إعادة النظر فى ترتيبات الأمن بسيناء

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: الخميس 28 يوليه 2011 - 9:53 ص بتوقيت القاهرة

شنت إسرائيل حملة شعواء ضد مصر، علت نبرتها بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير. ادعت اختلال الأمن فى سيناء، وأن التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، قد دفع بأكثر من 400 فرد من عناصره إلى شبه الجزيرة ليعيثوا فيها فسادا. وتدلل إسرائيل على ذلك بتفجير أنابيب نقل الغاز إلى إسرائيل والأردن وذلك للمرة الرابعة خلال العام الحالى، كما تسترجع ذكريات الهجمات الصاروخية على إيلات والعقبة العام الماضى والتى ادعت إسرائيل حينئذ انها انطلقت من الأراضى المصرية فى سيناء. وكلنا يتذكر ايضا أن إسرائيل أقامت الدنيا ولم تقعدها على خلفية وجود أنفاق على الحدود يجرى تهريب السلاح من خلالها، واستحلت لنفسها قصف هذه الانفاق بالطائرات والصواريخ.

ولم يشأ نتنياهو أن يضيع هذه الفرصة الثمينة دون أن يدلى بدلوه هو الآخر، فيقرر أمام إحدى لجان الكنيست الإسرائيلى يوم 30 مايو الماضى، أن مصر تجد صعوبة فى ممارسة سيادتها على سيناء، وأن المنظمات الإرهابية تنشط وتكثف من وجودها هناك! أما الموقع الإلكترونى الإسرائيلى المسمى worldnet daily فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، فنسب إلى المحللين فى المنطقة (دون تسميتهم بالطبع) أن إسرائيل تفكر فى اعادة احتلال سيناء فى ضوء ذلك التغلغل الملحوظ للقاعدة والمنظمات الإرهابية الاخرى، وعدم قدرة مصر على ضمان الأمن فى سيناء.

لا يجب علينا أن نتوقف كثيرا عند مثل هذا الهذيان الإسرائيلى لأن اعادة احتلال سيناء يعنى الحرب، وانهيار معاهدة السلام، بل ومسيرة عملية السلام فى المنطقة برمتها. والواقع أن إسرائيل، وعلى عكس ما تتفوه به حاليا، كانت تتلهف لسماع تأكيد مصر بعد الثورة احترامها لالتزاماتها الدولية بما فى ذلك معاهدة السلام.

●●●

وبصرف النظر عن الافتراءات أو التهديدات الإسرائيلية، فإن الامر يحتاج فى واقع الأمر إلى اعادة النظر فى ترتيبات الأمن التى نصت عليها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة فى 26 مارس 1979. مضى على التوقيع هذه المعاهدة أكثر من 32 عاما، قامت خلال هذه المدة الطويلة دول واختفت اخرى، وتم اختراع انواع من الأسلحة أشد فتكا وأكثر تدميرا، وتم بناء طائرات مقاتلة وقاذفة بعضها يمكن رصده والآخر يحلق كالأشباح غير المرئية. وازدهرت تجارة السلاح التى تتم بشكل قانونى بين الدول أو غير قانونى عن طريق السرقة والتهريب.

المهم هنا أن العالم قد تغير عما كان عليه الحال منذ 32 عاما. اذن لم تعد ترتيبات الأمن التى تم الانفاق عليها حينئذ، وأنواع السلاح المسموح به بمقتضى المعاهدة لتتناسب مع التطورات الجذرية التى حدثت على امتداد ثلاثة عقود.

فالمادة الرابعة من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نصت على إقامة ترتيبات أمن بينهما على أساس متبادل. وبناء على ذلك نصت المعاهدة على إقامة ثلاث مناطق فى سيناء ومنطقة داخل إسرائيل. المنطقة الأولى فى سيناء وهى المنطقة (أ) والتى تقع شرق قناة وخليج السويس ويوجد بها 22 ألف جندى، و230 دبابة، علاوة على ألوية مشاة ومدفعية. أما المنطقة (ب) فى وسط سيناء فتوجد بها أربع كتائب من وحدات قوات الحدود المصرية مجهزة بأسلحة خفيفة ومركبات بإجمالى 4000 جندى.

ونأتى الآن إلى المنطقة (ج) التى تقع غرب الحدود الدولية وبعمق 20 كيلومترا. يوجد بهذه المنطقة شرطة مدنية فقط مسلحة بأسلحة خفيفة. والواقع أن هذه المنطقة قد تعرضت إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية فى الفترة من 2004 إلى 2007، سواء فى طابا أو شرم الشيخ أو دهب.

وهذه المنطقة (ج) بها الكثير من المنشآت الحيوية المتمثلة فى الموانئ البحرية والمطارات، كما تحوى عشرات المنشآت والمنتجعات السياحية والفندقية بما يمثله ذلك من مصدر مهم من مصادر الدخل السياحى. أضف إلى ذلك ان المنطقة، بحكم محاذاتها للحدود، تعد جاذبة تماما لعمليات تهريب المخدرات والتسلل.

أصل من ذلك إلى القول أن قوات الشرطة الموجودة فى هذه المنطقة لا يمكنها أن تتصدى بإمكاناتها المحدودة لأية أعمال إرهابية أو تسلل أو تهريب تضطلع بها جماعات أفضل تسليحا، فى عالم لم يعد يمثل فيه أمر حصولها على كل الأسلحة المتطورة أيه عقبة.
ومن الواضح أن المفاوضين الذين صاغوا معاهدة السلام قد تنبهوا مبكرا لإمكانية حدوث تطور فى نوعيات السلاح وأساليب المواجهات، فنصت معاهدة السلام على إمكانية إعادة النظر فى ترتيبات الأمن التى تم الاتفاق عليها، وذلك بناء على طلب أى من الطرفين، وتعديل هذه الترتيبات بالاتفاق بينهما.

إذن فإمكانية تعديل ترتيبات الأمن بالمنطقة (ج) لمواجهه التطورات منذ توقيع المعاهدة قائمة بنص المعاهدة. وأعتقد أن الوقت قد حان لكى تطلب مصر إعادة النظر فى هذه الترتيبات وبشكل خاص ما يتعلق منها بالمنطقة (ج) وذلك لمختلف الاعتبارات التى سبق ان أشرت إليها، والإصرار على نشر قوات حرس حدود بأعداد مناسبة وبتجهيزات متطورة فى هذه المنطقة.

●●●

فإذا كانت إسرائيل تتباكى اليوم على أوضاع الأمن فى سيناء وفقا لما تدعيه، فيفترض أن تتجاوب تماما مع مطلب إعادة النظر فى ترتيبات الأمن الخاصة بالمنطقة (ج)، كى تصل إلى المستوى الذى يحقق الحد الأقصى للأمن لكلا الجانبين، وفقا لمنطوق معاهدة السلام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved