رغم الحرب الأوكرانية.. الحروب فى طريقها للاختفاء

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: السبت 28 مايو 2022 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia Review مقالا بتاريخ 18 مايو للكاتب جوناثان باور، أورد فيه أسبابا كثيرة للتفاؤل بأن الحروب فى طريقها للزوال، رغم الحرب التى شنتها روسيا على أوكرانيا.. نعرض من المقال ما يلى.
تخيم سحابة من التشاؤم على أجزاء كثيرة من العالم. فالحروب عادت بعد أن كانت فى حالة تراجع، بعد أن قام ثانى أكبر جيش فى العالم، الجيش الروسى، بغزو أوكرانيا. إنها حرب تحبط الكثير من الناس. ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب للتفاؤل.
ونستون تشرشل قال ذات يوم: «نحن بحاجة إلى الكلام وليس الحرب»، قصد بعبارته هذه أن الحرب وسيلة ضعيفة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، وأن الدبلوماسية أرخص وتعمل بشكل أفضل. لذلك، سيسعده أن يرى أنه بسبب نصيحته القوية، فقد انخفض عدد الحروب حول العالم بشكل كبير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا على الرغم من الحروب فى كوريا، وأفريقيا، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، ولبنان، وباكستان، وكذلك الهند وأمريكا الوسطى وقبرص ويوغوسلافيا السابقة وسوريا واليمن والآن أوكرانيا.
الحقيقة هى أن الحروب بين الدول اختفت من على الخريطة، باستثناء حرب الهند مع باكستان، وحرب اليمن، وأخيرا، روسيا وأوكرانيا. وبالنسبة لحجم سكان العالم، فإن هذه الحروب تشكل نسبة صغيرة جدا. أما الحروب الباقية فهى حروب أهلية.
لكن فى الواقع، تنظر موسكو إلى الحرب الأوكرانية على أنها حرب أهلية؛ لأن أوكرانيا كانت جزءا من روسيا لمدة 500 عام متواصلة مقارنة بثلاثين عاما فقط من الاستقلال منذ نهاية الحرب الباردة عندما قرر رئيس الاتحاد السوفيتى بوريس يلتسين أنه إذا أراد الشعب الأوكرانى الاستقلال فيمكنه أن يحصل عليه، وبالفعل حصل على الاستقلال بدون أن يتم إطلاق رصاصة واحدة.
على كلٍ، لاحظت رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر منذ فترة طويلة، ودعم رأيها البحث الأكاديمى فى جامعة هارفارد، أن: الديمقراطيات لا تخوض حربا مع بعضها البعض. وأن البلدان الأكثر عرضة لشن الحرب هذه الأيام ليست ديمقراطيات ولا أنظمة استبدادية، بل هى دول تقع بينهما. كما أن البلدان ذات الدخل المتوسط أكثر عرضة للحروب من البلدان الفقيرة جدا أو الغنية، لماذا؟ ببساطة لأن الحروب باهظة الثمن، والأفراد فى ظل أنظمة الاستبداد يكافحون من أجل تنظيم بعض الاحتجاجات لتدبير شئون حياتهم.
فى عام 1917، كتب سالمون ليفينسون، محامى شركة فى شيكاغو، أن «الطريقة الحقيقية الوحيدة لإنهاء الحرب هى تجريم الحرب». فكل الخطط الموضوعة من قبل افترضت مشروعية الحرب. لكن ليفينسون وضع خطة لحظر الحرب.
نظم ليفينسون حركة اجتماعية عالمية حول فكرة «تجريم الحرب» وكان لها تأثير. حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسى أريستيد بريان، فى مؤتمر خاص عقد فى باريس للدول الكبرى فى 27 أغسطس 1928، أن هذا اليوم سيصادف «تاريخا جديدا فى تاريخ البشرية» ونهاية «الحرب الأنانية المتعمدة»، من خلال التوقيع على معاهدة، عرفت باسم ميثاق كيلوغ برياند، نص فى مادته الأولى على استنكار الدول الموقعة عليه اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية. وقال بريان إن المعاهدة «ستهاجم الشر من جذوره» من خلال حرمان الحرب من «شرعيتها».
فى ذلك اليوم، وقعت 15 دولة على الميثاق، وفى غضون عام تقريبا قامت كل دولة فى العالم بالشىء نفسه، ولأول مرة فى التاريخ اعتبرت الحرب غير شرعية. لكن للأسف، لم ينج الميثاق من ضغوط الأحداث ووجهات النظر للدول المتحاربة.
جاء التحدى الأول من اليابان عندما غزت منشوريا الصينية فى عام 1931. وأصيبت عصبة الأمم بالشلل. أما المؤسسة الهامة الأخرى، محكمة العدل الدولية، التى ينص ميثاقها على وجوب عرض النزاعات عليها، فقد تم تجاهلها. ثم بدأ وزير الخارجية الأمريكى، هنرى ستيمسون، التفكير فى عقوبات، «عقوبات سلام» لتحل محل «عقوبات الحرب». وفى يناير 1932، سلم ستيمسون مذكرات دبلوماسية إلى اليابان والصين، قائلا: «لا تنوى حكومة الولايات المتحدة الاعتراف بأى موقف أو معاهدة أو اتفاق قد يتم التوصل إليه بوسائل تتعارض مع المواثيق والالتزامات الواردة فى ميثاق باريس (كيلوغ برياند)». لكن فى وقت لاحق، تجاهله الموقعون الآخرون على الاتفاقية (ألمانيا واليابان وإيطاليا).
فى نهاية الحرب العالمية الثانية، تضمن ميثاق الأمم المتحدة كلمات الميثاق حرفيا: «يجب على جميع الأعضاء الامتناع فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى لأية دولة». لكن كان هناك استثناء واحد؛ إذا سمح مجلس الأمن باستخدام القوة للحفاظ على السلام.
واليوم، ننظر إلى عالم اختفى فيه الغزو الإقليمى تقريبا. لم تعد هناك حصانة لرؤساء الدول. بمعنى أنه يمكن للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) محاكمة أولئك المتهمين بارتكاب جرائم حرب، ويعتبر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين زعيما يجب أن ينتهى به المطاف فى قفص الاتهام.
باختصار، قبل عام 1928، كان من المحتمل أن يتم احتلال الدولة مرة واحدة على الأقل فى حياة الشخص. أما الآن فاحتمال احتلال أى دولة هو مرة أو مرتين فى الألفية. فهل يعد هذا تقدما؟ بالطبع نعم، إنه تقدم كبير. لكن معظم الناس، وخاصة الصحفيين والصحفيات والساسة، وحتى المؤرخين والمؤرخات، لا ينظرون إلى هذا الأمر على أنه إنجاز عظيم.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved