المصالحة التركية الإسرائيلية: الأرباح والخسائر

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يونيو 2016 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

يأتى اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا متأخرا ست سنوات. كان فى الإمكان التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أيام من الحادثة المأساوية التى قتلت فيها قوات الجيش الإسرائيلى تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مافى مرمرة. فخلال الفترة الزمنية القصيرة بعد المواجهة طالبت تركيا فقط بالاعتذار ودفع تعويضات، ولم يكن رفع الحصار عن غزة قد تحول إلى شرط أساسى وإلى سبب لتأخر الاتفاق أكثر من ست سنوات.

إن البند الذى جاء فيه أن تركيا لن تسمح لـ«حماس» بالقيام بنشاطات عسكرية على أراضيها، يتيح للحركة إمكانية الاحتفاظ بممثليتها فى تركيا وإقامة علاقة سياسية مع دول وتنظيمات أخرى، كما سيتيح لها بصورة خاصة جمع المال وإدارة قنوات التبرعات التى تحصل عليها. وثمة شك فى أن تنجح تركيا فى إقناع «حماس» بأن تجرى مفاوضات بواسطتها من أجل إعادة الجنديين المفقودين، فقد طلب من تركيا قبل الاتفاق هذا الأمر، ووافقت على طلب إسرائيل الحصول على معلومات من ممثلى «حماس» لكن من دون نجاح، إذ تعتبر «حماس» موضوع المفقودين ورقة مقايضة مع إسرائيل وليس هدية ترغب فى تقديمها إلى تركيا لقاء توقيعها اتفاق مصالحة مع إسرائيل، ولاسيما أن إعادة المفقودين إلى إسرائيل ليست شرطا من شروط الاتفاق، لأن إسرائيل لا تريد أن تظهر وكأنها تجرى مفاوضات مع الحركة. وهذا موقف إسرائيلى غريب، لأنه من المحتمل جدا أنه لو اقترحت «حماس» إجراء مثل هذه المفاوضات مع إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة، فإن إسرائيل كانت ستوافق.

لكن من الخطأ فحص ميزان الربح والخسارة للاتفاق من وجهة نظر «حماس» أو بالاستناد إلى التعويض المالى وهو نحو 80 مليون شيكل ستدفعها إسرائيل إلى صندوق مخصص للتعويض على عائلات القتلى.

***

ثمة أهمية استراتيجية عليا لشبكة العلاقات بين تركيا وإسرائيل. خلال فترة طويلة حتى قضية الأسطول بما فى ذلك خلال فترة حكم أردوغان، كانت تركيا بحاجة إلى إسرائيل كجسر يصلها بالولايات المتحدة، لكن تركيا حاليا لم تعد بحاجة إلى هذه الخدمات، فوضع إسرائيل المتزعزع فى الاتحاد الأوروبى وإلى حد بعيد فى الولايات المتحدة لم يعد يمنحها الأهمية التى كانت لها فى الماضى فى هذا المجال.

تركيا مثل إسرائيل تبحث عن أصدقاء جدد آخرين فى المنطقة، بعد الشرخ العميق الذى أدى إلى انهيار مبدأ «صفر مشكلات مع الدول المجاورة» الذى سعت أنقرة إلى تحقيقه. فبعد مرور سنة على قضية الأسطول قطعت تركيا علاقاتها مع سوريا، وانهارت علاقتها بمصر فى يوليو 2013 بعد أن رفض أردوغان الاعتراف بشرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى. أما دول الخليج بما فيها السعودية، فقد اعتبرت تركيا خصما غير مرغوب فيه، إلى أن قرر الملك سلمان فى مطلع هذا العام، ضم تركيا إلى التحالف السنى ضد إيران. وليبيا التى كانت مركزا للاستثمارات التركية تتفكك، وتبذل روسيا كل ما فى وسعها من أجل إهانة تركيا والمس بها بعد إسقاط تركيا الطائرة الروسية.

ليس لدى إسرائيل المكانة التى تخولها مصالحة تركيا مع مصر أو مع روسيا، مثلما لا تستطيع تركيا تقريب السعودية من إسرائيل، لكن لدى الدولتين مصالح مشتركة تتجاوز رغبة إسرائيل بيع الغاز لتركيا والمسعى التركى نحو تنويع مصادر التزود بالغاز وخفض الاعتماد على روسيا. الدولتان تهددهما الحرب السورية، ولديهما اهتمام كبير فى التأثير على مستقبلها، وهما قريبتان بصورة خطرة من قواعد تنظيم داعش، وللدولتان مكانة كبيرة فى سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى الشرق الأوسط. قد يكون من المبكر جدا الحديث عن تعاون عسكرى بين الدولتين، لكن تعاونا سياسيا واستراتيجيا ثنائيا أو متعدد الأطراف بمشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبا، هو بالتأكيد ممكن جدا وفى وقت قريب نسبيا. بناء على ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذا ليس اتفاق سلام بين دولتين عدوتين بل هو اتفاق لترميم العلاقات بين الدولتين وبين الشعبين بعد فترات من العلاقات الممتازة. وعلى الرغم من أن الاتفاق أتى متأخرا جدا، إلا أنه ضرورى للغاية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved