أغرب أيام الصحافة

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 28 مارس 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

ما الذي سيذكره التاريخ حين يسجل هذه الأيام التي نعيشها؟ هل سيبدأ بالأذان المعدل كعلامة مميزة لزمن الكورونا "ألا صلوا في بيوتكم، ألا صلوا في رحالكم" وقرار وقف صلاة الجماعة وغلق المساجد وملحقاتها وحالة التردد التي سبقت اتخاذه؟ أم سيبدأ بفيديوهات اليوتيوب بما أننا في عصر الإنترنت؟ قد تكون أيضا نقطة البداية هى أحوال الميديا بأنواعها وكيف تعاملت مع انتشار الوباء وهل استطاعت أن تنجو من الأزمة وتتأقلم وتخرج بأقل الخسائر أم كان الفيروس هو علامة النهاية للعديد من الصحف الورقية التي كانت تعاني بالفعل من مشكلات مزمنة؟ يؤكد بعض الخبراء أن الاقتصاد سيتعافى سريعا ويضربون الأمثال بأوبئة شبيهة حصدت الكثير من الأرواح كالإنفونزا الإسبانية التي انتشرت في الفترة ما بين 1918 و1920، وراح ضحيتها حوالي خمسين مليون شخص، ويقولون إنه سرعان ما تم تعويض الخسائر المادية بحسب قدرة الشركات والمؤسسات على إيجاد حلول خلاقة، فالأوبئة لا تؤدي بالضرورة إلى الكساد على حد كلام المتفائلين.
منذ بداية أزمة الكورونا ازداد الإقبال على مصادر الأخبار بشكل غير مسبوق. وازداد أيضا الخوف من الصحف الورقية التي تصل إلى بيوتنا بشكل غير مسبوق، فصار الناس خاصة الأكبر سنا الذين اعتادوا قراءة الجرائد اليومية يتوجسون خيفة من لمسها، بل قرر جزء منهم عدم شرائها، ومنعت بعض دول المنطقة تداولها مكتفية بالنسخ الإلكترونية. وبما أن هناك حالة عامة من القلق، فقد تناقصت بالضرورة الإعلانات وهى مصدر دخل أساسي لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، كما تم إلغاء كل الفاعليات الثقافية والتجارية والمؤتمرات وخلافه، ما أثر دون شك على حجم المعلنين. أي أن خلاصة الموقف هو طلب غير مسبوق، ونقص ملحوظ في الموارد قد يطول.
***
في بعض دول العالم ارتفعت نسب مشاهدة القنوات التليفزيونية من 10 إلى 40 في المئة. وفي أمريكا وبريطانيا كانت الصحف المحلية هي الأكثر تأثرا رغم تعلق الناس بها، إلا أنها تعتمد بالأساس في تمويلها على المعلنين وعلى الأحداث والفاعليات التي تقع في محيطها، وبالتالي عدم توافر هذين العاملين ضربها في مقتل وجعل بعضها يستغنى عن المحررين أو يتحول إلى نسخة إلكترونية فقط، ضغطا للنفقات. وفي أحيان أخرى كان لزاما على بعض الصحف أن تغير من طبيعة الإصدار لتواكب مرحلة الكورونا، فهناك صحف رياضية ذات شعبية كبيرة مثل "ليكيب" الفرنسية التي اشتهرت بتغطية الشأن الرياضي، منذ تأسيسها في 1896، قامت بتطويع سياستها التحريرية لخدمة الناس، في ظل إلغاء الأنشطة الرياضية التي كانت تتناولها بصورة يومية.
فَهِم أبناء المهنة في كثير من البلدان أنهم بحاجة إلى قدر أكبر من التفاعل مع الجمهور في وقت الأزمة وابتكروا صيغا ملائمة، فليس بالضرورة أن يتواجد ضيوف البرنامج في الأستوديو.. اعتمدوا على المقابلات التي تم إجراؤها بواسطة سكايب واقتنعوا أن عليهم مصاحبة المتلقي الخائف في بيته وأن يقدموا له المعلومات جنبا إلى جنب مع الدعم المعنوي والنفسي من خلال المتخصصين والموسيقى والترفيه. تلك مجرد أمثلة على إمكانية تطوير الأداء لكي يتسنى لوسيلة إعلام الخروج من المأزق بسلام، وهنا نحن بحاجة إلى مرونة لا نتحلى بها بالضرورة في مصر.
***
قررت بعض الصحف المصرية الكبرى تقليل عدد صفحاتها، وهى تعاني في السنوات الأخيرة من صعوبات مادية واضحة، لكن في الوقت الذي يتوجه الناس حول العالم إلى الصحافة الإلكترونية أكثر فأكثر للتغلب على غلاء أسعار الورق وعلى خوف الناس من النسخ الورقية وعدم إقبالهم عليها، لم تُعِد بعض الصحف القومية النظر في إيقاف بواباتها الإلكترونية، وهو القرار الذي اُتخذ قبل أشهر بشكل غير مدروس وفُرض عليها فرضا. أزمة الكورونا فرصة ذهبية لعودة هذه البوابات، ولتطوير مواقع الجرائد الأخرى بما فيها الخاصة، فالمتلقي الذي يتابع ما يكتب وما يبث على مدار 24 ساعة في انتظار أن يقدم له الجديد.
صار هذا الأخير يعمل من البيت "أونلاين" ويتسوق عبر المواقع الإلكترونية مثل "أمازون" الذي يشهد أزهى أيامه في ظل فيروس كورونا، إذ تضاعفت أرباحه وأعلن عن رغبته في توظيف 100 ألف موظف إضافي، بدلا من أن كان فريق العمل به لا يتعدى 800 ألف شخص في مكاتبه حول العالم. المستقبل صار دون شك للأنشطة الاقتصادية التي تمارس من البيت، ونحن لازلنا نضيق الخناق على المواقع والصحف الإلكترونية. هذه فرصة لإعادة النظر والتدبر والتفكير، فرصة لمضاعفة متابعي الميديا، فرصة لأشكال تفاعلية جديدة، فرصة للتفاوض مع المعنيين والقائمين على الأمور... ربما أحداث كورونا قد تغير من طريقة تفكيرهم، فقد صلينا من البيت وألغينا العمرة والموالد وغالبا الحج، فليس من المستحيل أن نطور أحوال الصحافة، وهذه مناسبة استثنائية إذا ما نجحنا في استثمارها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved