إجراءات لا غنى عنها استعدادًا لما بعد الكورونا

محمد القرمانى
محمد القرمانى

آخر تحديث: الخميس 28 مايو 2020 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

تجاوزت جائحة الكورونا حدود الأزمة الصحية حيث كان لها تداعيات سلبية خطيرة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية فى جميع دول العالم على اختلاف درجة تقدمها وقوة اقتصادياتها. فقد تراجعت معدلات النمو الاقتصادى وأصبحت بعض الدول مهددة بالإفلاس كما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والفقر الغذائى وانهارت العديد من شركات القطاع الخاص فضلا عن الضرر الشديد الذى لحق بحركة التجارة العالمية بسبب إجراءات الغلق الاقتصادى والقيود المفروضة على السفر وانتقال البضائع.
***

وعلى الرغم من أن الجائحة مازالت مستمرة، فإن من المهم أن نفكر بجدية فى بعض الإجراءات الممكن القيام بها لتفادى أو تقليل الضرر الناتج عن أزمات مشابهة فى المستقبل، والتى يمكن إيجازها فى النقاط التالية:
١ــ رفع ميزانية الصحة والتعليم والبحث العلمى حيث تعد تلك القطاعات بمثابة استثمارات طويلة الأجل قد لا تكون لها عوائد اقتصادية سريعة ولكننا لسنا بحاجة للإسهاب فى أهميتها للنهوض بالمجتمع ككل. ويكفى أن نُذَكِّر بأن العالم أجمع فى انتظار ما تقدمه الدول الرائدة علميا وبحثيا صحيا لتصنيع لقاح أو دواء ينقذ البشرية من الوباء.
٢ــ مواصلة جهود الدولة لدمج الاقتصاد غير الرسمى والذى يعد أحد أكبر المتضررين من الأزمة كون أنشطته غير رسمية وبالتالى لا يمكنها الحصول على دعم حكومى وتسهيلات مالية وقت الأزمات. كما يعتبر العاملين فى هذا القطاع أحد أبرز الخاسرين وقت الأزمات كونهم غير خاضعين لقانون العمل وغير متمتعين بتأمينات اجتماعية أو صحية مما يعيقهم عن الحصول على الرعاية الصحية اللازمة ويجعلهم أكثر عرضة لتعسف أصحاب العمل وفقد وظائفهم دون تعويضات.
٣ــ الاهتمام ببناء وتحديث قواعد البيانات التى تمكن أجهزة الدولة من إجراء البحوث والدراسات وتقديم النصح والمشورة لمتخذى القرار بناء على معلومات وبيانات دقيقة ومتنوعة وتقديرات وحسابات اقتصادية واجتماعية واقعية لتأثير مختلف الظواهر الاجتماعية والطبيعية على المواطنين. ومن المهم أيضا فى هذا الإطار حصر الفئات المهمشة والفقيرة والأكثر عرضة للصدمات والتقلبات الاقتصادية بحيث يكون الوصول إليها ودعمها وقت الأزمات سريعا.
٤ــ إنشاء صناديق لدعم البطالة والعمالة المؤقتة تقدم دعما للمتضررين وقت الأزمات. وسيكون إيجاد مصادر تمويل هذه الصناديق التحدى الأكبر حيث أن تكلفتها مرتفعة غير أن أهميتها كبيرة فى حماية العمالة غير المنتظمة والفئات الأكثر عرضة لفقد وظائفها ومصدر دخلها بسبب ظروف قهرية. ومن الممكن أن يتم تمويل هذه الصناديق من خلال استقطاع جزء من ضرائب الشركات بالإضافة إلى التبرعات والرسوم المحلية على مستوى المحافظات.
٥ــ بناء القدرات المؤسسية فيما يتعلق بإدارة الكوارث والتعامل مع الأزمات بحيث تكون جميع أجهزة الدولة على استعداد دائم للتعامل مع الحالات الطارئة. وفى هذا الصدد يجب تشكيل لجنة داخل كل جهاز حكومى تكون مهمتها رصد جميع المتغيرات والتنبؤ بالكوارث والأزمات وتتولى طرح البدائل والحلول وتملك القدرة على التواصل الجماهيرى والتشاور مع مختلف الشركاء المعنيين. فقد أوضحت أزمة الكورونا أن جميع القطاعات حتى البعيدة عن القطاع الصحى قد تضررت بشدة ولم يكن لديها تصور سريع عن كيفية التعامل مع الأزمة ليس فى مصر فحسب ولكن فى جميع بلدان العالم.
٦ــ التوسع فى ميكنة الخدمات الحكومية والاعتماد على التكنولوجيا داخل القطاع الحكومى بما فى ذلك التقديم للحصول على الخدمات واستخراج الأوراق الرسمية وأيضا اعتماد تقنيات العمل عن بعد والتواصل والتوقيع الإلكترونى بديلا عن المكاتبات الورقية. ويساهم الاعتماد على الخدمات الإلكترونية وتفعيل التكنولوجيا فى مواقع العمل فى تقليل تكدس المواطنين والازدحام فى المصالح الحكومية وبالتالى تقديم خدمة أفضل وأسرع للمواطنين. كما أنها تيسر على أصحاب الأمراض المزمنة والإعاقات الحصول على الخدمات الحكومية، وكذلك قد تكون فرصة لتوظيف من تمنعهم إعاقتهم الجسدية من العمل بالجهاز الحكومى بسبب صعوبات فى التنقل أو الحركة.
٧ــ السعى نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من بعض السلع الاستراتيجية: وعلى الرغم من أن مصطلح الاكتفاء الذاتى بات غير مألوف فى ظل الانفتاح الاقتصادى والعولمة، إلا أن الجائحة كشفت أن حركة التجارة العالمية وحرية انتقال رءوس الأموال والبضائع ليست مضمونة دائما. وقد رأينا كيف استولت بعض الدول على شحنات من الأجهزة الطبية والأدوية أثناء عبورها لأراضيها ــ كما فعلت تركيا مع شحنة أجهزة تنفس صناعى كانت فى طريقها من الصين إلى إسبانيا ــ بسبب النقص الحاد الذى شهدته هذه السلع، كما شاهدنا دول رائدة ومتقدمة صارت تمد يدها طلبا للعون بسبب عدم قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية من السوق المحلية.
٨ــ بناء الوعى الجمعى وتعزيز ثقة المواطن فى الحكومة وما تقدمه من بيانات وتعليمات، والاهتمام بآليات التواصل السياسى والانفتاح على الرأى العام بحيث يكون شريكا مساندا وداعما للدولة وقت الأزمات. فوعى الشعوب كان ولا يزال عاملاَ حاسما فى الحد من انتشار الجائحة، وتُعَوِّل مختلف دول العالم على وعى شعوبها فى الالتزام بالضوابط والتعليمات الصحية المتعلقة بالتباعد الاجتماعى والبقاء فى المنزل وارتداء الكمامات والتطهير والعزل المنزلى حال الإصابة وغيرها من التدابير التى من شأنها حماية المواطن والمجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved