دموع أيمن نور

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

بحكم معرفتى القديمة بأيمن نور، لم أستطع أن أمنع نفسى من الابتسام، وأنا أشاهده يحكى لمذيع يمتلك قدرا هائلا من اللزوجة وثقل الدم على إحدى القنوات الإخوانية فى الخارج، قصة دموعه التى خانته خلال آخر لقاء جمعه مع الرئيس الأسبق محمد مرسى فى قصر الاتحادية، وكيف أن المعزول اهتز نفسيا بشدة وهو يبوح لأيمن بشكواه من أن أحدا لا يساعده فى بناء النهضة فى مصر، وأن أجهزة الدولة العميقة تتحالف ضده، وهو ما جعل أيمن يكاد يجهش بالبكاء وهو يحتضن مرسى، تعاطفا معه ومع أحلامه الوطنية المجهضة !

العارفون ببواطن وأسرار شخصية أيمن، وخفايا دماغه وما يجرى فيها من حسابات، يعرفون جيدا أنه لا يمتلك مثل هذه العواطف الجياشة، بل إن عينيه خلف نظارته السميكة تكاد تكون بلا دموع، والأكثر من ذلك هم يدركون جيدا أن أيمن نفسه يدرك جيدا ــ وربما أكثر منهم هم شخصيا ــ أن تحالفه مع الإخوان يهدد بحرق آخر أوراق شعبيته التى فقدها واحدة وراء الأخرى خلال السنوات الأخيرة، وأنه يهدم آخر طوبة فى مستقبله السياسى داخل مصر، وأنه بهذ الخطوة يضع نفسه فى ورطة جديدة، قد تطيح به للأبد من ذاكرة المصريين ورهاناتهم عليه، فى أى انتخابات قد تسمح له ظروف مفاجئة أن يشارك فيها.

أيمن نور يعرف جيدا أن سكته بعد ثورة يناير أصبحت مغلقة، وأن مفاتيح اللعب السياسى أيام حكم مبارك تغيرت تماما، وهو الذى كان خبيرا فى فك شفراتها واللعب على تناقضاتها، كما أنه يعى جيدا أن السلطة الآن ــ حتى وإن كانت تطبق نفس برامج مبارك الاقتصادية والاجتماعية ــ فإنها لا تستطيع أن تحكم بنفس آليات نظامه، بعد أن حطمتها ثورة يناير، وكشفت عن عدم صلاحيتها للٍاستهلاك الآدمى، ولكن لأنه لا يمتلك روح الثورى الحقيقى الذى يستطيع أن يناضل فى وجه اليد الخشنة التى تبنى بها السلطة الجديدة فى مصر نموذجها السياسى، فلم يجد أمامه أى بديل سوى السفر للخارج، ليلعب دور المعارض المضطهد أمام المؤسسات الغربية الرافضة لاستبعاد الإخوان، والمقامرة على أمل كاذب بتحقيق المصالحة بينهم وبين حكومة الرئيس السيسى، وساعتها ربما يجد له دورا يمكن أن يحقق من خلاله طموحه السياسى.

صحيح أن أيمن لم يعد ــ كما كان – رقما مهما أو مؤثرا على الساحة السياسية فى مصر، وصحيح أن حزبه «غد الثورة» ليس أكثر من مقهى سياسى بلا زبائن كغالبية أحزابنا، وصحيح أيضا أن أيمن نور «مش بتاع ثورات لكنه أستاذ مناورات»، لكنه ــ رغم كل ذلك – كانت بدايته مبشرة كمشروع كادر سياسى متميز حينما كان عضوا فى حزب الوفد، فقد كان يمتلك رغم سنه الصغيرة آنذاك قدرات سياسية أهلته مع أشياء أخرى مساعدة، ليشغل مناصب قيادية كبيرة فى الحزب وفى جريدته، كما أنه كان ــ ولا يزال ــ يمتلك كاريزما وحضورا من نوع خاص، وصلت لحدها الأعلى بتحقيقه المركز الثانى أمام حسنى مبارك فى الانتخابات الرئاسية 2005، متفوقا على د. نعمان جمعة رئيس حزب الوفد آنذاك، فى مفاجأة لم يتوقعها أحد حينها..

سيرة أيمن نور السياسية مليئة بالنجاحات والاخفاقات، والانتصارات المدوية والهزائم المريرة، لكن يبقى منها أن أيمن نفسه قدم لنا مثالا واضحا لإهدار نظمنا الحاكمة المتعاقبة لقدرات وامكانيات سياسية هائلة يمتلكها المصريون، ذهبت كلها سدى فى ظل هيمنة مؤسسات غير ديمقراطية، كان يمكنها أن تجعل حياتنا أقل عنفا وقبحا وظلما، بل وسوقية أيضا.. كما كان يمكنها أن توفر لنا إمكانيات أكبر لإجراء الانتخابات البرلمانية الحائرة، بدون تأخير عن موعدها الدستورى وبدون خوف من نواب مشاغبين لا يستحقون مناصبهم !

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved