تلك الأسئلة.. البلهاء!

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: السبت 28 فبراير 2009 - 4:18 م بتوقيت القاهرة

 فى المطار كان ضيوف مهرجان القاهرة السينمائى يتوافدون على مصر، ومن باب المبالغة والإيحاء بالاهتمام وقفت مذيعة التليفزيون على باب الطائرة وهو يفتح، وحين خرج أول أجنبى أسرعت المذيعة لتسأله: هل هذه أول زيارة لك لمصر؟

أجاب، نعم. فبادرته منتشية بلغتها الإنجليزية الركيكة بالسؤال الثانى القنبلة: ما رأيك فى مصر؟!
وقفتُ يومها صارخا وأنا أتابع المشهد، فالرجل يقول إنها المرة الأولى التى يزور فيها البلد، وهو لم يخرج بعد من الطائرة، فكيف يدلى برأيه عن مصر.. وللمصادفة العجيبة.. كان ذلك هو نفسه رد الضيف الذى قال بالنص: «لقد خرجت للتو من الطائرة وهى زيارتى الأولى لبلدكم فلماذا لا تنتظرين حتى أراها لأجيب عن سؤالك».

الإجابة لم تترجمها المذيعة، ولكنها نظرت للكاميرا وأجابت بابتسامة صفراء لعلها تقنع الذين تظن أنهم لا يعرفون كلمة واحدة إنجليزية، وهو افتراض آخر بجهل غير موجود عند المصريين، ألا يكفى الافتراض الغبى بمخاصمة المصريين للذكاء عند الإعلام وخطابه؟!

أنا شخصيا أرى مصر جميلة وأجمل بلاد الدنيا بناسها وشمسها وترابها وسحابتها السوداء، وأعتقد أن بلدنا ليست فى حاجة لتلك الشهادات الأجنبية التى نتسولها ونستجدى فيها شهادة بأننا بلد حضارة، وبلد خوفو وتوت، وبلد جميلة وديمقراطية. وبلد سبقت العصر والمغرب بأسئلة من نوع: «ما رأيك فى الغردقة.. ما رأيك فى مصر؟ كيف ترى الشعب المصرى؟!

وتتنوع ردود الأجانب بين المجاملة والنفاق وسد الحنك على تلك الأسئلة البلهاء التى يقوم مذيعون وإعلاميون بطرحها على ضيوفنا الأجانب.

ولم يحدث أبدا أن سمعت أو رأيت مذيعة إنجليزية تسأل ضيفا إسبانيا: ما رأيك فى إنجلترا، ما رأيك فى الشعب البريطانى. ما رأيك فى أمطار لندن وأمواج بحر الشمال؟!
لماذا لا نثق فى بلدنا أو فى أنفسنا، ولماذا نرى شهادات الأجانب مثل صكوك الغفران والبراءة، ولماذا هذا الشعور الدائم بأننا متهمون، وما هو هذا الاتهام ومن الذى يتهمنا؟!

عندما وقع حادث الحسين الإرهابى، وهو عمل إجرامى أسود وقمىء، سارعت كل القوى المصرية برفض هذا العمل الدنىء، وهو أمر منطقى وطبيعى، فمن يوافق على قتل البشر بلا سبب، ومن يرضى بقطع أرزاق الناس.

لكننا مارسنا كعادتنا عمليات الاستجداء والبحث عن شهادات تبدو شديدة البلاهة من الأجانب، وشديدة الغباء بعرضها من جانب الإعلام، وذلك بنقل تصريحات لسائحين فرنسيين ومن جنسيات أخرى فى نطاق منطقة الحسين يؤكدون فيها أنهم سعداء بمصر، وأنهم سيعودون إلى القاهرة وسوف يزورون الحسين، وأن الحادث الإرهابى لم يرهبهم، وكان ناقصا أن ننسب لبعض السائحين القول بأنهم يتمنون الموت فى مصر وفى تلك المنطقة تحديدا، وأنهم سوف يعودون إلى الحسين مرة أخرى أملا فى أن تصيبهم قنابل الإرهاب وتتمزق أجسادهم إلى أشلاء، ويموتون سعداء..

لأن قنابل الإرهابيين فى باريس ليست لها نفس الطعم اللذيذ لقنابل الإرهابيين فى حى الحسين؟!

وبنفس الأسلوب الأبله فى التعامل مع الأحداث الجسيمة والمؤلمة التى تقع فوق أرض مصرنا، يتعامل الإعلام مع الحوادث والكوارث والجرائم، فيوم يركب قطار مسافر إلى الصعيد محطة ركاب ويُسقط عشرات الضحايا من الذين كانوا ينتظرون وصوله ولا يتصورون انقضاضه عليهم، يسرع الإعلام بإبراز حادث قطار وقع فى نيودلهى وأودى بحياة مائة هندى، وإذا غرقت مركب فى النيل نفرد مساحات واسعة لغرق عبارة فى الفلبين.. ويتكرر الأمر بطريقة: «يحدث فى أحسن البلاد».. وهو شعور مريب وغريب لدى الحكومة بأنها متهمة!

إن هذا الخطاب الإعلامى لابد أن يتغير.. لابد أن ينتهى. فالشعب المصرى أذكى مما يتخيل من يخاطبونه.. الشعب المصرى «يفهمها وهى طايرة ويفهمها قبل أن تطير».. واسألوا الست صابرين وعم صابر!

الصبر يا رب!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved