت تروى تلك الواقعة لجميع معارفها. وسرعان ما أصبح اسم صيدناوى مرادفا للجودة والأمانة، حتى أن النساء كنَّ يمتنعن عن شراء الأغراض التى تبيعها لهن الدلالات فى البيوت إلا إذا كانت تحمل اسم صيدناوى.
مرت السنوات واتسعت تجارة الأخوين وافتتحا متجر «جراند صيدناوى» بميدان «الخازندار» يوم 2 نوفمبر من عام 1913.
صمم المبنى المعمارى الفرنسى «جورج بارك» مستوحيا تصميمه من متاجر «جاليرى لافاييت» وبرانتون فى باريس.
كانت البضائع فى تلك الفترة مثار إعجاب الجميع فكانت تضم أحدث الموضات العالمية. وبذلك احتل صيدناوى المركز الثانى من حيث الرقى والفخامة بعد متاجر «شيكوريل». وسرعان ما انتشرت فروع صيدناوى فى محافظات مصر «كالإسكندرية وطنطا والفيوم وأسيوط»، وتأسست شركة شحن خاصة بصيدناوى تقع مقارها بين باريس ومانشستر بإنجلترا.
***
توفى سليم صيدناوى، وحل محله ابنه إلياس «إيلى». وتوزعت الإدارة بين إيلى وبين عمه سمعان وابنيه جورج ويوسف، فتولى أحدهم قسم الملابس الجاهزة والآخر قسم المفروشات والموبيليات.
وصلت تجارة صيدناوى إلى ذروتها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث مرت قوات الحلفاء بمصر، منفقة أموالا طائلةً، مما أدى إلى حالة من الرواج فى عموم البلاد. واستمرت الشركة فى النمو إلى أن توقف كل شىء.
***
فى صباح أحد أيام عام «1961» كان إيلى يجلس فى شرفة فيلته بحى جاردن سيتى قبل توجهه لعمله، عندما فتح جريدة الأهرام قرأ خبرا نزل عليه كالصاعقة، وأيقن معه أن زمن وتاريخ الصيدناوية قد ولى من مصر: كان الخبر عن «تأميم الحكومة المصرية لـ 700 من الممتلكات الخاصة. وكانت شركة صيدناوى ضمن تلك الأسماء».
أسرع إيلى وابن عمه جورج إلى متجر جراند صيدناوى بالخازندار، فوجداه محاطا بممثلى الحكومة الذين أخبروهما بنزع ملكية المكان لصالح الدولة، وأنهم سيقومون بتعيين إدارة جديدة له.
وقف الشابان وسط ميدان الخازندار يسيطر عليهما الذهول والذعر.
تم حل مجلس إدارة شركة صيدناوى وقتها واستبداله بإدارة جديدة، وسارت الأعمال كالمعتاد. إلا أنه، فى الواقع، لم يعد أى شىء كسابق عهده.
***
بعد التأميم غادر الصيدناوية مصر واحدا تلو الآخر. فغادر إلياس لسويسرا لتلقى العلاج، واتبعه ابنه سليم إلى ألمانيا لدراسة الموسيقى، أما جورج ويوسف ابنا سمعان فقد غادرا إلى بيروت. واليوم، تفرق أبناء الصيدناوية فى ربوع الأرض: فسليم الصغير أصبح عازفا للبيانو وناقدا موسيقىا مرموقا ويعيش بين القاهرة وباريس. وحقق بعض الصيدناوية الآخرين شهرة دولية، مثل «ستيفان صيدناوى» المصور والمخرج المقيم فى باريس، وكذلك عارضة الأزياء «إليسا صيدناوى».
اسم صيدناوى مازال مكتوبا على اللافتات التى تعلو المتاجر والمستشفيات فى جميع أنحاء مصر، وهو الأمر الذى يجلب مشاعر مختلطة من المرارة والفرحة إلى قلوب الصيدناوية عندما يزورون مصر وطنهم حتى اليوم.
***

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved