اعتداء إثيوبي جديد

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

قامت القوات الإثيوبية بقتل سبعة أسرى من الجنود السودانيين، وآخر مدنى. وحسب بيان صادر عن الخارجية السودانية فإن هؤلاء الأسرى اختطفوا فى 22 يونيو الماضى، وتم «اقتيادهم إلى داخل الأراضى الاثيوبية، وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ». مسرح الجريمة هو منطقة الفشقة الحدودية التى تقع ضمن الأراضى السودانية منذ اتفاق ترسيم الحدود بين السودان واثيوبيا عام 1902، وتدعى اثيوبيا أنها ضمن حدودها، وقد بسطت القوات السودانية سيطرتها عليها منذ نوفمبر 2020 بعد تصاعد لهيب الحرب فى إقليم تيجراى خشية تدفق مسلحين إلى أراضيها، التى يعيش بها ما يقرب من مليونى لاجئ اثيوبى. وتحوى الفشقة أراضى خصبة، أقبل المزارعون من اثيوبيا على زراعتها تباعا طيلة السنوات الماضية، ويتمتعون بحماية ميليشيات مسلحة، وهم ينتمون إلى عرقية «أمهرا» سكان الإقليم المجاور لـ«تيجراى»، والتى تشكل سندا مهما لرئيس الوزراء الاثيوبى أبى أحمد. ورغم أن الجانبين السودانى والاثيوبى انخرطا فى محادثات لفترة طويلة بشأن حسم القضايا الحدودية المتنازع عليها، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى نتيجة.
وقد نفى بيان صادر عن إثيوبيا ما ذكرته الخارجية السودانية، وادعى أن وحدة من الجيش السودانى هى التى عبرت الحدود الإثيوبية، وأن الجنود السودانيين قتلوا على يد ميليشيا محلية، وهى رواية لا تعبر عن الحقيقة، رفضها الجانب السودانى، وحمل شكواه إلى المجتمع الدولى، وتعهد الفريق البرهان لدى زيارة منطقة الفشقة بالرد على أرض الواقع لا بالكلام.
جاء هذا الحادث المأسوى بمثابة استدعاء لروح الوحدة فى السودان، حيث أدانت جميع القوى وأطياف المجتمع السودانى ما حدث، وأعلنت التفافها خلف القوات المسلحة، فى وقت تتلاحق فيها الجهود لتسوية الخلاف السياسى بين المكون العسكرى من ناحية وقوى سياسية معارضة للإجراءات التى اتخذت فى 25 أكتوبر الماضى من بينها الحرية والتغيير من ناحية أخرى. وتستعد السودان لمظاهرات مليونية فى 30 يونيو فى سياق ممارسة الضغوط المتبادلة بين الفرقاء فى المشهد السياسى.
ورغم أن الخلافات الحدودية السودانية الاثيوبية منذ فترة، وتشهد مواجهات عسكرية من آن لآخر، إلا أن حادث قتل الجنود السودانيين الأسرى، أو شهداء الواجب حسب التعبير الذى استخدمه الرئيس السيسى فى عزائه للقيادة السودانية، يحمل فى هذا التوقيت دلالات مهمة للداخل السودانى، أهمها ضرورة تجاوز المشهد السياسى الممزق منذ أكثر منذ ثمانية شهور، حيث لا توجد حكومة، ويتصاعد لهيب الأزمة الاقتصادية، وتتزايد المخاطر الأمنية. وتعمل ــ بشىء من التعثر ــ الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى والايجاد لتقريب وجهات النظر، وتشجيع الحوار بين الأطراف السودانية المختلفة، وهناك وساطة أمريكية سعودية تجرى بالتوازى لكسر الجمود، وجمع المكون العسكرى والقوى السودانية المعارضة على مائدة التفاوض. وفى الوقت الذى تبدو فيه واشنطن حريصة على ابعاد روسيا عن المشهد السودانى، وتريد السعودية أن تسفر جهودها عن اتفاق لترتيب صيغة سياسية انتقالية للسودان على غرار «اتفاق الطائف» الذى أنهى الحرب الأهلية فى لبنان فى مطلع التسعينيات، تظل الكلمة الأولى والأخيرة فى يد القوى السياسية السودانية التى تتسم بالثراء السياسى والفكرى الشديد، وتحتاج إلى توافق يعبر من حالة الانقسام الراهنة، بما تحمله من مخاطر أمنية شديدة، إلى ترتيبات انتقالية تمهد لنظام سياسى ديمقراطى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved