الصبر جميل

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 28 فبراير 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

كم عانيت وأنا أقوم بحصر الأعمال السينمائية الروائية فى الطبعات العديدة من «موسوعة الأفلام العربية»، وذلك بالنسبة لكتابة أسماء بعض الأفلام، وعلى المستوى العملى حتى ساعة مرت، تصورت أنهما فيلم واحد، فهما من بطولة تحية كاريوكا، ومحمود المليجى ومحمود شكوكو، لكنهما فيلمان، الأول اسمه «الصبر طيب» من اخراح حسين فوزى عام 1945، والثاني« الصبر جميل « من اخراج نيازى مصطفى عام 1951، وطالما انها تحية كاريوكا فلابد من تشابه الأجواء على الأقل، وقد سبق أن قدمنا الفيلم الأول منذ عدة أشهر، وتوقفت عن الاقتراب من الفيلم الثانى ظنا أنهما فيلم واحد، ربما بسبب زحمة الأسماء، فالصبر إما طيب أو جميل حسب عناوين الأفلام، أو بسبب السن، لكن لا أظن، فالأمر يعكس أزمة فى عناوين الأفلام، وتكرار الافكار، فالفيلم الذى نقدمه اليوم من بطولة محمد الكحلاوي، وشادية، وهو أول فيلم تشارك فى بطولته حورية حسن، وأهميته أيضا انه يدور داخل شركات مليئة بالعمال، ما يعنى اهتمام حكومات ما قبل الثورة بالعمال، فهناك مشهد عابر أن الكحلاوى بمجرد استلامه العمل سمعنا زمارة يذهب بمقتضاها العمال إلى مطعم الشركة، هذا المطعم بالغ الاتساع، ويجلس العمال لتناول الوجبة، وقد يتبادلون الغناء، والمرح قبل العودة إلى عنابر العمل، وانا أعرف أن هذه الظاهرة ممتدة، لكن ترى كيف هى الآن.
الفيلم يدور حول ثلاث نساء فى محيط ثلاثة رجال أبرزهم العامل محمد حنفى الذى يهوى الغناء أثناء الشغل، وهو يعمل فى الليل فى كازينو، ولا يعرف الاستقرار فى أى وظيفة نهارية، حيث تتعدد الاسماء، وبطة الجارة التى يحبها محمد هى المرأة التى تطمح فى الزواج من مدير عام فما فوق وهى ستكون واحدة من ضحايا المدير العام عزت، الذى يزمع الزواج من درية صاحبة المصنع لثرائها، درية هذه تجسدها شادية وهى فتاة بسيطة، تأتمن المصنع لدى عزت المقامر، الذى يرتاد الكباريهات ويحب الراقصات بحيث يصبح الطمع قى المال هو محور الصراع، اذن فالشخصيات كلها عدا محمد وصديقه الذى يجسده شكوكو إما مقامرون أو مخمورون أو ضعفاء تجاه الجنس الآخر، وحين تنتبه درية إلى سلوك حبيبها الشرير تقرر الانفصال عنه، لكنها غير قادرة على المقاومة، وتطلب من محمد العمل عندها، وأن يمنعها من الامتثال لعزت، لقد تمنت أن يظهر رجل فى حياتها لانقاذها من عواطفها.
الشخصية الرئيسة هو محمد الكحلاوى، أبرز مطرب شعبى فى تلك الفترة كان لديه مشروع سينمائى قام فيه بدور المطرب البسيط، وهو فى الغالب يقوم بتلحين اغنياته، كما يلحن للآخرين، لذا فإنه فى الفيلم يغنى فى أماكن عديدة منها أحلام درية صاحبة المصنع، كنا أنه هنا يغنى فى محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، مثلما فعل فى افلامه الأخرى السابقة واللاحقة، وعلى طريقة نيازى مصطفى فإن محمد يلتقى بالقطة الجنية التى تجسدها كيتى، وهى تلعب هنا دور طاقية الاخفاء فى أفلام المخرج، كما انها المعادل لعفريتة هانم تساعد محمد فى التصدى لشرور عزت، وهنا استخدم المخرج الحيل نفسها التى سبق أن قدمها، حيت يقوم ثلاثة أشخاص بالمرور من خلال الحوائط، وفى مرحلة متقدمة نكتشف أن كاتب السيناريو رجع إلى النص الأجنبى المأخود منه فيلمى «قبلنى فى الظلام» اخراج محمد عبدالجواد 1959، و«لعبة الحب والجواز» اخراج نيازى مصطفى أيضا عام 1964 أى ان نيازى اخرج الفيلم مرتين، فهناك امرأة متعلقة برجل وغد بتلاعب بمشاعرها، وتقوم بتوظيف شخص لديها لأسباب عاطفية، مفادها أن عليه أن يكون فاصلا بينها وبين من تحبه، وهكذا يتم تعيين محمد المفلس كى يتصدى لعزت، وفى كل مرة يظهر عزت أمام درية فإن محمد يتدخل، بما يعنى انه ليس لدينا جديد فى القصص، وأنا شخصيا لا أعرف من هو الذى كتب قصة الفيلم التى اقتبسها وهوكمال محمد مجاهد، علما أن المخرج هو كاتب السيناريو، بينما كتب الحوار بديع خيري.
عزت هنا شخص لعوب مثلما الحبيب فى الفيلمين الآخرين، انه يتلاعب بأكثر من امرأة منهن الراقصة أسرار التى تجسدعا تحية كاريوكا، وبطة التى تجسدها حورية حسن، أما درية فتكتشف حقيقة عزت، وتنتهى الأمور أن تكون صاحبة المصنع درية من نصيب محمد، ونحن نقدم الفيلم هنا لنؤكد أن السينما المصرية سارت دوما فى حلقات مفرغة، مجوفة بلا معنى، وأن الأسماء الكبيرة التى عرفت بتنوع انتاجها وغزارته لم تجدد نفسها أبدا، والعمل الاساسى الذى نحن بصدده هو مسرحية أقرب إلى أعمال بومارشيه الذى كتب مسرحية باسم « لعبة الحب والزواج» التى رأيناها على الشاشة المصرية مرات عديدة منها « فاطمة وماريكا وراشيل»، وعليه فإن الموضوع الذى طرحه فيلم اليوم يجعلنا نتساءل: هل يستحق أن ننتجه ثلاث مرات على الأقل باعتبار انه عن اكتشاف الافلام المجهولة فى السينما المصرية، ويجب أن نعرف أيضا أنه لا أحد كتب بالاسلوب نفسه الذى نتبعه، ما ساعد أكثر فى تجهيل معالم الخريطة، فهى أفلام تحسب لتاريخنا يضم التواريخ الفنية لكبار مخرجينا وعلى رأسهم نيازى مصطفى الأطول عمرا فى العطاء، ونجومنا ومنهم شادية وتحية كاريوكا ومحمود المليجى، وقد دفعنى الأمر أن أفكر فى عمل كتاب جديد حول الأفلام المصرية التى تكرر إنتاجها أكثر من مرة وتوصلت إلى مائة وعشرين مصدرا على الأقل، بعضها تم عمله ست مرات مثل الأفلام المأخوذة عن «روميو وجولييت»، و«الكونت دى مونت كريستو» و«غادة الكاميليا»، ولك أن تتصور النسبة المئوية التى تمثلها هذه الأفلام من مجموع حصاد أفلامنا، التى تحمل هويتنا مهما كانت قيمتها الفنية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved