الاحتجاج الاجتماعى بإسرائيل 2011

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 29 مارس 2017 - 9:04 ص بتوقيت القاهرة

نشر Saga Journals مقالا لـ«أورى رام» و «دانى فيلس» ــ الأستاذين بجامعة بن جوريون الإسرائيلية ــ حول الاحتجاج الاجتماعى الذى قام به مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين الذين ينتمون للطبقة الوسطى فى 14يوليو من عام 2011.

يبدأ الكاتبان المقال بالحديث عن موجة الاحتجاج الاجتماعى التى اجتاحت أغلب أنحاء الدولة اليهودية، ويرى البعض أن ذلك التاريخ الذى اختير ــ14 يوليو ــ كان ملائما للغاية لاندلاع تلك الاحتجاجات للطبقة الوسطى تحديدًا، ففى نفس التاريخ من عام 1789 حشد المواطنون الفرنسيون أنفسهم لاقتحام سجن الباستيل معلنين أن الطبقة الثالثة هى الشعب الفرنسى. مع هذا فما حدث فى صيف 2011 يعد أقرب إلى تمرد باريس 1968 أكثر منه للثورة الفرنسية. ففى شهرى يوليو وسبتمبر انتشرت عشرات المخيمات الخاصة بالمحتجين فى جميع أنحاء إسرائيل، وقاموا بتقسيم أنفسهم بحيث يسير مئات الآلاف منهم كل يوم سبت تقريبا مرددين شعار «الشعب يريد العدالة الاجتماعية». وكان ذلك الاحتجاج غير مسبوق فى إسرائيل، ليس فقط من حيث كثافة المشاركين، بل من حيث القضايا الاجتماعية والاقتصادية المطروحة.

كان الاحتجاج الذى شهدته إسرائيل جزءا من سلسلة أحداث عالمية؛ حيث شهدت أوروبا (تحديدا إسبانيا واليونان والمملكة المتحدة) وأمريكا الجنوبية (تحديدا شيلى) موجة من الاحتجاجات جراء الأزمة المالية عام 2008. إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط التى شهدت تطورات دراماتيكية، كالانتفاضة الشعبية فى تونس والتى أدت إلى هروب رئيسها «زين العابدين بن على»، ومصر التى شهدت موجة احتجاجات واسعة أدت إلى الإطاحة بالرئيس «محمد حسنى مبارك»، والمظاهرة التى انتهت بسقوط الديكتاتور «معمر القذافى» فى ليبيا، وغيرها حيث استمرت الانتفاضات حتى وصلت إلى اليمن وسوريا وأجزاء أخرى مختلفة من العالم العربى.

يقول «رام وفيلس» إن اندلاع تلك الاحتجاجات فى أوروبا يرجع إلى أسباب اقتصادية، فى حين جاءت فى الدول العربية نتيجة لفساد الأنظمة السياسية، ورغم أن وضع إسرائيل جيد إلى حد كبير فى كلا الوضعين إلا أنه من غير المستبعد أن ما حدث عالميا قد أثر عليها محليا وحفز الأفراد للاحتجاج. وأرجع عدد من المتخصصين بالحركات الاجتماعية وعلم الاجتماع السياسى ما حدث إلى تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية الجديدة العابرة للحدود وللأوطان، إضافة إلى عدد من الأزمات التى تمر بها هذه البلاد كأزمة الشرعية والديمقراطية... إلخ.

•••

لم يحدث أبدا أن ساهم أفراد الطبقات الوسطى من المجتمع الإسرائيلى بقوة كتلك فى الاحتجاجات الاجتماعية ولم يحدث أن تتلقى هذه الاحتجاجات مثل هذا الدعم من الإعلام والرأى العام منذ عام 1985 وثورة الليبرالية الجديدة ــ التى جعلت الأفراد يتحدون ويطعنون فى خطاب السوق الحرة التى كانت مهيمنة. جاءت هذه الاحتجاجات تحت شعارات جديدة مثل «السوق حرة بينما نحن لا»، وذلك تحت قيادة المجتمع المدنى الإسرائيلى وعدد من ممثلى الطبقة المتوسطة من أجل حماية أنفسهم من الدولة والمصالح الاقتصادية لنخبة رأس المال، وليؤكدوا أنه قد آن الآوان أن تختار الدولة من تريد أن تخدم.

يضيف الكاتبان أن فى ذروة هذه الاحتجاجات وصل للأفراد انطباع بأن ما حدث قد أدى إلى تشكيل اتجاه سياسى جديد؛ حيث قد تكوَّن تحالف من الطبقات المتوسطة والدنيا والتى شكلت نفسها مصدرا للسلطة السياسية. هذا الاحتجاج قد يراه البعض كعملية احتجاجية للتعبير فقط عن أمور تزعج الطبقة الاجتماعية الوسطى، إلا أنها إضافة لذلك طالبت بالعدالة الاجتماعية وكونت التحالف السابق ذكره فى مقابل النخبة المالية والمؤيدين السياسين لها، وذلك من خلال عملية تجريبية لممارسة الديمقراطية بشكل مباشر وإعادة احتلال المجال العام.

رغم ذلك فقد عانت هذه الاحتجاجات من عدة عناصر قيدت من نجاحها وبخاصة على المدى الطويل، رغم أنه من الناحية الأيديولوجية هذه تعد المرة الأولى فى تاريخ إسرائيل التى تخرج بها مئات الآلاف من المواطنين من أجل المطالبة بالعدالة الاجتماعية ووضع ذلك الهدف على رأس أجندة مطالبها، إلا أنها لم تتمكن من صياغة هذه المطالب على نحو يمكنها من الفوز بها وذلك لقصر رؤيتهم الاجتماعية إضافة إلى عجزهم عن صياغة فهم شامل لتركيبات الدولة الإسرائيلية، مما أدى فى النهاية إلى تجاهل تحقيق العدالة الاجتماعية التى طالبوا بها. وما حدث ليس بجديد فالظلم اتسع نطاقه منذ أن تأسس بالأراضى الفلسطينية المحتلة. فضلا عن ذلك فالاحتجاجات كانت تعبيرية أكثر من كونها تعتمد على مبادئ وأهداف أيديولوجية.

على الصعيد السياسى، فهذه الاحتجاجات قد أعادت فكرة أن الأفراد ما زال لديهم مطالب اجتماعية وأن الدولة لم تنجح فى بناء جسور ثقة بين شباب الطبقة المتوسطة والعمال، وكذلك ما بين اليهود والقطاعات الفلسطينية داخل إسرائيل.

على الصعيد التنظيمى رغم أن الاحتجاجات قد أثبتت أن الرأى العام الإسرائيلى من الممكن أن يستيقظ من سباته إلا أنه قد فشل فى صياغة أطروحات لتحول الطاقات وتوجهها إلى عمل مباشر مستمر، فضلا عن تقاعسه فى إنشاء بنى تحتية تنظيمية تستطيع استغلال هذه الاحتجاجات وتحويلها إلى أنشطة مفيدة تستمر حتى بعد انتهاء هذه الاحتجاجات.

ذلك الاحتجاج الاجتماعى الذى اندلع بإسرائيل كان طابعه الطبقى واضحا ولا يمكن إغفاله على الإطلاق، ورسخ ذلك ممثلى الطبقة الوسطى الجديدة من الشباب والذين لأول مرة منذ تحول إسرائيل الحاد إلى الليبرالية الجديدة عام 1985 قد وجدوا طريقا لتهديد الدولة من خلال نزولهم إلى الشوارع والتعبئة الواسعة التى قاموا بها وبخاصة لقطاعات واسعة من الطبقات الدنيا، حيث شجبت هذه المجموعات الشبابية تعاون الدولة المالى مع الطبقة الرأسمالية، إضافة إلى مهاجمتها لسياسات الحكومة الليبرالية الجديدة.

•••

تجدر الإشارة إلى أن الطبقات فى الدولة اليهودية قد تشكلت تاريخيا وفقا لتقسيمات عرقية وإثنية – وهى تقسيمات غير عادية، إلا أن ذلك الطابع الإثنى للطبقات الاجتماعية فى إسرائيل قد قل انتشاره. وقد عانت هذه الاحتجاجات من كثرة محدداتها من خلال الانقسامات العرقية والقومية والسياسية التى تعيق إنشاء مطالب شعبية موحدة ــ والتى كانت رغبة من قاموا ونظموا هذه الاحتجاجات.

ختاما، يؤكد الكاتبان على أهمية السياسات التى تتخذها الدولة والنهج الذى تنفذ به هذه السياسات والتى تؤثر على هيكل الطبقات والطابع الإثنى بها ومن ثم تفتح الباب للاحتجاج الاجتماعى والذى يعقبه تحول اجتماعى. وأخيرا فالاحتجاج الاجتماعى الذى اجتاح إسرائيل عام 2011 كان متشابكا للغاية مع كل من الإثنية والقومية.

إعداد: نهاد محمود

النص الأصلى: https://goo.gl/00DQ9i

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved