اليوم التالى للانتخابات

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 28 مارس 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

لم تكن الانتخابات الرئاسية محلا لتساؤل ولا موضعا لنقاش، فالنتائج محسومة بغياب أى تنافس جدى.
بدت الانتخابات مجازية والتعبئة غلبت المشهد طلبا لنزول المواطنين إلى صناديق الاقتراع ــ إنه ضد الإرهاب وتأكيد على الاستقرار ورسالة إلى العالم.

الحرب على الإرهاب ليست قضية انتخابية تخضع لظروف طارئة، أو متطلبات دعاية، بقدر ما هى قضية إجماع وطنى ضد خطر وجودى لا يستثنى أحدا.
إذا ما كانت هناك انتخابات تنافسية بين برامج وتيارات ورجال من الطبيعى أن يدور نقاش عام حول مدى كفاءة استراتيجية هذه الحرب.

ذلك لم يحدث ولا سدت الثغرات السياسية والاجتماعية والفكرية، التى تمكن جماعات العنف والإرهاب من التمركز والضرب فى وجع من وقت لآخر.

طلب الاستقرار قضية إجماع وطنى أخرى لا تخضع لأهواء عابرة وحسابات متغيرة، لكن أى استقرار نقصد: ما يتأسس على دولة قانون وقواعد دستورية أم ما يفرض بقوة الأمن؟

عندما غاب التنافس فقدت الانتخابات روحها وتقوضت أية فرصة لتصحيح الصورة أمام العالم.
الانتخابات هى الانتخابات والعالم ينظر فى تنافسيتها وسلامة القواعد التى تحكمها وطول الطوابير أمام لجان الانتخابات، لا فى تجمعات تغنى وترقص ودعايات فى الشوارع استدعيت بنفوذ الدولة.

كان الإلحاح على أوسع مشاركة ممكنة السمة الرئيسية لتلك الانتخابات المجازية.

إذا ما ارتفعت فهى مسألة شعبية وإذا ما انخفضت فهى مسألة شرعية.

لم تكن هناك ضرورة للوصول إلى هذا الوضع الحرج.

رغم تراجع شعبية الرئيس الحالى على نحو لا ينكره هو نفسه كان بوسعه أن يحسم أية انتخابات تنافسية ونزيهة بالنظر إلى وزن كتلة الاستقرار، التى تخشى أية تغييرات مفاجئة فى مركز السلطة.
إنه «رهاب الانتخابات» وسعى لتفويض جديد.
ننسى ـ أحيانا ـ أن لكل شيء ظروفه وسياقه.

كان التفويض ــ الذى حصل عليه وزير الدفاع «عبدالفتاح السيسى» قبل خمس سنوات بتظاهرات مليونية لا شك فى زخمها وإرادتها ـ تعبيرا عن قلق جماعى من «العنف والإرهاب المحتمل»، الذى بدأ يطل برصاصه فى الشوارع وثقة فى قدرة الجيش على الحسم.

استدعاء ما اختلفت ظروفه مجافاة للحقائق، التى ترتبت على تجربة الحكم.

التفويض ــ بطبيعته ــ مؤقت لفترة محدودة ولهدف محدد والدول الحديثة تحكم بشرعيات دستورية تلتزم مبدأ تداول السلطة عبر قواعد انتخابية لها احترامها.

بصورة أو أخرى فإن الانتخابات، التى بدت كاستفتاء على رجل واحد، سوف تلقى بظلالها على صورة المستقبل المنظور.

هناك مساران افتراضيان لليوم التالى، الذى تبدأ به الولاية الثانية.

الأول ـ يشوبه شيء من الأمل فى إصلاح ما اختل وتصحيح الصورة فى الداخل قبل العالم بتحسين ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان والبيئة السياسية والإعلامية ورفع أية مظالم خلف قضبان السجون وإعادة النظر فى السياسات والأولويات، التى استدعت عدم مشاركة قطاعات غالبة ممن لهم حق الاقتراع ــ كأنه احتجاج صامت.

هناك تسريبات متواترة تزكى ذلك المسار، لكنها غير ممسوكة وغير مؤكدة، كما يصعب المضى فيه بالنظر إلى مراكز قوى تمركزت فى بنية الدولة صادرت السياسة والإعلام وكل ما يتحرك فى البلد.

مثل هذا المسار الافتراضى يقتضى أن يثور الرئيس على نظامه ويستجيب لمطالب مجتمعه وحقائق عصره.
فى مطلع عهده دعاه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» ـ حريصا على نجاح تجربته ـ إلى الثورة على نظامه، ولم تكن هناك أية استجابة، أو بحث فى الفرص المتاحة.

والثانى ـ مزعج بقدر ما ينذر، كأن يضيق المجال العام بأكثر مما هو حادث وتتسع سطوة الدولة على مؤسسات المجتمع المدنى وتدخل مصر كلها إلى حالة ترويع يضرب فى الاستقرار وفرصه والأمن وضروراته ويساعد الإرهاب على التمركز ويسحب على المفتوح من أى أمل فى المستقبل.

ذلك ضد النظام السياسى الحالى بقدر ما يزيد الهوة مع شعبه بدلا من الانفتاح على مكوناته والحوار معها بندية واحترام.

فى اليوم التالى للانتخابات هناك منزلقان ماثلان ـ تأسيس حزب سلطة جديد من داخل «ائتلاف دعم مصر» باسم توفير «غطاء سياسى» يفتقده الرئيس وتعديل الدستور بما يفتح فترات الرئاسة بغير سقف.
لم يكن لنواب الائتلاف أدوار يعتد بها فى حشد المواطنين إلى لجان الانتخابات، فالأدوار كلها احتكرتها أجهزة الدولة الأمنية والإدارية والمحلية.

هناك فارق جوهرى بين القدرة على الحركة والتأثير والإقناع بالوسائل السياسية وبين العمل تحت ظلال الدولة وتعليماتها، كأنه زهرة عباد شمس.

بالتعريف فإنه ائتلاف برلمانى يلخص نفسه فى دعم القرارات والتوجهات الرسمية.

وقد وصل تماهيه مع ما هو تنفيذى إلى حد أنه لم يتقدم باستجواب واحد لأى وزير، لا راقب أعمال السلطة التنفيذية ولا دافع عن الحريات العامة وحقوق المواطنين على النحو الذى يلزمه به الدستور.

وبالتكوين نشأ الائتلاف من أحزاب متعددة لا رابط بينها سوى الولاء للسلطة التنفيذية.

ذلك لا يؤسس إلى حزب موحد له تأثير ووزن ـ حتى بالقياس على الحزب الوطنى.

ثم إن الدستور يمنع تعديل الصفات الحزبية، أو المستقلة للنواب.
وذلك مأزق لا فكاك منه ولا مخرج.

وجه الخطر فى هذا النوع من التفكير محاولة إعادة إنتاج الماضى بكل آلياته ومصادرة مبدأ تداول السلطة ـ كأن تبقى المعارضة داخل جدران أحزابها تكلم نفسها فى أفضل الأحوال ولا تملك أية فرصة للاحتكام الجدى إلى الرأى العام عبر صناديق الاقتراع.

من أفضل ما ينسب للرئيس، الذى توشك ولايته الثانية أن تبدأ، رفضه القاطع لإنشاء حزب سلطة جديد طوال السنوات الأربع الماضية.

إذا ما أنشئ فإنه تطور بالغ السلبية لكنه يبدو فى نظر معارضين أفضل مما نحن فيه من جفاف سياسى ـ كأنه خيار بين السيئ والأسوأ.

ما تحتاجه مصر أن تتنفس بحرية وفق قواعد حديثة لا أن تجبر على مثل هذه الخيارات.
ما هو طبيعى بقوة الدستور أفضل بيقين مما هو مصطنع بتدخل الدولة.

الأخطر فى هذا النوع من التفكير السعى شبه المعلن لتعديل الدستور تمديدا للفترات الرئاسية.
هذه مسألة شرعية لا نقض فيها.

هناك التزام رئاسى معلن، لأكثر من مرة وبأكثر من صيغة، بعدم التلاعب بالدستور لإجراء مثل هذا التعديل.
أى تعديل يمد فترات الرئاسة عودة كاملة للماضى ومصر فى غنى عن هذه العودة التى تنذر بأوضاع يصعب استقرارها، كما لا تحتمل تكاليفها.

التعديل يصطدم بنص ملزم لا يمكن تجاوزه إلا بإلغاء الدستور نفسه والدعوة إلى وضع دستور جديد، وهذه كارثة سياسية غير محتملة فى بلد منهك.

تنص المادة (٢٢٦) على أنه: «.. فى جميع الأحوال لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بمزيد من الضمانات».
إذا ما نسفت القواعد الدستورية لا يبقى بنيانا.. وإذا ما احترمت يمكن التطلع إلى المستقبل بثقة.
هذا هو الاختيار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved