المسئولية التضامنية!

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

تكشف شواهد عديدة أن الشعور بالرهبة والخوف من الإصابة بفيروس كورونا تراجع كثيرا الأيام الماضية، وبدأت قطاعات من المجتمع تشعر أن الخطر ابتعد، والانتصار حدث، أدى ذلك إلى تزايد أعداد المصابين يوميا إلى حد أنه اقترب من حاجز المائتين والخمسين حالة إصابة.
هناك كثافات بشرية فى الشارع، احتكاك وتلاصق مستمر دون وعى أو إدراك لخطورة الموقف، سواء قبل إفطار رمضان أو بعده، وبدأ القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد يتحايل، وهو بارع فى التحايل، لأن جزءا كبيرا من عمله يغلب عليه ذلك، خذ مثالا على ذلك المقاهى التى أغلقت، ولا تزال مغلقة، لكن البعض لجأ إلى العمل من خلال عربات متنقلة تقدم مشروبات ساخنة «تيك أواى» يلتف حولها شباب، وتصبح نقاط تجمع للناس، التى بدلا من أن تجلس فى مقهى، تقف فى مجموعات فى الشارع، ربما بمعدلات احتكاك أكثر مما عليه لو كانت أبواب المقاهى مفتوحة، ورأيت بعضا من هذه العربات يضع كرسيين أو أكثر إلى جوارها للاستخدام إن أمكن، أعرف أن الناس تعانى اقتصاديا أكثر من ذى قبل، وهذه الفئة بالذات تتحمل أعباء كثيرة نتيجة إغلاق أماكن عملها، وهى بحاجة إلى مصدر دخل يعينها على المعيشة، ويمكنها فى الوقت نفسه من دفع إيجار أماكن عملها المغلقة، لكن فى المقابل تشكل كثافات الناس فى الشارع مشكلة كبرى، أحد الخبراء الصينيين الذين استعانت بهم إيطاليا لمواجهة الانتشار المريع لفيروس كورونا أبدى ملاحظة لمرافقيه أن هناك أفرادا فى الشارع أكثر مما يجب، وهو أمر ينبغى أن نواجهه بصرامة إذا أردنا مواجهة جادة مع هذا العدو الخفى.
حديث العالم الآن ــ شرقا وغربا ــ أن المواجهة سوف تطول حتى يمكن الوصول إلى مصل أو دواء، والاقتصاد لا يرحم، وبالتالى ينبغى أن تعود الحياة إلى طبيعتها مع ممارسة الحذر والاحتراس والأساليب الوقائية، ولكن الرهان على وعى المواطن ليس كافيا، وينبغى مواصلة الإجراءات الاحترازية التى تضمن سلامة الشخص مع عودة الحياة إلى طبيعتها، ولا أظن أن انتظام العمل له علاقة بالكثافات البشرية غير المبررة فى الشارع، وأن كل الإجراءات الاحترازية التى تتخذ ضمانا لحماية الأفراد، وتؤثر سلبا على الاقتصاد قد تضيع من خلال سلوكيات اجتماعية خاطئة، وعدم رغبة قطاعات من المجتمع ممارسة الحرص الاجتماعى، أو التخلى عن أسلوبهم فى الحياة الذى لا يعرف مفهوم المسافة الصحية الآمنة مع الآخر، ولا نستغرب من خطابات الغضب على وسائل التواصل الاجتماعى التى تصدر من أفراد يلتزمون بالضوابط الاحترازية، ويرون من منطلق المسئولية التضامنية فى مواجهة الوباء أن عدم التزام الآخرين يضرهم، ويهدد سلامتهم.
أظن أن المجتمع بحاجة إلى إجراءات تباعد اجتماعى أكثر صرامة، تفرضها الحكومة فرضا، لن تضر عودة العمل بشىء، لأن التلاصق بين الناس فى مجمله اجتماعى، اختيارى، وليس نتيجة متطلبات العمل فى أحيان كثيرة، فضلا عن أن معظم الجهات ــ عامة أو خاصة ــ لديها قواعد احترازية، ومن السهل التأكد من تطبيقها لذلك، ولكن فى الحياة الاجتماعية يكثر الاختلاط بلا ضوابط، وتكثر فرص العدوى، بالطبع لا يعنى ذلك تخصيص «شرطى» لكل مواطن، ولكن المطلوب هو تضييق فرص الحياة الاجتماعية أمام الناس لأقصى درجة، العالم يفعل ذلك، ونحن نحتاج إلى ذلك بشدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved