تفكيك عقدة إدلب

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الجمعة 28 فبراير 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب «مارك بيرينى» تحدث فيه عن مؤتمر إسطنبول المقرر عقده فى 5 مارس 2020، وما يمكن أن يخرج به هذا المؤتمر بخصوص تطور الأوضاع فى إدلب وتوتر العلاقة بين تركيا وروسيا.. جاء فيه ما يلى.
أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى 22 فبراير عن أن قمة ستعقد فى 5 مارس فى إسطنبول، تضم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إضافة إليه، لمناقشة الوضع فى إدلب، وإذا ما أكد كل المشاركين هذه الخطوة، ستسنح فرصة أمام القادة لمحاولة تفكيك تناقضات الحرب المعقدة فى شمال غرب سوريا. بيد أن مثل هذه الفرصة ضحلة فى الواقع، خاصة فى ضوء تضارب المواقف التركية والروسية.
فالاتفاقية التى تم إقرارها فى سوتشى بين أنقرة وموسكو فى سبتمبر 2018 لإقامة وإدارة منطقة عازلة فى محافظة إدلب، كانت تتسم بالقصور منذ البداية، إذ كانت روسيا، كما إيران، تبدى باستمرار اعتراضين عليها هما: ضرورة استئصال بقايا الجهاديين فى المنطقة، وعودة إدلب إلى سيطرة النظام السورى، بيد أن أنقرة، التى كانت تزود الجماعات التى تقاتل نظام الأسد بالأسلحة والتدريب، لم تكن تنوى أصلا القضاء جسديا على مئات المقاتلين.
والآن، ثمة نحو 800 ألف نازح سورى عالقون بين فكى ظروف عاتية على طول الحدود مع مقاطعة هاتاى التركية، وهذا أطلق توترا عاليا بين أردوغان وبوتين وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حين تكبد الجيش التركى أكثر من 12 جنديا سقطوا بنيران القوات السورية والروسية. والحال أن هذا النزاع يلقى بظلال كثيفة على ما كان شراكة متنامية بين روسيا وتركيا، تسامحت موسكو بموجبها مع العديد من الغزوات التركية داخل سوريا (عمليات درع الفرات، وغصن الزيتون، وينابيع السلام)، وباعت أنقرة نظام الدفاع الجوى إس ــ 400، كما أوفدت خبراء روسا لتقديم المساعدة التقنية لها.
حين واجه أردوغان (الذى لم يقلل القادة الأوروبيون من حملاته الإعلامية القاسية ونفذ إجراءات عدوانية على الحدود البحرية، بما فى ذلك التنقيب عن الغاز فى المياه القبرصية)، الموجات المتصاعدة من اللاجئين إلى حدود بلاده، أطلق تهديدا آخر: إذا لم تساعد الدول الأوروبية تركيا فى مسألة اللاجئين الجدد، فإنه «سيشرع الأبواب» أمامهم للوصول إلى أوروبا، وفى هذه الأثناء، كانت موسكو تصعب الأمور أكثر حين رفضت باستمرار السماح بعبور المساعدات الإنسانية إلى النازحين السوريين داخليا فى إدلب.
***
فى ظل هذه الأوضاع المعقدة، من الصعوبة بمكان التكهن كيف يمكن أن ينتهى مؤتمر إسطنبول. لكن يمكن للمرء أن يأمل مثاليا بصدور أربعة قرارات، ليس أى منها قيد البنان. القرار الأول، والأكثر إلحاحا، هو أن توافق روسيا وتركيا على إقامة منطقة إنسانية على الجانب السورى من الحدود بين إدلب وهاتاى. مثل هذه المنطقة قد تكون بعمق 10 كيلومترات وطول 160 كيلومترا، وتقع تماما بين شمال الحدود عند معبر باب الهوى وبين الطريق السريع إم ــ 4 الذى يربط اللاذقية بالطريق السريع إم ــ 5 بين دمشق وحلب.
من السهل تخيل هذه المنطقة على الورق، لكن تنفيذها سيكون فى غاية التعقيد بسبب النشاط الزراعى الكثيف فيها، خاصة بساتين الزيتون والمحاصيل المروية على أراضٍ مسطحة على طول نهر العاصى، إن مثل هذا الاتفاق، يجب أن يستند إلى التزام قوى من جانب روسيا بالضمانات الأمنية التى يتعين أن تحصل عليها من دمشق، وبالتنفيذ الصارم للاتفاق كى تتمكن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية من العمل فى المنطقة بأمان.
تكمن المسألة السياسية هنا فى الثمن الذى ستطلبه روسيا من تركيا مقابل ذلك. وهذا قد يشمل طى صفحة اتفاقية سوتشى، وسحب كل القوات التركية من نقاط المراقبة داخل إدلب، ووضع حد لدعم أنقرة للميليشيات التابعة لها. فى المقابل، تحصل تركيا على مكسب احتواء النازحين فى الجانب السورى من الحدود معها. لكن، حين نضع فى الاعتبار الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول خرق اتفاقية سوتشى، قد نستنتج أن التوصل إلى مثل هذه التسوية قد يكون صعبا للغاية.
القرار الثانى هو الدور الذى يمكن أن تلعبه فرنسا وألمانيا ــ وعبرهما الاتحاد الأوروبى ــ فى مثل هذا الترتيب. مثل هذا الدور يمكن أن يكون ذا وجهين، أحدهما دبلوماسى محض يقوم بموجبه الاتحاد الأوروبى بالتوسط بين الرئيسين التركى والروسى لمحاولة إقناعهما بأن النزاع العسكرى المفتوح ليس حلا لأى منهما. أما الوجه الآخر فهو إنسانى، حيث يوافق الاتحاد الأوروبى على إطلاق برنامج مساعدات إنسانية فى المنطقة. بيد أن هكذا دور ينطوى على شروط عديدة، تبدأ بضرورة إنهاء سردية أردوغان العدائية ضد هذا الاتحاد، وتمر عبر شمول الاتفاق أفضل شريك لأنقرة فى المنطقة، قطر، التى يمكن أن تضخ الأموال عبر الأمم المتحدة.
***
«الإنجاز» المحتمل الثالث، الذى سيكون هذه المرة على هامش القمة، هو التوصل إلى اتفاق لبدء حوار تركى ــ أوروبى حول الحدود البحرية وعمليات التنقيب عن الغاز فى مواعيد لاحقة. هذه القضايا الشائكة ليست قانونية أو تقنية تتعلق بالوضع السورى. لكن، إذا ما أراد أردوغان تلقى الدعم الأوروبى لمساعدته على التعاطى مع مسألة اللاجئين، يجب عليه أن يدرك أن لغته وخطواته الهدامة حيال كل شىء يتعلق بالاتحاد، لا تتوافق مع دعواته المتكررة لأوروبا إلى تقديم المساعدة.
بالمثل، يتعين أن يدرك الرئيس التركى بأن تجدد التعاون الاقتصادى بين الاتحاد الأوروبى وتركيا لن ير النور من دون إحراز تحسن فى مجال حكم القانون فى بلاده. إذ لماذا قد يخاطر رجال الأعمال والمصارف الأوروبيون بأموالهم فى بلاد أصبحت القرارات الاعتباطية فيها تتدفق كالسيل؟ قد يطرح القادة الأوروبيون مجددا قضية عثمان كافالا، الذى تبرأ أخيرا خلال محاكمة المتهمين بمشاركتهم فى تظاهرات ضد الحكومة فى حديقة غيزى العام 2003، والذى سجن ثانية فور إطلاق سراحه بتهمة باطلة تدعى مشاركته فى محاولة الانقلاب العسكرى العام 2016.
القرار الرابع داخلى محض بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبى. فقد تكون قمة إسطنبول المقبلة فرصة مثالية لإعادة إضفاء البعد الأوروبى ثانية على سوريا وشرق المتوسط، كما حدث للتو فى ليبيا. فالقيادة الحصرية لبرلين وباريس، التى يجب لا محالة أن تترجم إلى قرارات فى الاتحاد الأوروبى والمجلس الأوروبى، لا يمكن أن تبقى إلى الأبد حكرا على ماكرون وميركل. لقد اتفق هذان الأخيران قبل أشهر قليلة على تعيين جوزيب بوريل كممثل أعلى جديد للأمن والسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى. إنه شخصية له خبرة ودراية دبلوماسية وسطوة سياسية. وبالتالى، ثمة أمر يجب الآن القيام به: خذوه إلى إسطنبول مع وزيرى الخارجية الألمانى والفرنسى، جان إيف لودريان وهايكو ماس. فهذا سيطمئن الحكومات الأوروبية الأخرى، ويسهل قرارات المتابعة فى بروكسل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved