انتفاضة فلسطينية غير

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 28 مايو 2021 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

لا شك أن الانتفاضة الأخيرة للفلسطينيين، اختلفت تمامًا عن كل الانتفاضات السابقة، لقد شعرت وأنا أتابع هذه الانتفاضة أن هناك وعيًا مختلفًا عن جميع الانتفاضات السابقة، وهكذا وبسبب ذلك بدأ العالم يستمع لما يقوله الفلسطينيون بجدية، وكيف أن الطريقة التى يتحركون بها اختلفت كثيرًا عما سبق، لقد كان تحركهم هذه المرة مختلفًا وكذلك خطابهم، وسوف أحاول رصد هذا الاختلاف فى عدة نقاط.
***
الأولى، تضامن فلسطينيو الداخل مع فلسطينيى الخارج كما لم يحدث من قبل أو كما لم يتداخلوا هكذا من قبل. لقد تضامن فلسطينيو الداخل فى مناطق ٤٨ مع فلسطينى غزة (حركة حماس) مع فلسطينى القدس والضفة، وكان لهذا التصرف وقع رائع غير مسبوق، ونحن نعلم أن فلسطينيى الداخل حصلوا على الجنسية الإسرائيلية، لكن انتماءهم الوطنى الأصيل ظهر أنه للوطن الفلسطينى.
الثانية، أننا أمام مقاومة فلسطينية لا تستخدم العمليات الانتحارية ولا قتل المدنيين، لقد اقتربت هذه المقاومة أكثر للمقاومة السلمية، صحيح أطلقوا صواريخ مختلفة عما سبق لكن هذه الصواريخ كانت أقوى من السابقة ووصلت إلى مدى أبعد، بل إلى العمق الإسرائيلى، وهذه حرب شريفة ومطلوبة للتحرير.
الثالثة، نحن أمام ـ ولأول مرة ـ استخدام للثقل الفلسطينى الداخلى وبإحصائية بسيطة نكتشف أن نصف الموظفين فى المستشفيات والصيدليات مواطنون عرب، وهكذا ولأول مرة كان الصدام بين دولة إسرائيل ومواطنيها، وهذا موقف لا تُحسد عليه إسرائيل، والتى تنادى بالديمقراطية وتميزها فى التعامل مع شعبها، فى هذه المرة وضح للعالم أن دولة إسرائيل تصطدم مع شعبها الحاصل على جنسيتها وبالتالى هى المسئولة الأولى عن سلامتهم، فكما تحافظ الولايات المتحدة على سلامة كل الجنسيات المختلفة المهاجرة إليها وتعتبرهم أمريكيين بالدرجة الأولى، هكذا يجب على إسرائيل أن تتعامل مع مواطنيها الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية كمواطنين كاملى الأهلية، لكن رأينا أن الدولة فى ردها على فلسطينيى الداخل إنما كانت تستهدف مواطنيها الذين يجب أن يكونوا أولى برعايتها، ولقد كان موقف المواطنين الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية فى منتهى الذكاء والوطنية بينما وضح مدى الغباء من رد فعل الدولة الإسرائيلية وتعاملها معهم، وكأنهم ليسوا بمواطنين لديها، رغم أن الأوراق التى لديهم والتى ينص القانون الإسرائيلى عليها أنهم الأولى بالحماية والرعاية وباقى الحقوق المنصوص عليها فى الدستور لكل مواطنى هذه الدولة، لكن أن يعاملوهم كفلسطينيى الخارج أى يعاملونهم كغرباء وبقسوة، هذا فى وقت يُعتبر المجتمع العربى داخل إسرائيل أقلية ثقيلة، فالقضية هنا ليست فى العدد لكن فى النوعية، وأهمية قضيتهم أنهم كمواطنين إسرائيليين يتعرضون للقتل من حكومتهم التى يجب عليها أن تحميهم وترعاهم عندما يتعرضون للقتل من أى جهة أخرى أو أشخاص.
الرابعة، تغيير الخطاب الفلسطينى الداخلى فى تناسق بديع مع الخطاب الفلسطينى الخارجى. فبدأ الحديث عن إساءة الدولة والمخابرات (الشاباك) والشرطة لهم وذلك فى محاولة لإخضاع الجماهير الحاصلة على الجنسية الإسرائيلية فى الداخل الإسرائيلى، وجاء الخطاب الفلسطينى الداخلى الجديد تجاه ذلك: نحن لا نطالب إسرائيل أن تمنحنا حقوقًا أو اعترافًا بحقنا الوطنى فهذا لا يسعدنا بل العكس هو الصحيح، فنحن أصل هذا الوطن وشعبه، نحن جزء أصيل وفاعل من قبل أن تستولى إسرائيل على هذه الأرض، نحن لسنا من اللاجئين، وهذا الخطاب بالطبع لا تريده إسرائيل ولا تتمناه، لأنه يُعريها أمام العالم، وأنها ضمت أناسًا وشعبًا وأعطتهم جنسيتها لكنها لم تُثبت أنها على قدر حمل مثل هذه المسئولية ولا حتى مسئوليتها عن المهاجرين اليهود، والبلاد التى تدعو منها مهاجرين مثل أمريكا وكندا وأستراليا. إنهم يعاملون المهاجرين وكأنهم ولدوا فيها وأنهم من أبنائها، وهم يجاهرون بهذا الحق لهم، ويقولون إنهم مسئولون أمام العالم عنهم، فكيف تهُبْ إسرائيل لشعب غير شعبها جنسيتها ثم تتحدث معهم وتعاملهم كأنهم غرباء.
الخامسة، لغز وسخافة مصطلح إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية. والسخافة هنا فى التناقض بين دولة يهودية أى (جنسية ودين) والديمقراطية نظامها، إذا كانت إسرائيل دولة ديمقراطية فعليها أن تشطب تعبير (يهودية)، وتكتفى بالقول إسرائيل دولة علمانية ديمقراطية، من هنا يكون تعدد الأديان مقبولا، فالدولة من المستحيل أن يُطلق عليها اسم دينها ثم تصفه بالديمقراطية، من هنا رفض مؤسسو أمريكا الأوائل أن يدعو أمريكا دولة مسيحية ديمقراطية، مع أن الفكرة كانت مطروحة وبقوة لكن المؤسسين الأوائل رأوا استبعاد الدين عن الهوية، لكن الحديث عن دولة «يهودية ديمقراطية« فهذا يعنى أنها تعيش تناقضًا على حد قول جورج واشنطن فى تأسيسه لدولة أمريكا. أما تعبير إسرائيل الذى يحتوى على دين للدولة وجنسية، فهو عنصريه دينية وعرقية فجة، وهو ما انتبه إليه العالم الآن. هناك 72 عضوا فى الكنيست من اليمين المتعصب، وهؤلاء يحصلون على امتيازات تجعل الشارع اليهودى يختارهم، صحيح الاتجاه العام فى العالم يتجه نحو الأحزاب اليمينية، لكن على إسرائيل أن تدرك بذكاء سياسى أن نظامها السياسى داخليًا، مع وجود قطاع غزة على حدودها، يحتم عليها أن تفكر فى وجود مواطنة حقيقية فعالة، لأن المواطنة الموجودة والمستخدمة حاليًا مواطنة شكلية فاشلة ومرفوضة من الداخل والخارج.
الملاحظة السادسة، أكثر الحكومات ديكتاتورية فى العالم انتُخَبت بطريقة ديمقراطية، ثم تنكروا لها بعد أن استولوا على السلطة بصناديق الانتخابات، فقد لوحظ فى مثل هذه الحالات أنه انعطافًا من الدولة لخلق مناخ فاشى، فعندما يهاجم نتنياهو المحكمة الإسرائيلية العليا فهذا يعنى أن مصطلح «إسرائيل دولة ديمقراطية» مهزلة.
***
معظم المحللين يرون أن هناك تغيرات عالمية ضد إسرائيل وقد وضح ذلك من رجال هوليوود، فرجال ومشاهير هوليوود من منتجين ومخرجين وممثلين... إلخ تغيّروا وصاروا ضد إسرائيل بعد أن كانوا يعضدونها بشدة وقوة، هذا رغم العلاقة التاريخية التى تربط رجال هوليوود بإسرائيل، ومن أهم الأفلام التى قدمتها هوليوود لليهود فيلم «الخروج».
وهو عنوان سفر من أسفار العهد القديم (الكتاب المقدس لليهود) وهو يحكى قصة الخروج أى خروج اليهود من مصر بقيادة النبى موسى وكان الإيحاء الواضح فى الفيلم هو الحديث عن خروج يهود أوروبا وأمريكا بل والعالم من البلدان التى ولدوا فيها وعاشوا هم وأولادهم إلى دولة إسرائيل الجديدة فى فلسطين. وهكذا لم تعد إسرائيل هى الضحية بل فلسطين. إن الحديث اليوم عن الفلسطينى المقاوم وليس المنتحر هو جائزة نجاح للقضية الفلسطينية. ومن منا شاهد فيلم «ميونيج» والذى يتحدث عن تفجير الأوليمبياد العالمية المسالمة يتأكد من تغيير الاتجاه العام للمقاومة الفلسطينية وكذلك رسائل التواصل الاجتماعى والعلاقات مع شعوب العالم وتصوير خراب غزة وتبنى الحكومة الأمريكية إعادة بناء غزة عن طريق مصر مما أعطى زخمًا شديدًا للقضية والاستعداد لبداية مؤتمر سلام لحل القضية.
إنها فرصة أخيرة أن يتحد فلسطينيو غزة مع فلسطينيى الضفة والأردن ويعلنون رفضهم للعنف ويجلسون على مائدة التفاوض برعاية الرئيس السيسى وكل رئيس مهتم بالقضية من الرؤساء العرب مع أمريكا، مقدمين مشروع سلام للبلد الوحيد الباقى فى العالم بدون سلام. وعليهم أن يقدموا الوجه العلمانى للقضية كما حدث عندما ذهب عرفات إلى الأمم المتحدة حاملا غصن الزيتون، لكن هذه المرة تحتاج إلى تحرك فلسطينى جاد. فى عام 2010 م كتبت مقالا بالشروق قلت فيه «هل نَحُلم أنه كما وقف الأسقف توتو ممثلا للكنيسة بجوار نيلسون مانديلا ممثلا للشعب فى دولة جنوب أفريقيا يد بيد أن يقف محمود عباس بعد المصالحة مع هنية (أو أى شخص آخر بديل له) يمدان أيديهما بغصن الزيتون لتحقيق السلام مع إسرائيل. لتكن مبادرة سلام فلسطينية. تؤيدها مصر ومن يريد من الدول العربية فهل نفعل؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved