رأس مال المجتمع

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مارس 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

يمتلك أى مجتمع أكثر من شكل لرأس المال. هناك رأس مال مادى (عقارات، أرض، معادن، إلخ)، ورأس مال نقدى (أموال سائلة)، ورأس مال بشرى (البشر المتعلم المدرب القادر على المنافسة فى سوق العمل)، ورأس المال الدينى (المؤسسات الدينية، الرموز، والقديسون والأولياء، إلخ)، ورأس مال ثقافى (مؤسسات ثقافية، مثقفون، آثار، إلخ)، وإلى جوارهم يأتى رأس المال الاجتماعى (العلاقات التى تقوم بين الناس على أساس من الثقة والاحترام المتبادل). وعلى الرغم من أن الباحثين فى علم الاجتماع يضعون مؤشرات لقياس رأس المال الاجتماعى، فإن الكثير يتبنى معيارا أساسيا، هو الأمان الذى يشعر به الأطفال عندما يمشون أو يلعبون فى الشارع. إن لم يأمن الناس على أنفسهم، أطفالهم وبناتهم ونسائهم من السير بمفردهم، وفى أوقات مختلفة من اليوم، فإن معنى ذلك أن مستوى رأس المال الاجتماعى منخفض.

ارتعد المجتمع لقصة «طفلة البامبرز»، وهى قصة مرعبة، وغير آدمية، بطلها مجرم فى قرية. بالتأكيد يعانى من خلل نفسى، تزوج وطلق، دخل السجن وخرج منه، ثم وجد طفلة تلهو فحملها على كتفه، واعتدى عليها جنسيا. هناك من يطالب بإعدامه، وإعدام كل من يعتدى على طفل أو يهتك عرض طفل أو أنثى، وقد يكون فى ذلك ردع لهؤلاء المجرمين، ولكن المسألة التى ينبغى أن نتوقف أمامها هى الخوف من الآخر، والشارع غير الآمن، وشعور الناس بعدم الارتياح إزاء وجود أطفالهم وبناتهم خارج المنزل.

استوقفنى رجل مسن يسكن إلى جوار منزلى قائلا: اكتب عن «طفلة البامبرز»، وقل لكل زملائك أن يكتبوا عنها. قلت له الإعلام سلط الضوء عليها، واستنفر الشعور الشعبى حولها. الإشكالية أن الأمان فى المجتمع مسئولية المواطن، ورأس المال الذى يمتلكه المواطنون، وليس فقط جهاز الشرطة، الذى لن يتمكن بالطبع لا فى مصر، ولا فى أى دولة أخرى أن يخصص لكل مواطن رجل شرطة، ومن يطالع صفحات الحوادث فى الصحف يجد نوعيات غريبة من الجرائم التى هبت رياحها الثقيلة على المجتمع مثل: هتك العرض، وزنا المحارم، وتعذيب الأطفال بما فى ذلك دور رعاية الأيتام والحضانات، التحرش بجميع أشكاله، إلى جانب أشكال الإجرام المعتادة، وهو ما يصيب المجتمع بقلق، ويجعله يخشى على مستقبله فى ضوء هزات اجتماعية حادة نتيجة ارتفاع الأسعار، وموجات الغلاء المتتابعة، وانخفاض قيمة الجنيه، ووجود طاقة شبابية معطلة عن العمل، فضلا عن وجود شعور بالقنوط والإحباط، أحيانا طبيعيا، وأحيانا أخرى نتاج عملية تغذية ممنهجة.

فى لحظات لم يوجد فيها جهاز الشرطة فى أعقاب 28 يناير 2011م، انتفض الناس عبر سلسلة من اللجان الشعبية يدافعون عن أنفسهم، وممتلكاتهم، وأسرهم، وشعر الناس بالأمان خلال تضافرهم مع بعضهم بعضا، بالطبع هناك ارتفاع فى مستوى الأمن الذى يشعر به المواطن عما كان عليه منذ سنوات، ولكن نحتاج إلى تغذية الشعور بالثقة المتبادلة، والأمان بين الناس. باختصار نحتاج إلى رفع منسوب رأس المال الاجتماعى. دعنا نفكر فى المحليات، ونطلب من الحكومة إطلاق مبادرات تنموية محلية تساعد الناس على المشاركة، والارتباط ببعضها، ومن خلال خبرة العمل المشترك تتحقق المصلحة العامة، ويرتفع منسوب الثقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved