الشرق الأوسط ــ لندن: أفريقيا في متاهة العنف المنسي

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا بتاريخ 25 يونيو للكاتب عبدالرحمن شلقم، تناول فيه الأحوال المتدهورة فى الكثير من الدول الأفريقية بسبب الجماعات المتطرفة، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على اتساع هوة العنف الأفريقى، وأخيرا تناول سطو القوى الدولية على مقدرات القارة مما يزيد من وتيرة العنف بها.. نعرض من المقال ما يلى.
المئات يلقون حتفهم كل يوم تقريبا فى مناطق مختلفة من القارة الأفريقية. أكثر من مائة وعشرين شخصا لقوا حتفهم فى بوركينا فاسو فى الأيام القليلة الماضية جراء هجوم إرهابى على قرى مختلفة. مواطنون عزل فقراء لا علاقة لهم بالصراع السياسى، أو التناحر الأيديولوجى، والحكومة أعلنت من طرفها أنها قتلت أكثر من أربعين إرهابيا. شهدت البلاد انقلابا عسكريا، العام الماضى، أسقط الرئيس المنتخب بحجة عجزه عن التصدى للجماعات الإرهابية التى تروع الناس. فى مالى تتسع رقعة نشاط المجموعات الإرهابية، خصوصا فى الشمال، ولا ينخفض تدفق الدم، والموتى فى مختلف أنحاء البلاد. فرنسا سحبت قواتها، وأوقفت عملية «برخان» التى كانت تقود المواجهة مع الإرهابيين فى مالى. الحكومة المالية جمدت علاقاتها مع فرنسا، وانعكس ذلك تغولا من طرف الإرهابيين الذين يسيطرون على مساحات واسعة من البلاد، والحكومة لا وجود فعليا لها خارج العاصمة. انسحاب دولة مالى من مجموعة غرب أفريقيا، شكل ضربة للجسم السياسى والأمنى والمالى الهش فى ذلك التجمع الصحراوى المضطرب. ترتبت على تلك الخطوة تطورات استغلتها المجموعات المسلحة الإرهابية التى تتحرك بقوة بين دول المجموعة. فى نيجيريا لقى أكثر من أربعين شخصا مصرعهم وهم يصلون فى كنيسة، عندما هاجمتهم مجموعة مسلحة متطرفة، تمكنت من الفرار. جماعة بوكو حرام الإرهابية، أسست مملكة الدم المتحركة. تختطف البنات الصغيرات، وتغلق المدارس رفضا للمناهج التعليمية الحديثة، بل تحرمها. فى دارفور غرب السودان، قُتل أكثر من مائة وعشرين مواطنا فى مواجهات قبلية بين مزارعين أفارقة ورعاة عرب، وتدفق النازحون واللاجئون إلى داخل البلاد وخارجها. الرعاة يصرون على إطلاق مواشيهم لترعى فى كل مكان به زرع وكلاء وماء، وإن كان ذلك يسبب دمارا هائلا لمحاصيل الفلاحين. فى كل المواجهات القبلية، لا تغيب النيران التى تحرق البيوت المقامة من القش والقماش. فى العاصمة الخرطوم، لا يتوقف القتل، إلا لكى يبدأ. مظاهرات تطوف الشوارع مطالبة بمغادرة العسكريين، وعودة الحكم المدنى، لكن لا صوت يعلو على صوت الرصاص فى شوارع العاصمة المثلثة.
•••
فى موزمبيق، انتشرت بقع المجموعات الإرهابية المسلحة، والحكومة التى تعانى وهنًا مزمنا، لا قدرة لها على مواجهة هذه المجموعات، وكثيرا ما تلجأ إلى سياسة المهادنة والمساومة معها. دولتا تشاد والنيجر، وهما من أكثر الدول فقرا فى العالم، يهزهما هاجس الخوف من المجموعات الإرهابية، والتناحر القبلى الذى يزداد توسعا كل يوم. شرق القارة لا يتوقف فيه الصراع، خصوصا فى إثيوبيا. القتال بين الحكومة الاتحادية ومقاتلى التيجراى، رغم أنه يهدأ من حين إلى آخر، فإنه لا يلوح حل حقيقى مستدام للأزمة بين الطرفين. غضب الطبيعة لم يرحم الناس والزرع والضرع. الجفاف القاتل نشر الجوع والموت. ماتت المواشى بسبب جفاف المراعى بعدما انقطع المطر، فى إثيوبيا والصومال وجيبوتى. وسط أفريقيا، أيضا يهزه صراع مسلح. مواجهة عنيفة بين ميليشيات رواندية وقوات نظامية من الكونغو الديمقراطية فى الأسبوع الماضى، وسقوط قتلى وغلق الحدود بين البلدين. السنغال التى كانت يُضرب بها المثل فى الاستقرار السياسى والتداول السلمى على السلطة والتنمية، وهى من الدول الأفريقية القليلة، التى لم تضربها موجة الانقلابات العسكرية، شهدت فى الأسبوع الماضى مواجهة عنيفة بين قوى المعارضة والجيش. شمال القارة الأفريقية، يشارك إخوته فى الأقاليم الأفريقية الأخرى معاناتهم، وإن كان لكل هزاته.
•••
أنظار العالم الآن كلها مشدودة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمة الغذائية التى سببتها تلك الحرب، تنشر الجوع فى القارة التى يغادرها شبابها منذ عقود هروبا من طامة الجوع والبطالة والعنف. كل ذلك سيزيد من اتساع متاهة العنف وزيادة المعاناة. ذهب بعض المهتمين بالشئون الأفريقية، إلى توقع نشوب نزاعات فى بلدان أفريقية بسبب النقص الكبير فى المواد الغذائية، ما قد يدفع إلى فوضى وعنف مسلح.
ما يزيد الطين الأفريقى بلة بل بلات، التدخل الخارجى الكبير فى معركة دولية على مقدرات القارة. روسيا عبر قوات «فاجنر»، صار لها وجود كبير فى دول الساحل والصحراء. فى مالى تعتمد عليها الحكومة بشكل علنى وتتحالف معها، ونفس الوضع فى جمهورية بوركينا فاسو، التى تهزها الانقلابات العسكرية. أما جمهورية أفريقيا الوسطى، فقد صارت بالكامل تحت حكم مجموعة «فاجنر». الصراع بين القوى الكبرى على القارة الغنية، له أكثر من وجه وإيقاع وأسلوب. الصين تنشر وجودها القوى فى أفريقيا، عبر الاستثمار والتجارة، وشرعت فى إقامة قواعد عسكرية فى بعض المناطق. المواد الخام هى الطريدة الأهم لرأس المال الصينى. تدفق الصينيين، والسيطرة على المواد الخام وتصدير المنتجات الصينية إلى بلدان القارة، كل ذلك جعل الوجود الصينى فى أفريقيا، يحرك الاهتمام الأمريكى بالقارة، وكذلك الأوروبى. النخب الأفريقية فى كثير من البلدان بدأت ترفع صوتها الرافض للزحف الخارجى على القارة، وقد شهدت زامبيا تحركات نقابية وسياسية رافضة للوجود الاستثمارى الخارجى فيها. وفى وسط القارة، لم تخفِ بعض وسائل الإعلام غضبها من الأهداف الحقيقية للتدافع الخارجى على القارة، وأنه لن يقدم حلولا لمشكلاتها المزمنة. الحديث عن حقبة الاستعمار، عاد بقوة بين النخب الثقافية والسياسية فى أنحاء مختلفة من القارة، وسيسهم ذلك من دون شك فى رفع وتيرة الاحتقان، وربما يضيف مزيدا من الحطب على نار العنف التى تلتهب فى بقاع شتى من القارة.
فى ظل أزمة الوقود العالمية، ونقص الغاز والنفط الروسيين بسبب العقوبات الدولية، يتجه تكتل دولى إلى بناء أنبوب نفط يمتد من نيجيريا فى غرب أفريقيا إلى شمالها، ليندفع بعد ذلك عبر أنبوب تحت البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب أوروبا. أمام الأنبوب المشروع طريقان، من نيجيريا إلى النيجر ومنها إلى الجزائر. الثانى من نيجيريا إلى بوركينا فاسو ثم مالى إلى المغرب. المشكلة الأكبر التى قد تجهض المشروع من البداية إلى النهاية، هى المجموعات الإرهابية المسلحة التى تصول فى المناطق التى سيعبرها الأنبوب. القارة الأفريقية، تتقاذفها موجات من العنف والجفاف والجوع، ولا تغيب عنها الأطماع الخارجية. لكنها فى خضم الصراع الأوروبى ــ الروسى وما ألقاه على العالم من أزمات، تبقى أرض التيه العنيف، الذى قلما يراه أو يسمعه الآخرون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved