التحولات الخاطئة فى سياستنا الخارجية

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الأحد 28 مايو 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

هل أصبح استمرار الموقف الثابت لمصر من رفض الانضمام لأحلاف عسكرية تباركها الدول الكبرى عبئا على السياسة الخارجية لمصر، أم أنه كان الموقف الصحيح الذى جنب مصر أخطارا كبيرة ومنحها حرية فى الحركة ومكانة مرموقة على الصعيدين الإقليمى والدولى. أخطار مماثلة قد تشهدها مصر الآن فى تحولها إلى إنزلاق تدريجى بالدخول فى تحالفات كانت ترفضها فى السابق، مما قد يؤدى إلى أن تتصاعد المخاطر التى تواجه مصر على الصعيدين الإقليمى والعالمى، وأن يسهم ذلك فى زيادة التوتر فى الشرق الأوسط فى وقت هى فى أشد الحاجة للبحث عن السلام وإخماد حرائق الصراعات المندلعة فى الشرق الأوسط، حرصا على أمنها من ناحية وحتى تتوافر الظروف التى تسمح لها بتكريس كل جهودها لإحداث تنمية حقيقة فى اقتصادها تخفف وطأة الفقر على أكثر من ربع مواطنيها وتوفر فرص العمل الكريم لملايين من شبابها. وتزداد مخاطر هذا التحول لأن منطلقات سياسة مصر الخارجية منذ استقلالها كانت تحظى بإجماع شعبى واسع، بينما تجرى هذه التحولات الجديدة دون نقاش واسع، ودون أن يكلف المسئولون عن سياستنا الخارجية عناء شرح أسباب هذه التحولات للمواطنين.
لقد قامت سياسة مصر الخارجية منذ استقلالها على رفض الدخول فى أى تحالفات مع القوى الكبرى، أو تحالفات تباركها هذه القوى الكبرى وإن لم تكن عضوا صريحا فيها، لأن هذه التحالفات تخدم فى الأساس مصالح هذه القوى الكبرى. وقد رفضت الحركة الوطنية المصرية مشروعات معاهدات مع دولة الاحتلال لأنها رأت فيها ربطا لمصر بتحالف عسكرى معها، فهكذا كان الموقف من مشروع معاهدة صدقى بيفن فى سنة 1946، وعندما كانت مصر تضطر للتنازل بالسماح لدولة أجنبية باستخدام وجودها فى مصر للدفاع عن مصالحها هى، فإنها كانت تتحين الفرص للتخلص من هذه الالتزامات فى معاهدات غير متكافئة. ولذلك أعلن النحاس باشا فى 1951 إلغاء توقيع مصر على معاهدة 1936 التى كانت تسمح ببقاء قوات الاحتلال على أرضها وأسرع جمال عبدالناصر وألغى فى سنة 1956 اتفاقية الجلاء التى كان قد وقعها مع بريطانيا فى 1954 وكانت تسمح بعودة القوات البريطانية إلى قاعدة قناة السويس فى حالة نشوب حرب تهدد مصر أو أيا من الدول العربية أو تركيا. كما ناضلت مصر بشراسة ضد حلف بغداد الذى كان يضم العراق وتركيا وإيران وباكستان، وتؤيده كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مصر قد دعيت للانضمام له، كما قاومت مصر لنفس الأسباب فكرة الحلف الإسلامى الذى كان يدعو له الملك فيصل فى المملكة العربية السعودية فى أوائل الستينيات من القرن الماضى وتؤيده القوتان الغربيتان.
***
استندت مواقف مصر طوال هذه الفترات الماضية إلى مقدمات واضحة وهى أن التحالف بين دول مستعمرة سابقا والدول الاستعمارية القديمة أو الجديدة لا يمكن أن يكون علاقة متكافئة، ومن ثم ستكون أهداف التحالف هى ما يراه الطرف الأقوى، وسوف يكون الطرف الأضعف هو مجرد أداة لخدمة مصالح الطرف الأقوى دون أن يعود عليه ذلك بأى نفع على المدى الطويل. ولذلك كان عبدالناصر يتساءل فى محاوراته مع ممثلى القوى الكبرى لماذا يدعونه للانضمام لواحد من هذه التحالفات ضد دولة وهى الاتحاد السوفييتى لا تمثل خطرا حاليا على مصر بينما تتجاهل إسرائيل وهى التى تشكل تهديدا وتقع على حدود مصر. لقد كسبت مصر من هذا الموقف ليس فقط استقلالها فى صنع سياساتها الداخلية والخارجية، ولكنها أصبحت بفضل هذا الموقف المستقل زعيمة العالم العربى وقطبا من أقطاب حركة عدم الانحياز على المستوى الدولى. وكسبت هذه السياسة الخارجية إجماع الشعب المصرى لأنه رأى فيها ما يحقق مصالحه وما يجنبه الدخول فى صراعات دولية لا شأن له بها.
هذا الموقف الواضح الذى لقى الإجماع الشعبى تنزلق الحكومة المصرية تدريجيا بالابتعاد عنه. طلبت من حلف الأطلنطى أن تكون لها فيه بعثة دائمة، دون أى مناقشة لأبعاد هذا القرار على سياسة عدم الإنحياز التى تتبعها رسميا ولا على علاقاتنا مع دول مثل روسيا الاتحادية، وأخيرا حضرت الحكومة المصرية الأسبوع الماضى قمة الرياض مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى بارك إعلان الدول المشاركة فيه عن قيام حلف عسكرى إسلامى لمقاومة الإرهاب، سوف تقدم له الولايات المتحدة كل المساعدة دون أن ترسل قوات للمشاركة فى عملياته، والتى ستتركها لما يقدر بأنه أربع وثلاثون ألفا من الجنود تقدمها دول هذا التحالف، والمفروض أن مصر من بينها.
***
طبعا الإرهاب هو خطر تواجهه مصر، وقد كان آخر ضحاياه الأبرياء هم أطفال المنيا الأسبوع الماضى، ولكن هل سيسهم هذا التحالف فى مواجهة الإرهاب فى مصر؟ وهل الحكومة المصرية بحاجة لهذا التحالف لمساعدتها على المواجهة الشاملة للإرهاب التى تحدث عنها الرئيس السيسى. الإجابة هى بالنفى لأن الإرهاب المقصود، كما ذكر الرئيس الأمريكى، هو إيران وحزب الله وحماس قبل أن يكون القاعدة أو داعش. هل تمثل هذه الأطراف الثلاث قوى فاعلة فى الأنشطة الإرهابية التى تجرى فى سيناء أو فى القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنيا؟ وهل ستوجه مصر مواردها المحدودة للتصدى لهذه الأطراف التى لم تعلن عداءها للشعب المصرى، بل إن إيران على لسان الكثيرين من كبار مسئوليها ترحب بعلاقات وثيقة مع مصر، كما أن مصر تقيم فى الوقت الحاضر علاقات جديدة مع حركة حماس ويحضر ممثلوها للقاهرة، وقد خطت قيادتها خطوات نحو أساس حل سلمى مع إسرائيل. طبعا هنا خلافات بين الحكومة المصرية وكل من هذه الأطراف، ولكن هل يكون الطريق إلى حل هذه الخلافات هو شن الحرب عليها كما يريد الرئيس الأمريكى، أم بالدخول فى حوار معها لا تتنازل فيه مصر لا عن مصالحها ولا عن دفاعها على مصالح دول الخليج العربية.
التحالف الذى أعلن عنه فى الرياض يتبنى تعريف الرئيس الأمريكى للإرهاب وهو تعريف ضل طريقه بتجاهل مصدر أساسى للإرهاب فى إقليمنا ألا وهو العدو الإسرائيلى الذى يحتل أراضى عربية فلسطينية وسورية ولبنانية، ويحرم الشعب الفلسطينى من ممارسة أبسط حقوقه المشروعة فى السلام وتقرير المصير والعيش الكريم. هذه الدولة التى تمارس الإرهاب لا تحظى فقط بتأييد الرئيس الأمريكى ومجاملاته التى لم يسبقه لها أى رئيس أمريكى بالطقوس التى أداها أمام حائط البراق، ولكنها مدعوة أيضا لمساندة هذا التحالف، والذى يسعى أطرافه للتطبيع معها. ولقد كشف الرئيس الأمريكى عن غفلة منه بوجود عملاء لإسرائيل فى قمة قيادة داعش، وهو ما يفسر للعرب لماذا يقتصر هذا التنظيم على توجيه ضرباته للعرب والمسلمين والأبرياء من الأوروبيين ولا يضع إسرائيل على خريطة عملياته. هذه الدولة التى تمارس الإرهاب علنا وخفية رحبت بهذا التحالف الجديد. ألا يدعونا ذلك للتفكر أى مصلحة ينشدها هذا الكيان الجديد؟ ألا يسوقنا هذا التحالف إلى معركة خاطئة، ويبعدنا عن مواجهة عدونا الحقيقى. وبدلا من أن نبذل الجهود لرأب الصدع فى الوطن العربى وبين المسلمين نغذى نار الصراعات فى المنطقة اشتعالا، ونضيف إلى مكاسب إسرائيل فى الصراعات العربية العربية صراعا آخر بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة.
***
لاشك أن الكثيرين فى عواصم العالم المختلفة يتساءلون عن حقيقة الموقف المصرى تجاه سوريا. لقد أعلن المسئولون السعوديون أن أول خطوات التحالف الجديد هى محاربة التطرف فى سوريا والعراق. والذى يدعو للسخرية هو أن بعض المنظمات المتطرفة التى تحارب نظام الأسد فى سوريا تحظى بدعم خليجى؟ هل تنوى السعودية ودول الخليج الأخرى وقف دعم هذه المنظمات أم أن المقصود هو محاربة الحكومة السورية والتى أخفقت كل جهود دول الخليج وما يسمى بالتحالف الدولى فى وقف انتصاراتها على هذه المنظمات المتطرفة؟. هل تغير موقف الحكومة المصرية وأصبحت فى نفس المعسكر الخليجى الذى يسعى للإطاحة بنظام الأسد؟ أو لم يكن ذلك هو موقف محمد مرسى عندما كان رئيسا للدولة فى مصر، واعتبره كثيرون وقتها مغامرة ضارة بالأمن المصرى.
وما هو أثر هذا التحول الجديد فى سياستنا الخارجية على علاقتنا مع روسيا التى نسعى جاهدين لاستئناف تعاونها معنا فى المجالات السياحية والعسكرية والعلمية. ألن يجد الرئيس الروسى فى ذلك سببا جديدا للمماطلة فى استئناف حركة السياحة، وتوقيع اتفاقية المحطة النووية فى الضبعة.
الموقف المصرى الثابت من الأحلاف العسكرية كان يحظى بإجماع شعبى لأنه يتفق مع المصالح المصرية والعربية، والانزلاق بعيدا عنه مغامرة ليست مأمونة العواقب.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved