ثورة فى خطر

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 28 يوليه 2011 - 9:13 ص بتوقيت القاهرة

فى أدبيات مملكة «الميكروباص» المصرية عبارة يتداولها «عفاريت الأسفلت» من أبناء هذه المملكة لصقا على سياراتهم تقول «ربى اكفنى شر أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم».

وقد أثبتت تطورات الأيام والشهور الماضية قدرة الثورة على مواجهة أعدائها سواء كانوا من فلول النظام البائد فى الداخل أو من القوى المناوئة لها فى الخارج، غير أن الخطر الحقيقى الذى تجد صعوبة فى مواجهته يتمثل فى أصدقائها أو قل فى شبابها الذين لا يجدون أنفسهم إلا فى الميدان ولا يشعرون بالرضا والتحقق إلا فى الشارع المتظاهر دائما.

إن تشبث قطاع من شباب الثورة بميدان التحرير والبحث عن أسباب للتظاهر والاعتصام فيه بات يشكل خطرا حقيقيا على الثورة لأن هذا السلوك يمثل استنزافا لطاقات هذا القطاع النقى الذى يحصر نفسه داخل الميدان ويترك الساحة السياسية الأوسع أمام تيارات وقوى أخرى بعضها موالٍ للثورة وبعضها معادٍ لها.

ورغم أنه لا يمكن التشكيك فى وطنية وإخلاص هؤلاء الشباب الذين قدموا أرواحهم فداء للثورة منذ بداياتها فإن افتقاد هؤلاء الشباب للقدرة على العمل السياسى الحقيقى فى ظروف طبيعية وضعف فرص فوزهم فى أى انتخابات قريبة يجعلهم أسرى للميدان فيتمسكون بالبقاء فيه ويبحثون عن أسباب ومبررات لمواصلة التظاهر والاحتجاج ضد أى شىء.

وخطورة هذا السلوك هو أنه يهدد بتراجع واضح فى التأييد الشعبى لمعسكر التحرير وهو خطر جسيم يهدد الثورة بالفعل التى ما كان لها أن تنجح لولا احتضان الأغلبية الصامتة لها حتى وإن اتخذ هذا الاحتضان شكل التعاطف والدعاء فقط.

ليس هذا فحسب بل إن استمرار الاعتصام والرسائل التى يطلقها المعتصمون وتقول إن «الثورة لم تفعل شيئا» سوف يصدر شعورا بالإحباط إلى قطاعات كبيرة من الشعب وهو تطور خطير أيضا.

إن الثورة حققت الكثير من الأهداف والآمال العاجلة فلم يعد هناك وجود للحزب الوطنى ولا لمجالسه المحلية والنيابية المزورة ورموز النظام كلهم وراء القضبان والانتخابات النزيهة قادمة والدستور الذى نتطلع إليه أصبح قاب قوسين أو أدنى.

وتتبقى بعد ذلك الأهداف الأهم ولكنها الأطول مدى من تحقيق العدالة الاجتماعية إلى ضمان الكرامة الإنسانية للمواطن وهى أمور تحتاج إلى وقت طويل وعمل شاق لأنها تتعلق بتغيير بنية المجتمع المصرى ككل ونفسية المواطن المصرى فى الأساس.
إن الكثيرين من الشباب الفاعل فى ميدان التحرير ليس لهم وجود سياسى حقيقى خارجه فلم تظهر من بينهم أسماء يمكن أن تفرض نفسها على الناخبين فى أى انتخابات مقبلة ولم تتبلور لهم قوى قادرة على منافسة قوى سياسية تقليدية شاركت هى الأخرى فى الثورة ولكن حظوظها فى جنى الثمار تبدو أكبر.

هذه الحقيقة لا تمثل بأى حال انتقاصا من هؤلاء الشباب لكنها طبائع الأمور التى يجب عليهم التعامل معها والقبول بفترة انتقالية تتراجع فيها نجوميتهم ويتقلص فيها دورهم السياسى حتى يخرجوا من مرحلة الميدان إلى مرحلة الشارع لممارسة العمل السياسى الشعبى بمعناه الواسع لأن هذا هو خيار المستقبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved