دور اللوبى الإسرائيلى فى بريطانيا والولايات المتحدة

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأحد 28 أبريل 2019 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة «Johathan Cook» تقريرا يتناول الفرق بين قوة اللوبى المؤيد لإسرائيل فى بريطانيا والولايات المتحدة، وكيف تتناقص قوة اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، وتزيد قوته فى بريطانيا.

لعقود من الزمان كان من المحظور القول إن جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل فى الولايات المتحدة مثل «أيباك» تستخدم أموالها ونفوذها لإجبار المشرعين على تناول المسائل المتعلقة بإسرائيل. وعندما أشارت إلهان عمر لذلك، ابتعد عنها زملاؤها بسبب الضغط الذى تعرضوا إليه من جانب إسرائيل، وهو ما كان متوقعا مثلما قالت إلهان.

ولكن من المفاجئ أن إلهان لم تعان من نفس المصير الساحق لأولئك الذين حاولوا فى السابق إثارة هذه القضية. وعلى الرغم من أنها تعرضت لضغوط للاعتذار، فإنها لم تتعرض للضغوط للاستسلام الكامل للتخلى عن صدقها.

واجهت تعليقات إلهان، وكشفت عن، واحدة من القضايا المزعجة فى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية. تقليديا، إثارة النقاش والتساؤل حول ما إذا كان اللوبى المؤيد لإسرائيل يعمل لتحقيق ما أنشئ من أجله أم لا، كان يعد معاديا للسامية.

فالحديث عن أن اللوبى المؤيد لإسرائيل يستخدم الضغط وبطريقة فعالة لتحقيق مصالح إسرائيل، يعد معاداة للسامية. وتعليقات إلهان اعتبرت معاداة للسامية وخاصة عند ذكرها أن اليهود يستخدمون الكثير من الأموال للتأثير على صنع القرار والتحكم فى أعضاء الكونجرس والمرشحين للرئاسة.

الادعاءات حول معاداتها للسامية زادت بعد ذلك عندما ألقت خطبة فى واشنطن وتساءلت لماذا يكون فى استطاعتها التحدث عن تأثير الاتحاد القومى للأسلحة على سبيل المثال فى الوقت الذى لا تستطيع فيه الحديث عن تأثير اللوبى المؤيد لإسرائيل، وما يقوله فى أن ليس هناك مشكلة فى الولاء إلى بلد أجنبى.

***

ولا يخفى بعض المانحين من إظهار تأييدهم لإسرائيل. فالملياردير صاحب نواد القمار فشيلدون أديلسون، لم يخف شغفه سواء لإسرائيل أو حكومة بنيامين نتنياهو القومية المتطرفة. وظهر شدة التزامه ببقاء نتنياهو عندما أنفق ما يقرب من 200 مليون دولار لدعم إنشاء صحيفة إسرائيلية ومساندتها فى سنواتها السبع الأولى ــ وكل ذلك حتى يتمكن من مساعدة رئيس وزراء لدولة أجنبية.

ونفس الشيء حدث عندما لم يخف حاييم سابان ــ أحد المانحين الرئيسيين لمرشحى الرئاسة الديمقراطيين ــ عن التزامه تجاه إسرائيل وقال «أنا رجل ذو قضية واحدة وقضيتى هى إسرائيل». مما يؤثر هذا على مواقف المرشحين الديمقراطيين أو الجمهوريين فى دعم إسرائيل أو معارضة فلسطين.

على الرغم من أن العديد من المانحين من الممكن ألا يصنفوا إسرائيل على أنها هدفهم الأساسى، فإن أحد معاونى كلينتون فى حملتها الانتخابية قال إن من يحصلون على هذه الهبات يصيغون موقف سياساتهم الخارجية بطريقة لا تعادى هؤلاء المانحين. وكنتيجة لهذا، يتجنب المرشحون حتى الانتقاد المعتدل لإسرائيل الذى تبناه بيرنى ساندرز ــ منافس الحزب الديمقراطى لكلينتون فى سباق الرئاسة عام 2016. وهذا ما جعل بيرنى أيضا يحصل على التمويل لحملته الانتخابية من صغار المانحين بدلا من المانحين الكبار.

وهناك آخرون أكثر صراحة بهذا الشأن. فيقول بين رودز وهو أحد المقربين من الرئيس أوباما أن اللوبى قيد أوباما فى مساعيه نحو السلام وحل القضية الفلسطينية. وصرح جويل روبن ــ المدير السياسى السابق فى لوبى ’J Street‘ وعضو مؤسس فى المجلس الديمقراطى اليهودى الأمريكى الوسطى ــ أنه «كانت تدور الحرب على إسرائيل حول الناخبين.. أما الآن فالأمر يتعلق بالجهات المانحة».

يذكر كل هؤلاء المطلعين على بواطن الأمور أن توقعات المانحين الكبار تشكل مواقف المرشحين حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة بما يتماشى مع مصالح إسرائيل، وليس بالضرورة مصالح الولايات المتحدة. ويصبح من الصعب عدم تفسير ذلك على أنه ولاء مزدوج.
هذا كله يشير إلى أن قوة اللوبى المؤيد لإسرائيل فى الولايات المتحدة تضعف، فاللوبى يريد دائما أن يبقى فى الظلام ويمارس نفوذه دون تفحص أو نقد.
***
هناك فجوة كبيرة ومتنامية بين الصورة والواقع. فمن ناحية، تعلن واشنطن التزامها بصنع السلام وأن تصبح وسيطا عادلا بين إسرائيل وفلسطين. ومن ناحية أخرى، الواقع يقول إنها قدمت دعما كاملا لسلسلة من الحكومات الإسرائيلية المتطرفة المصممة على تدمير أى أمل فى السلام وابتلاع أى أمل فى إنشاء دولة فلسطينية.
من المهم أيضا أن يتم ذكر أن اللوبى المؤيد لإسرائيل لا يضم فقط اليهود، ولكن يتآلف بشكل كبير من المسيحيين والإنجيليين بشكل خاص، والكثير من هؤلاء المسيحيين من الممكن اتهامهم بالولاء المزدوج. فهم يعتبرون دور إسرائيل فى تحقيق نبوءة التوراة وتحقيق نهاية العالم من خلال ضمان عودة اليهود إلى وطنهم أهم بكثير من مستقبل الولايات المتحدة أو الجنس البشرى. وهذا التفكير ظهر على صانعى القرار فى الولايات المتحدة، فنرى أن بومبيو فى 2015 تحدث عن صراع نهاية الأزمنة الذى سيكون فى إسرائيل وأثناء زيارته لإسرائيل الشهر الماضى قال إن إدارة ترامب تعمل على إبقاء الدولة اليهودية «وأن الرب يعمل هنا».

***
إذا كان النقاش الدائر حول اللوبى الموالى لإسرائيل فى الولايات المتحدة هو أول إشارة إلى الحقيقة، فإن الحديث عن اللوبى الموالى لإسرائيل فى المملكة المتحدة يوضح الحقيقة أكثر. الدول الأوروبية اتبعت لعقود طويلة خطى الولايات المتحدة تجاه اسرائيل لأن الولايات المتحدة كانت تظهر نفسها كوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالتالى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل خارج الولايات المتحدة كانت أقل تنظيما. ونتيجة لذلك، لم تكن أوروبا فى حاجة ماسة إلى جماعات الضغط القوية المؤيدة لإسرائيل. ولكن هذا الوهم لم يعد موجودا الآن بسبب أيديولوجية إسرائيل الصريحة التى تبنتها حكومات نتنياهو وترامب والتى تنتهك القانون الدولى.

تنامت ردود الفعل الشعبية ضد إسرائيل وتزايد الدعم لحركة مقاطعة إسرائيل. وفى بريطانيا، نتج عن الانتخابات الوصول المفاجئ لجيريمى كوربين، ومعروف عنه دعمه للحقوق الفلسطينية ونضاله ضد العنصرية عمومًا، لقيادة حزب العمال المعارض. ولهذا السبب كان على القيادات اليهودية فى المملكة المتحدة إعادة تنظيم نفسها من جماعات تسعى لتحقيق مصالح المجتمع اليهودى فى بريطانيا إلى جماعات تعمل على الدفاع عن إسرائيل. وأصبح دور إسرائيل فى هذا الشأن من الصعب إخفاؤه.

معظم المنظمات القيادية اليهودية فى المملكة المتحدة كانت غير مجهزة لتواجه موجات التعاطف الجديد مع الحقوق الفلسطينية التى أطلقها حزب العمال من خلال صعود كوربين. وبشكل غير معتاد، برزت جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل ضد كوربين من داخل حزبه ــ فى شكل حركة العمال اليهودية (JLM). وتم التحدث عن حركة العمال اليهودية فى الإعلام البريطانى على أنها جماعة مقدسة عمرها أكثر من قرن وكمجموعة تمثل الرأى العام اليهودى، وهى ادعاءات ليست صحيحة.

وأظهر فيلم وثائقى أعدته قناة الجزيرة أن اللوبى لا يسعى فقط إلى تحقيق مصالح السفارة الإسرائيلية ولكن هدفه أيضا كان إبعاد كوربين عن قيادة حزب العمال. وأدركت حركة العمال اليهودية أن سلاح تهمة معاداة السامية هو الأكثر فعالية.
***
تكمن حجة اللوبى فى أن جميع اليهود يرتبطون بإسرائيل، ما يعنى أن الهجمات على إسرائيل هى أيضًا هجمات على الهوية اليهودية. وهذا، كما يزعمون، هو شكل حديث من معاداة السامية. هذه الحجة لها تأثير واضح وهو إذا كان كل اليهود مرتبطين بإسرائيل هذا سيجعل كل يهود بريطانيا عنصريين ضد العرب إذا تغافلوا عن الإساءات المنهجية التى تحدث ضد العرب. وهذا سيفرض إلزاما أخلاقيا على اليهود بالتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان التى تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين. ولكن القادة اليهود الذين يطالبون بربط اليهود بإسرائيل لا يريدون أن يتحمل اليهود مسئولية ما تقوم به إسرائيل وأن المطالبة بهذا تعد معاداة للسامية.

نجحت حركة العمال اليهودية فى السيطرة على الحوار حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى داخل حزب العمال وإسكات المعارضة، ونجحت فى إعادة تعريف معاداة السامية ليصبح المفهوم مرتبطا بانتقاد إسرائيل. وبالتالى نجحت حركة العمال اليهودية فى رفع شكوى ضد حزب العمال للجنة المساواة وحقوق الإنسان بأنه معاد للسامية من الناحية المؤسسية.

وفى حين ادعت حركة العمال اليهودية تمثيلها لكل يهود بريطانيا، اختار العديد من اليهود فى حزب العمال عدم الانضمام إلى هذه الحركة، وفضلوا بدلا من ذلك العمل كقوة موازنة من خلال إنشاء مجموعة ضغط يهودية جديدة تدعم كوربين وتسمى «صوت اليهود من أجل العمل».

فى الأسبوع الماضى بدأت حركة العمال اليهودية بالظهور بشكل علنى أكثر وهددت بالتخلى عن حزب العمال. وأعلنت بأنها ستبدأ فى إنشاء سجل حول أعضاء حزب العمال المعادين للسامية. وعلى الرغم من أن التحيز ضد إسرائيل نسبته فى الحزب 0.08 فإن حركة العمال اليهودية تقول إن هذه الفئة من الممكن أن تؤثر على اختيار المرشحين. ومن المتصور أن تحاول حركة العمال اليهودية استبدال المرشحين بسياسيين يرتضون بهم.

ويبدو أن حركة العمال اليهودية تستعد للقيام علانية بما تنكره جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل فى الولايات المتحدة: استخدام أموالهم ونفوذهم لإلحاق الضرر بالمرشحين الذين لا يظهرون تعاطفهم مع إسرائيل.

إن رفض الحديث بصراحة حول دور جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة، أو الانصياع لتهديداتهم، يفسح الطريق أمام العنصريين المؤيدين لإسرائيل والمعادين للفلسطينيين إلى استعراض عضلاتهم بقوة أكبر والتخلص من النسيج الديمقراطى من مجتمعاتنا. وهناك علامات تشير إلى أن السياسيين فى الولايات المتحدة أصبحوا مستعدين إلى إظهار كيف أفسدت الأموال النظام السياسى، ولكن يدفع اللوبى المؤيد لإسرائيل فى بريطانيا إلى الاتجاه المعاكس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved