استغفروا بنية تخفيض الأسعار

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 28 أبريل 2018 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

كان صباحا مبهجا. غمرني شعور بالحب فأحسست برغبة عارمة في شكر الله والتعبير عن امتناني له بأن أفعل شيئا من الخير. جلست في خشوع وأمسكت مسبحتي وبدأت في الترديد بصوت خافت: اللهم إني أفعل الخير.. اللهم إني أفعل الخير.. اللهم إني أفعل الخير. رددتها مئتي مرة. قبل أن أنهض تذكرت أيضا أن من واجبي نصرة المظلوم. جلست مرة أخرى وأمسكت مسبحتي: اللهم إني أنصر المظلوم.. أنصر المظلوم.. أنصر المظلوم. تأكدت من أنني نصرت المظلوم ثلاثمئة مرة. بذا يصبح المجموع خمسمئة مرة. لو افترضنا أن لي على كل مرة حسنة، سيصبح مجموع ما حصلت عليه في هذا الصباح وحده خمسة آلاف حسنة على الأقل.

يا بلاش!

يعتقد البعض أن الله عندما أمرنا بفعل الخير أو نصرة المظلوم كان يقصد أن نقوم فعلا بذلك. أي أن "نفعل" شيئا. في تصوري أن هؤلاء لا يفهمون الأمر على حقيقته. الأفعال ليست لها هذه القيمة المفترضة. يؤجر المؤمن ويثاب على التمتمة والترديد. يحاول بعضنا التوفيق بين الرأيين فيقولون إننا يمكن أن نقسم وقتنا بين التمتمة والعمل ولنا من كل نصيب. شخصيا أرى في ذلك تزيدا ومراء بلا قيمة. لماذا يتعين علينا أن نفعل شيئا إن كنا نعلم أن الأجر والثواب هما في التمتمة وهز الرؤوس؟!

لهذا السبب أحرص على الاشتراك في كل صفحات المسلمين "السوبر" في فيسبوك. مع كل تعليق يدعو للاستغفار بنية زيادة الرزق أو فك الكرب أو حل المشاكل أسارع بعمل لايك أو شير ثم أنقر على الكيبورد بخشوع: استغفر الله وأشعر بعدها بعظيم الرضا. هكذا أثبتت استغفاري إلكترونيا وسجلته على الإنترنت كوثيقة دامغة، يستحيل ضحدها أو إنكارها عندما يأتي الحساب.

يعتقد بعض الواهمين أن الاستغفار مربوط بمراجعة المرء لنفسه واستحضار ما ندم عليه والتوبة عن فعل يستغفر الله عنه. لا يعلمون أن الأمر أبسط من هذا بكثير وأن المسألة كلام في كلام. المطلوب فقط هو أن نبسمل ونحوقل ونهز الرؤوس ونستغفر "في العموم" تماما كما فعلت الخير ونصرت المظلوم بالتمتمة و"في العموم". الاستغفار والتوبة هنا لا علاقة لهما بشيء. استغفار في الفراغ. كلام لا يرتبط بفعل.

سعيد بأن هناك كثيرين يرون أن الأمر على عدم اتساقه مع المنطق لا ضرر منه. جنود في جيش من مئات الآلاف من المتمتمين، يفعلونها Just in case كما يقولون، أو "مش يمكن تنفع" كما نقول.

أغمض عينيك في سعادة وأنت تتخيل رصيدك من حسنات الاستغفار والتوبة وهو يعظم ويزيد. استمريء الشعور بالرضا وأنت ترى ما يلحقك من سيئات وهو يذوب في خضم نهر الحسنات المتدفق من حسابك في فيسبوك.

يدهشني أن يلوم بعضنا على الحكومة أو المسؤولين أنهم لا يأخذون بأسباب العلم وقواعد الإدارة والتخطيط الحديث، أو لا يعتمدون المنطق في التعامل مع المشكلات بحثا عن حلول. كيف هذا وأغلبنا لا يرون جدوى من الأخذ بالأسباب لأنهم يرون الأمور كلها في يد الله الذي انتزعها من أيديهم، وأن التمتمة وترديد الشعارات وتجييش المليونيات هي التي ستصلح الحال؟!

بدلا من انتقاد المسؤولين، علينا أن نطالبهم بإطلاق حملة وطنية للحث على الاستغفار والنيل من فوائده اقتداء بما فعلته بعض المجالس المحلية خارج القاهرة. أدرك بعضها أن نقص اللوحات الإرشادية على الطرق ليس أولوية ينبغي الالتفات إليها. عوضا عن ذلك زينوها بمختلف الشعارات الدينية وبباقة منتقاة من أسماء الله الحسنى.

كشعب متدين بطبعه، علينا أن نتسق مع أنفسنا فندعو الإعلام لحشد مليونيات الدعاء على أهل الشر، ونطلب من وزارة التعليم إرغام الطلبة في طابور الصباح على الاستغفار جماعيا بنية النجاح. وربما يكون الأهم من ذلك كله أن نطالب الحكومة بتخصيص اجتماعاتها للاستغفار، مرة بنية توفير المساكن أو الرعاية الصحية أو تطوير التعليم ومرة بنية تحسين سعر الصرف، أو حتى خفض الأسعار. "ليه لأ؟ مش يمكن تنفع؟!"

****

ملحوظة لذوي الألباب: هذا المقال ساخر، ويدعو لاحترام الدين والبعد به عن الشكليات. كاتبه يقدر ويحترم الجانب الروحي في ذكر الله بغرض استحضار عظمته وعميق حبه وليس بغرض النفاق أو المصلحة أو تسديد الخانات (احتياطيا) أو تشغيل عداد الحسنات الإلكتروني.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved