عصا الحكومة النخرة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

لا أميل إلى رؤية الحياة العامة من خلف نظارات سود، ودائما أبحث عن العدسات الشفافة التى ترى الألوان الزاهية بقدر الإمكان، كما أننى لا أريد أن أفسد شعار «مصر بتفرح» ابتهاجا بقرب افتتاح قناة السويس الجديدة، غير أن فاجعة غرق عشرات الفقراء فى قارب الوراق لا يمكن تجاهلها، والقفز على الأحزان بسهولة، والمرور على الكارثة وكأن لا جديد على أرض وادى النيل.

انتظرت الحكومة ثلاثة أيام بعد وقوع الفاجعة، لحين عودة المهندس إبراهيم محلب من إيطاليا كى تبدأ فى اتخاذ عدد من الإجرات ذرا للرماد فى العيون، فاستبعدت رئيس هيئة النقل النهرى ورئيس شرطة المسطحات المائية عن عملهما لـ«حين الانتهاء من التحقيقات»، والإعلان عن تعويض أهالى الغرقى والمصابين بحفنة من أموال دافعى الضرائب، وليس من جيب المهملين والمتسببين الحقيقيين فى الكارثة.

يتقاضى موظفو الحكومة رواتبهم وحوافزهم من جيوب دافعى الضرائب، ويتسبب إهمالهم وفسادهم فى وقوع قتلى وجرحى، فتسارع الحكومة بتطييب الخواطر وتضميد الجراح من أموال دافعى الضرائب الفقراء أيضا، وتضحك الحكومة فى «عبها»، ظنا منها أنها قد أفلتت من فعلتها، وخيرا ما جاء على لسان أهالى الضحايا ردا على التعويضات المالية عندما قالوا للحكومة «تعويضك بليه واشربى ميته».

وعلى ما يبدو أدركت الحكومة مقدار الغضب الشعبى من الإهمال الفادح فى حادث الوراق، الذى تنصل الجميع من تحمل مسئوليته، فأصدر مجلس الوزراء فى اليوم الرابع من وقوع الكارثة، ما اسمته الصحف مجموعة من القرارات المتشددة، لوقف حوادث النقل النهرى وبينها «إيقاف حركة الملاحة بالقاهرة الكبرى للصنادل النهرية ليلا، لمدة شهرين، ومنع المكبرات الصوتية من مراكب النزهة ونقل الركاب».

القرارات جاءت إثر اجتماع موسع لرئيس الحكومة مع جميع المسئولين المعنيين بقطاع النقل النهرى بحضور وزراء التنمية المحلية، البيئة، النقل، الداخلية، مدير إدارة النقل بالقوات المسلحة، مساعد وزير الداخلية للمسطحات المائية، حيث شدد محلب على «ضرورة تحقيق السيطرة والانضباط فى نهر النيل، قائلا: علينا تحويل الحالة المؤلمة التى عاشها المصريون فى حادث الوراق إلى قصة نجاح وانضباط»، حسب بيان مجلس الوزراء.

السؤال: لماذا انتظرت الحكومة كل هذه الأيام لتأخذ قراراتها؟ ألم يكن هناك من يقوم بدور رئيس الوزراء وقت تواجده بالخارج، فى إدارة الأزمة؟ بل ألم يكن بمقدور محلب نفسه فى عصر ثورة الاتصالات أن يتخذ القرار من أى مكان كان؟ هل لا نزال نعتمد على الموظف صاحب الأكمام السوداء لمهر أوراق الحكومة وقراراتها بخاتم النسر؟!

هل كانت الحكومة فى حاجة إلى مقتل واصابة العشرات فى حادث الوراق لتلتفت إلى اهتراء منظومة النقل النهرى؟! ألم تحذر وسائل الإعلام المختلفة عقب غرق صندل الفوسفات فى نيل قنا إبريل الماضى، من ثقوب منظومة النقل النهرى؟! ألم تستدع الصحف من الأرشيف عشرات الحوادث، ودقت أجراس الخطر من الموت السابح على متن المعديات الخربة، وقرب المراسى غير الشرعية؟!

إلى متى سيبقى تحركنا بعد فوات الأوان، ومتى يتغير سلوكنا من رد الفعل إلى الفعل؟ هل سنظل نترحم على الموتى ونكتفى بالبكاء على الأحياء؟!

كارثة الوراق ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، إذا بقيت الحكومة تستند على عصا نخرة دبت فيها الأرضة، ولم تستعن بأخرى فولاذية تجبر الجميع على احترام قراراتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved