أين العروبة وأين الإسلام؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 28 يوليه 2016 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

لنسأل قادة أمة العرب وأمم الإسلام: هل سمحت لهم مشاغلهم بأن يشاهدوا أطفال الملايين من المهاجرين العرب والمسلمين الهائمين على وجوههم فى كل أصقاع الدنيا، أن يشاهدوهم وهم يتسوَلون فى شوارع المدن بذلة وانكسار وانحناء نحو أرجل المارة؟ هل سمحت مشاغلهم أن يروا بنات ونساء أولئك المهاجرين وهن يتوسلن المارة إعطاءهن قليلا من الطعام أو بضع قروش لشراء حليب للأطفال الرضع ويتعرضن للتحرش الجنسى وغواية البغاء؟ هل سمحت مشاغلهم أن يروا على شاشات تلفزيونات بلادهم، بعد أن تفرغ من قصائد المدح والشكر على النعم، دموع ولطم شيوخ وعجائز وأطفال المنكوبين فى صحراء نقب فلسطين المحتلة وبين خرائب المدن المدمرة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان والصومال والسودان؟

لا يعتقد الشعب العربى المنهك المنكوب المضيع المشتت الذهن أن لدى القادة الوقت، إلا من رحم ربى، للانشغال بتلك التفاهات، إذ لديهم ما هو أهم وأجدى. لديهم إدارة معركة الإسلام الكبرى، التى تبز فى أهميتها وخطورتها معركتى بدر وأحد، بين مذاهب السنة والشيعة الاثنى عشرية، بين الوهابية والصفوية، بين الزيدية والشافعية، بين الحركات الإسلامية السياسية السلفية والحركات الوسطية الحداثية، إلخ.. من انقسامات وصراعات أمنية وسياسية تحت رايات دينية طائفية ما أنزل الله بها من سلطان.

يسأل الناس: أين رسالة الله العلى القدير التى تحدثت عن أمة الوسط وإخوة المؤمنين وتراحمهم فيما بينهم؟ أين الأخلاق والحكمة المحمدية؟ أين الحق والعدل والقسط والميزان والإحسان والتساوى فى الخلق وعدم الفحش فى القول؟ أين تقوى الله؟ وبمعنى آخر أين الإسلام فيما بين دول الإسلام وسلطات المسلمين؟ هل حقا ان هناك فى عالم المسلمين اسلام محمد وقرآن رسالة السماء؟

الجواب القاطع الذى يجب أن يتحمل مسئوليته الكاملة قادة العرب والمسلمين هو النفى المخزى الموجع للقلب، هو: كلا. وهم يتحملون هذه المسئولية أمام شعوبهم وأمام رب العالمين.

قد يكون هذا الحكم قاسيا وموجعا، لكنه يعبر بصورة صادقة وصريحة عن مشاعر الخوف والهلع واليأس التى تنتشر بسرعة مذهلة بين مواطنى اقطار وطن العرب ودول عالم الإسلام. وهى مشاعر إما ستلهب الأوطان والشعوب وتحرق الأخضر واليابس وإما أنها ستؤدى إلى حالة من اللامبالاة وفقدان الثقة فى جدوى أى عمل أو نضال سياسى فى أرض العرب البائسة.

***
وإذا كان بعض القادة يعتقدون بأن الخروج من مأزقى وهن رابطة العروبة القومية الجامعة ووهن رابطة الإسلام هو عقد تحالف مع الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة أو التحاور مع المؤسسات الصهيونية الدولية والاستعانة بنفوذها لهزيمة هذا النظام العربى أو ذاك النظام الإسلامى، فليتأكدوا أن الصهاينة سيستعملون مالهم وأوطانهم لأهداف صهيونية استعمارية استيطانية معروفة وثابتة فى كتبهم ومقررات مؤتمراتهم، ثم بعد ذلك سيرمونهم فى مزابل التاريخ أو فى جحيم الفوضى.

وينطبق الأمر على كل محاولات الاستعانة بأمريكا أو أوروبا أو روسيا أو غيرهم.

إن الوجود العربى، الذى يمتد إلى أعمق أعماق التاريخ، هو فى خطر كبير، ويحتاج إلى تغييرات كبرى قبل أن يخرج العرب من ركب حضارة العالم ويصبحوا على هامش الركب الإنسانى. وإن الإسلام هو فى محنة، بعد أن أدخله الجهاد التكفيرى المجنون العبثى فى ورطة التصادم مع العالم كله.
فإذا كان كل ذلك لا يحرك فى ضمائر وعقول مسئولى العرب والمسلمين استعمال إخوة العروبة والتزاماتها التضامنية، إن لم تكن الوحدوية، ولا استعمال واجبات وإملاءات الدين الإسلامى، فإنه لا يحق للمسئولين أن يجلسوا فى حجرة قيادة سفينة تغرق دون الاستعانة والإشراك للآخرين الذين سيغرقون معهم.
إذا كانت كل المؤسسات والروابط والأحزاب وغيرها، والتى تدعى بأنها تعمل لتقوية الروابط القومية العربية وتفعيل العمل الإسلامى المشترك، إذا كانت لا تستطيع أن تستجيب لمتطلبات ومسئوليات مرحلة تاريخية خطرة ومعقدة، كتلك التى نعيشها الآن، فلتتنح أو حتى تختفى لتحل محلها مؤسسات وروابط وأحزاب وأنظمة قادرة على أن تقوم بمسئوليات هذه المرحلة من خلال تفعيل رابطتى العروبة والدين الإسلامى بشكل ديناميكى عاقل وجاد إلى أبعد الحدود.
أيها القادة والمسئولون رفقا بأنفسكم وبنا قبل فوات الأوان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved