الخيارات الصعبة لقوى الإصلاح السياسى

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 28 يونيو 2010 - 10:47 ص بتوقيت القاهرة

 لا يدعى كاتب هذه السطور قدرة غير عادية على التنبؤ بالغيب، ولكن لعل القارئ يشاركه الاعتقاد بأنه ما لم تتغير الخيارات الأساسية لقوى المجتمع المدنى المطالبة بالإصلاح السياسى، فلن تشهد السنوات القادمة تحولا ذا بال فى القواعد الأساسية التى تحكم الحياة السياسية فى مصر. الأمر واضح للغاية: رئيس الدولة هو اللاعب الأساسى على المسرح السياسى فى البلاد، وقد ارتبطت التحولات السياسية فيها بتغير رئيس الدولة.

ليس من المحتمل أن تتمخض الانتخابات الرئاسية العام القادم عن وصول رئيس لا ينتمى إلى الحزب الوطنى الديمقراطى إلى هذا المنصب الأعلى فى البلاد، وسواء كان الرئيس الذى سيفوز بست سنوات كفترة أولى فى سنة 2011 هو الرئيس حسنى مبارك أو ابنه أو أى شخص آخر يرشحه الحزب الوطنى الديمقراطى فليس من المحتمل أن يؤدى ذلك إلى أى إصلاحات سياسية ذات مغزى، ولا للخروج على الثوابت الرئيسية لسياسات مصر الداخلية أو الخارجية.

هل هناك أى احتمال أن تتمخض التحركات الجارية على مسرح السياسة المصرية فى الوقت الحاضر عن تطور يخرج عن هذه الخطوط التى كانت السمة الأساسية لحكم الحزب الوطنى الديمقراطى.

لماذا يستمر الركود السياسى؟
هناك أسباب كثيرة تدعو للاعتقاد بأن هذا الاحتمال، وهو العزوف عن أى إصلاح سياسى جاد فى ظل حكم الحزب الوطنى الديمقراطى هو أقوى الاحتمالات، وذلك للأسباب الأربعة التالية:
أولا: تكشف طريقة إخراج انتخابات التجديد النصفى الأخيرة لمجلس الشورى عن تشبث قيادات هذا الحزب بأسلوبهم المعهود فى إدارة الانتخابات، والذى اضطروا مؤقتا للتخفيف منه عندما دفعهم إلى ذلك حكم المحكمة الدستورية فى سنة 2000، ولكن مع التعديلات الدستورية فى سنة 2007 التى أسقطت الرقابة القضائية المباشرة على صناديق الانتخاب، لم يعد هناك ما يدعو الحزب للعدول عن الرغبة فى الاحتكار شبه الكامل للتمثيل النيابى.

وهكذا لم يسمح للأحزاب المعارضة التى توهمت إمكان الفوز بوجود معقول فى مجلسى البرلمان مكافأة لها على انضباطها وابتعادها عن قوى المجتمع المدنى الأكثر إصرارا على الإصلاح السياسى، وهكذا لم يقدر لأى من هذه الأحزاب أن يفوز بأكثر من مقعد واحد فقط فى عملية الانتخابات هذه، وأضيف إلى هذه النتيجة المزرية مشاركة هذه الأحزاب فى فضيحة التزوير مع الحزب الوطنى، فقد نجح مرشح كل حزب فى الدائرة التى تركها له الحزب الوطنى بعشرات الآلاف من أصوات الناخبين الذين لم يذهبوا أصلا إلى صناديق الانتخاب.

ولم تتردد اللجنة المشرفة على الانتخابات فى الادعاء بأن نسبة التصويت فى هذه الانتخابات التى لم يشهدها أحد وصلت إلى 30% من جملة أصوات الناخبين. أى أن المواطنين تحمسوا لأسباب غير معروفة للمشاركة فى انتخابات مجلس الشورى بأكثر مما تحمسوا لانتخابات مجلس الشعب أو رئاسة الجمهورية التى لا تجتذب، بحسب التصريحات الرسمية أكثر من 24 % من الناخبين المسجلين. باختصار شديد عادت ريما إلى عاداتها التى لا تقلع عنها، ومن ثم فالأمل فى تغيير سياسى من خلال صناديق الانتخاب هو منعدم.

وثانيا: يسهل أقطاب حركات المجتمع المدنى، وأعنى بذلك تحديدا بعض قيادات الجمعية المصرية للتغيير، وحركة كفاية والحزب الناصرى، بل وكذلك الدكتور محمد البرادعى، على الحزب الوطنى مهمته فى البقاء آمنا فى مواقع السلطة، فهم يسارعون من الآن بالإعلان عن عزمهم مقاطعة الانتخابات القادمة النيابية والرئاسية، ونظرا لأن وجود هذه القوى بين الجماهير لايزال محدودا، ولا ينمو بسرعة حتى الآن، فسوف يسارع الحزب الوطنى إلى المجاهرة بأن موقف المقاطعة هذا إنما يعكس ضعفها، وهو سيكتفى بالوجود الهزيل لأحزاب المعارضة الوفية له للادعاء بوجود قدر من التعددية فى النظام السياسى المصرى وفى مؤسساته النشريعية وفى انتخاباته.

وثالثا لا تزال الأغلبية الساحقة من المواطنين المصريين عازفة عن المشاركة فى الانتخابات، ظهر ذلك فى انتخابات مجلس الشورى، ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن هذا السلوك ستيغير فى الانتخابات القادمة، لأن هؤلاء المواطنين يعرفون حقيقة المسرحية الانتخابية فى مصر، وهى مسرحية لم تعد مسلية، فتفاصيل فصولها معروفة، وخاتمتها معروفة ومكررة، كما أن مشاهدة هذه المسرحية قد تكون لها عواقب غير مأمونة.

أقلها التجوال على العديد من مراكز الاقتراع بحثا عن اللجنة المسجل فيها الناخب، أو بحثا عن اسم غير موجود غالبا لمن لا يحتمل أن يصوت للحزب الوطنى، أو أن باب اللجنة مغلق منذ الصباح الباكر لأنه لا حاجة لتجشم المواطن عبء الذهاب للإدلاء بصوته بنفسه، فقد تولاه عنه موظفو الحكومة، بل وقد يصاب المواطن بضربات البلطجية الذين يستأجرهم المرشحون الأوفر حظا فى الفوز أو حتى قوات الأمن المتعاطفة معهم. ولذلك فالتعويل على صحوة جماهيرية تحقق المفاجأة فى الانتخابات القادمة هو ضرب من الخيال.
ورابعا: على الرغم من كثرة التصريحات الصادرة من قادة الحزب الوطنى والأحزاب الوفية له عن رفض دعاوى الإصلاح القادمة من الخارج، فقد أثبتت تجارب التعديل الدستورى لقواعد انتخاب رئيس الجمهورية فى سنة 2005، والمناخ المنفتح نسبيا الذى جرت فيه انتخابات مجلس الشعب فى نفس العام عن أن الضغوط الخارجية لها بعض الأثر على مجريات الحياة السياسية فى مصر.

ولاشك أن قيادات الحزب الوطنى لتشعر بالسعادة لأن الحكومات الغربية وفى مقدمتها حكومة الرئيس أوباما فى الولايات المتحدة تقدر للحكومة المصرية دورها فى محاذاة السياسة الأمريكية فى الشرق ألوسط، وخصوصا بالنسبة للقضية الفلسطينية والموقف من إيران والقوى المعادية للولايات المتحدة عموما فى هذا الإقليم، ومن ثم توقفت عن مطالبة النظام المصرى بالإصلاح السياسى.

ولذلك يعجب المرء من استمرار خروج هذه التصريحات عن رفض دعوات الإصلاح السياسى القادمة من الخارج، فلا يعرف المتابع لأحوال السياسة فى الشرق الأوسط من أين تأتى هذه الدعوات اللهم إلا إذا كان المقصود بذلك هو ما يخرج عن تجمعات المصريين المقيمين بالخارج، وهذا موقف عجيب فنحن نطالبهم بالاهتمام بشئون الوطن، وألا يبخلوا عليه بمدخراتهم وعلمهم واستثماراتهم، ولكنهم عندما يظهرون اهتماما بشئون الوطن لا يكون على هوى الحزب الوطنى الحاكم، تتهمهم أبواق هذا الحزب بالعمالة للخارج، وتسعد عندما تنتهك حكومات الدول التى يقيمون فيها حقهم فى التعبير السلمى عن الرأى كما جرى فى الكويت مثلا.

ماذا تفعل قوى الإصلاح؟
فى ظل هذه الظروف من السهل أن يتملك النفوس الساعية للتغيير، اليأس من الإصلاح بل ومن جدوى العمل السياسى إذا كانت كل المؤشرات توحى باستمرار الأوضاع الراهنة أيا كان شخص من يشغل مبنى رئاسة الجمهورية فى مصر الجديدة. ومع ذلك فإن جلال مهمة الإصلاح السياسى فى مصر، وضرورتها للخروج بالوطن من هذا النفق المظلم من شيوع الفساد وتردى أحوال معظم المواطنين، وتدهور مكانة مصر إقليميا ودوليا، تستدعى أن تتحلى القوى الداعية للإصلاح بالنفس الطويل وبالرؤية الصائبة وبالعزيمة والمثابرة وبقدر لا حد له من الخيال والابتكار فى أسلوب عملها.

وإذا كانت جماهير مصر العريضة لا تشارك بعد فى الحركات المطالبة بالإصلاح السياسى، فليس ذلك قصورا من هذه الجماهير، ولكن لأن رؤية المطالبين بالإصلاح حتى الآن لا تتسع لمشاغل هؤلاء المواطنين ومعاناتهم فى حياتهم اليومية. ولذلك فالرؤية الوحيدة القادرة على توسيع إطار حركة الإصلاح هذه وتحويلها من طابعها النخبوى إلى حركة ذات قاعدة شعبية عريضة هى التى تتضمن تصورا لكيفية النهوض بأحوال المواطنين من حيث مستويات الدخل وفرص العمل والوصول إلى خدمات تعليم وصحة وإسكان لائقة تدفع الوطن على طريق تنمية إنسانية رشيدة.

وإذا كانت أساليب العمل الراهنة لم تحرز نجاحا كبيرا فإن الواجب يقتضى معاودة النظر فى بعض الخيارات السابقة، وفى مقدمتها مثلا رفض الدكتور البرادعى الترشح إلا بعد تعديل الدستور فى المواد 76 و77 و88. إن الوصول إلى هذه الغاية لا يتم بسهولة، وخوض معركة الانتخابات الرئاسية من خلال أحد الأحزاب القائمة هو أحد السبل لتعبئة المواطنين وراء هذا المطلب. كما أن خوض أنصار الإصلاح غمار انتخابات مجلس الشعب هو فرصة هائلة للتواصل مع المواطنين وكسبهم إلى جانب قضية التغيير الديمقراطى والاجتماعى فى مصر. ولن تكون هناك فرصة أخرى للتواصل مع المواطنين بكثافة وفى أنحاء البلاد التى يكون فيها مرشحون لقوى الإصلاح.

وإذا كانت قيادات الأحزاب الوفية للحزب الوطنى تنأى بنفسها عن حركات المجتمع المدنى، فإن داخل هذه الأحزاب كثيرين ممن يشاركون هذه القوى تطلعاتها لنقلة حقيقية لمصر على طريق الديمقراطية، وسوف تشكل الانتخابات فرصة لإقامة تحالفات واسعة معهم. وسوف يكون الإنجاز التاريخى للقوى المطالبة بالإصلاح هو النجاح فى إقامة تحالف عريض يضم إلى جانب قوى المجتمع المدنى المطالبة بالإصلاح السياسى القوى الجديدة الأخرى التى رفعت مطالب عمالية أو اقتصادية واجتماعية تعكس مشاغل قطاعات أخرى من المواطنين.

ولعل هذه القوى تتذكر أن التجربة التاريخية فى مصر تشهد على أن مقاطعة الانتخابات تكون عواقبها وخيمة على الأحزاب والتنظيمات والحركات التى لجأت إليها. لقد فقد حزب الوفد مثلا الكثير من نفوذه فى الشارع المصرى بعد مقاطعته انتخابات سنة 1990، ولم يصل وجوده فى مجلس الشعب منذ سنة 1995 إلى ربع أعضائه الوفديين سواء فى انتخابات 1984 أو 1987.

وبطبيعة الحال فإن هدف هذه التحالفات ليس بالضرورة كسب انتخابات العام القادم سواء الرئاسية أو البرلمانية، ولكن أن يكون ذلك خطوة أولى ومهمة على طريق طويل يتواصل السير عليه وبمجهودات أكبر فى الأعوام التالية. أذكر أن لويز إيناسيو لولا دا سيلفا رئيس البرازيل الحالى والقادم من صفوف عمال الصلب قد خاض انتخابات الرئاسة البرازيلية أول مرة فى سنة 1989، وقدر له النجاح فيها بعد ذلك بأربع عشرة سنة، وبعد أن خاضها للمرة الثالثة فى سنة 2003. أليس ذلك درسا للمتطلعين إلى التحول الديمقراطى فى مصر؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved