من المسئول عن الحوادث المتكررة؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 28 أبريل 2015 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

تصدرت صحف الأمس عدة حوادث مؤسفة: وفاة المواطن أحمد كمال فى تسمم الشرقية واستمرار متابعة الحالة الصحية لمئات المصابين، انهيار جزء من كوبرى بالدقهلية، خروج مترو العباسية عن مساره، وحريق فى عربة قطار. حوادث مؤسفة ومتكررة ووراءها بلا شك تقصير ومسئولية. النيابة لا تزال تجرى تحقيقاتها فى هذه الحوادث وبالتالى فلا مجال لتحديد المسئولية بعد، خاصة أن الأنباء ــ كما هو المعتاد ــ متضاربة. فى الشرقية، يبدو أن الشركة المختصة قطعت المياه قبل حادث التسمم بأيام لكى تنظف الخزانات، أما رئيس الشركة القابضة فقد أكد أن السبب هو استخدام الأهالى لمياه جوفية من محطات غير خاضعة للرقابة، والأهالى من جانبهم يقولون إن الشوارع غارقة فى الصرف الصحى وإن هذا هو مصدر التلوث.

أما بالنسبة لخروج قطار المترو عن مساره فقد ورد بالصحف أن السبب هو تجاوز السائق للسرعة، وفى قول آخر أنه خطأ مراقب الحركة، وفى قول ثالث أن هناك عيبا فنيا فى خط السير. أما فى الدقهلية فقد ورد بالصحف أن تحقيقات النيابة الأولية دلت على أن الكوبرى الذى انتهى العمل به منذ سنوات لم يتم تسلمه من المقاول بشكل رسمى حتى الآن بسبب عيوب فنية. ولا تزال التحقيقات مستمرة.

مع ذلك فإن موضوعى اليوم ليس المشاركة فى توجيه الاتهامات، فهذا عمل النيابة، كما أن الإعلام لم يدخر جهدا فى استدعاء المحافظين والوزراء ورؤساء شركات الشرب والنقل والطرق والكبارى ومطالبتهم بالتدخل العاجل وإحالة المسئولين للتحقيق. ما يقلقنى هو أن ينتهى كل هذا إلى تحديد شخص بعينه يحمل وزر كل واحدة من هذه الحوادث، ويصبح بمثابة «الشرير» فى الفيلم السينمائى الذى تنتهى المشكلة بوقوعه فى يد العدالة، وينقضى الأمر ونعود لانتظار وقوع الحادث القادم والشرير الذى يأتى بعده. الحقيقة التى ينبغى على المجتمع أن يواجهها هى أن البنية التحتية للخدمات العامة فى مصر فى حالة سيئة للغاية وأنها بحاجة إلى استكمال وتحديث وتجديد وصيانة قبل أن يصيبها المزيد من الانهيار وقبل أن تزيد حوادثها وتصبح غير قابلة للإصلاح.

هذا بديهى ولكنه غير كاف، بل يجب التقدم خطوة وطرح مبادرات وسياسات محددة قد تساهم مستقبلا فى الحد من مشكلات البنية التحتية من جذورها. وفى تقديرى أن هناك ثلاث سياسات ممكنة التطبيق حتى بالموارد المالية المحدودة للدولة:
السياسة الأولى هى إعادة النظر فى أولويات الإنفاق العام، خاصة أن الحكومة تعمل هذه الأيام على وضع موازنة العام المالى المقبل. وما أقصده بذلك هو المفاضلة بين البدء فى مشروعات وبرامج عملاقة جديدة، وبين استكمال وتحديث وصيانة ما هو قائم بالفعل. كل حاكم وحكومة يفضلان البدء فى مشروعات قومية جديدة لأنها تكون واضحة للرأى العام ومعبرة عن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى ومشجعة للحشد الجماهيرى.

فى المقابل فإن صيانة وتجديد الموجود بالفعل لا يستدعيان ذات الاهتمام الاعلامى والشعبى وتوحى بأن الحكم الحالى يستكمل أعمالا بدأها الحكم السابق ولا تحقق الحشد الجماهيرى المطلوب. ولكن هذا اختيار مهم وله تداعيات فى كل القطاعات الاقتصادية والخدمية: إنشاء شبكة قطارات فائقة السرعة تقطع المسافة من القاهرة إلى أسوان فى أربع ساعات أم إصلاح الشبكة الحالية لكى تقطع نفس المشوار فى عشر ساعات ولكن بمواعيد منضبطة ومقاعد سليمة ومراحيض نظيفة وتكييف يعمل؟ أى البديلين أجدى وأنفع لغالبية المواطنين وأيهما أقل عبئا على موازنة الدولة؟ استصلاح أربعة ملايين فدان جديدة فى ظل النقص الحتمى للمياه مستقبلا أم إصلاح نظام الرى الحالى؟ بناء عاصمة جديدة أم الانفاق على تحسين الخدمات والبنية التحتية فى المدن التاريخية العريقة؟ إنشاء مستشفيات جديدة أم توجيه الموارد ذاتها لتحسين الخدمة الصحية فى الوحدات الصحية والمستشفيات القائمة بالفعل؟ لا أزعم أن هناك إجابة واحدة نموذجية للأسئلة السابقة، كما أن القديم ليس كله قابلا للإصلاح. ولكن نقطة البداية هى طرح هذه المفاضلة فى كل قرار حكومى وعدم اعتبار أن التنمية الاقتصادية تقوم بالضرورة على مشروعات قومية جديدة وكبرى بينما العائد الاقتصادى والاجتماعى يمكن أن يكون أكبر فى إصلاح وتجديد القائم بالفعل.

أما السياسة الثانية فهى إعادة فتح ملف الشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدوء وموضوعية بعيدا عن حساسية أن القانون قد صدر فى عهد سابق أو أنه كان محل انتقاد عند صدوره. الشراكة هنا تعنى أن يتاح للمواطنين وللقطاع الخاص فرصة المساهمة فى تمويل وإدارة بعض الخدمات العامة ولكن فى إطار قانونى سليم، ورقابة من الدولة، وعقاب رادع للمخالفين، وبما يؤدى إلى تحسين الخدمة والنزول بتكلفتها. وإن كان قانونا قد صدر فى الماضى فى هذا الموضوع وتضمن عيوبا جسيمة منعت من تطبيقه بشكل يفيد الاقتصاد القومى وأثارت الشكوك بأنه قد يكون مدخلا للفساد، فالحل ليس إلغاء الفكرة برمتها، بل إصلاح الخلل، وتشديد الضوابط، وإدخال عنصر الرقابة الشعبية، كما فعلت دول أخرى عديدة نجحت فى حشد التمويل الخاص لمشروعات الخدمات العامة دون إهمال المواطنين او تشجيع الفساد.

وأخيرا فإن السياسة الثالثة هى إعادة النظر فى أليات محاسبة المسئولين عن الحوادث المتكررة والتى يمكن أن تتكرر مستقبلا إلى أن يرتفع مستوى الخدمات العامة. طبيعى أن يسرع الإعلام بتوجيه أصابع الاتهام. ولكن المهم إلا تكون النتيجة النهائية هى توجيه الاتهام للطرف الأضعف والأقل حيلة، بل يلزم معرفة الجانى الحقيقى. عامل التحويلة الذى ينام فى موقعه بالتأكيد مسئول، ولكن الذى يحمل المسئولية أكثر منه هو من لم يضع النظام السليم للإنذار فى حالة نوم عامل التحويلة، والذى تجاهل التقرير المرفوع إليه بهذا الشأن، والذى تعاقد على أنظمة إنذار فاسدة، والذى وافق عليها وأقر بسلامتها، والذى قرر أن صيانتها غير ضرورية. وما ينطبق على تحويلة القطار ينطبق أيضا على محطة الشرب وعلى المترو وعلى الكوبرى. ليس الجانى بالضرورة هو العامل الواقف لحظة وقوع الحادث، بل المسئول عن الخلل الأصلى فى آليات العمل والمتابعة والإنذار.

التنمية الاقتصادية والاجتماعية لن تتحدد بحجم الاستثمار العام والخاص فقط، بل بكفاءة استخدام الموارد وبفتح وسائل مختلفة للتمويل وبتوجيه اللوم إلى من يستحقونه بالفعل وليس من يقفون فى آخر صف المسئولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved