الحرب تعود إلى وعى الجمهور
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الإثنين 28 أبريل 2025 - 6:05 م
بتوقيت القاهرة
عادت الحرب فى غزة إلى حياة المجتمع الإسرائيلى. وكالعادة، جرى هذا عن طريق وقوع إصابات. عمليًا، تجدد القتال قبل أكثر من شهر، فى 18 مارس الماضى، بعد شهرين على وقف إطلاق النار. وعاد سلاح الجو الإسرائيلى إلى قصف قطاع غزة بشكل مكثف، ولاحقًا، بدأ الدخول البرى المحدود إلى المنطقة القريبة من المناطق المبنية. واستنادًا إلى وزارة الصحة الفلسطينية التى تسيطر عليها «حماس»، قُتل فى العمليات الإسرائيلية أكثر من 2000 فلسطينى، نصفهم من العزل، لكن المعارك لم تحظَ باهتمام الشعب الإسرائيلى حتى الآن، لأنها لم تشهد احتكاكًا عسكريًا حقيقيًا، ولم يسقط فيها جنود إسرائيليون.
فى معظم الأحيان، اختارت «حماس» تجنُّب المواجهة. وفى رفح، حيث توغلت قوات الجيش الإسرائيلى بصورة عميقة نسبيًا، أجلى التنظيم معظم مقاتليه إلى مناطق الإيواء الإنسانية فى المواصى، لتقليل الخسائر. تحدث السياسيون والجنرالات الإسرائيليون كثيرًا عن الضغط العسكرى الذى قد يغيّر المعادلة ويجبر «حماس» على الرضوخ وإطلاق سراح مزيد من الرهائن. عمليًا، هذا لم يحدث بعد. يعانى سكان غزة جرّاء تجدُّد الحرب، والنقص فى المواد الغذائية، والخوف من وقوع مزيد من الضحايا.
فى الأيام الأخيرة، حدث تغيير سلبى. خلال أسبوع واحد فقط، قُتل أربعة جنود إسرائيليين فى القطاع، للمرة الأولى منذ تجدُّد القتال، وأصيب أكثر من عشرة جنود. دارت معركة شرسة فى حى الشجاعية، شرقى مدينة غزة، حيث قُتل ضابط فى سلاح المدرعات ومقاتل فى وحدة من حرس الحدود، وأصيب ثلاثة جنود آخرون فى أثناء محاولة إنقاذ معقدة لقوة عالقة وسط تبادُل كثيف للنيران. ردًا على ذلك، قصفت المدفعية وسلاح الجو أهدافا كثيرة فى شمال القطاع. وتحدث سكان من مستوطنات الغلاف الواقعة على مسافة كيلومترات من القطاع عن أن منازلهم اهتزت من قوة القصف.
هذا الواقع الصعب لم يمنع وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس من إطلاق تصريحات، عشية يوم الجمعة الماضى، فى الوقت الذى علم الجيش بوقوع قتيلين، وكانت هذه التصريحات طافحة بالشعارات، بشأن الجنود الذين يقاتلون ببسالة، والإنجازات العظيمة، والمخاطر التى لا تزال قائمة. وقالت مصادر سياسية وعسكرية للصحفيين، إن الجيش سيوسع عملياته قريبًا، وهو يستعد للسيطرة على مزيد من الأراضى فى القطاع.
لكن فعليًا، ومن وراء الكواليس، يمرّ الجيش بعملية صحوة. وهذا هو سبب تهجُّم بتسلئيل سموتريتش على رئيس الأركان إيال زامير فى الجلسة التى عُقدت قبل أسبوع. وشيئًا فشيئًا، يبدأ زامير بتحضير الوزراء من اليمين لمواجهة الواقع: عملية عسكرية كبيرة ضد حماس، تتطلب قوات كبيرة ووقتًا طويلًا للغاية، ولا توجد ضمانات بأنها ستؤدى إلى إخضاع الفلسطينيين وتحرير جميع الرهائن الذين ما زالوا فى قيد الحياة.
يواجه الجيش ازدياد الصعوبات فى تجنيد قوات الاحتياط، على خلفية العبء المتراكم (والغضب بشأن تهرّب المتدينين من الخدمة، بدعم من الحكومة). أيضًا، لا تستطيع إسرائيل تجويع سكان غزة إلى الأبد؛ فكلما تدهورت الأوضاع الإنسانية، كلما ازداد الضغط الدولى على إسرائيل لتسمح بدخول قوافل المساعدات.
هذه الأمور كلها واضحة بالنسبة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وربما إلى قسم من الوزراء الذين لا يشاركون فى التطلعات الأيديولوجية لكتل اليمن المتطرف فى الائتلاف، التى تريد من القيادة احتلالًا عسكريًا مستمرًا، وتهجيرًا واسعًا للشعب الفلسطينى من القطاع وعودة الاستيطان. لكن استمرار الحرب يخدم بقاء نتنياهو السياسى، ويخلق حالة طوارئ دائمة تُضعف المعارضة والاحتجاجات الشعبية ضده.
فى الأيام الأخيرة، طُرح خيار فى المحادثات مع «حماس» ووسطاء مصريين وقطريين، يقترح وقف إطلاق نار طويل الأمد، يشمل إطلاق جميع الرهائن فى مقابل إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين. لكن مثل هذه العملية يتطلب من الحكومة الإسرائيلية التخلى، موقتًا، عن طموحاتها البعيدة المدى، على أمل أن تخرق «حماس» الاتفاق لاحقًا، وهو ما يسمح لإسرائيل بالعودة إلى القتال وإسقاط حُكم «حماس» فى القطاع. وحاليًا، بين خيار مواصلة الحرب، أو إنقاذ الرهائن، من الواضح ماذا اختار نتنياهو وسموتريتش وشركاؤهما. وما دام الأمر يتعلق بهم، فإن القتال سيستمر. وإذا لم تتحقق الإنجازات الموعودة، يمكن دائمًا العودة إلى اتهام الجيش.
الشخص الوحيد القادر على تغيير المعادلة بشكل جوهرى هو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى عاد إلى البيت الأبيض. مؤخرًا، لكنه لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بغزة، فلديه اهتمامات مهمة أُخرى، وعلى رأسها حرب الرسوم الجمركية والحرب بين روسيا وأوكرانيا والاتفاق النووى الآخذ فى التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.
إلّا إن ترامب دعا نتنياهو، قبل أيام، إلى زيادة إدخال الغذاء والدواء إلى القطاع. أحيانًا، يقول ترامب كلامًا من دون سبب واضح، لكن من المحتمل أن يكون سبب كلامه محاولة رسم حدود المعركة لإسرائيل. وفى جميع الأحوال، إن القتال الدائر حاليًا فى قطاع غزة له تاريخ انتهاء محتمل، هو زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر فى منتصف الشهر المقبل. وعلى الرغم من صعوبة التنبوء بمواقف ترامب، فإننا نقدّر أن الرئيس، بطلب من مضيفيه، سيطلب من نتنياهو تقديم توضيحات بشأن ما الذى تريد إسرائيل تحقيقه فى القطاع، وإلى متى ستستمر الحرب؟
عاموس هرئيل
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية