مكتبة الإسكندرية وقيادة جديدة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 28 يوليه 2017 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

تعتبر مكتبة الإسكندرية واحدة من العلامات التى شكلت فى الماضى وتشكل فى الحاضر والمستقبل وجه مصر الحضارى، فلقد تأسست مكتبة الإسكندرية فى القرن الأول الميلادى وبدأت قوية وعفية كمدرسة فلسفة ولاهوت (فقه دينى)، كان الدارسون يأتون إليها من عواصم العالم القديم والتى من أهمها فى ذلك الوقت روما وأثينا، وقد لمعت فيها حينئذ أسماء عظيمة عبرت التاريخ مثل إكليمندس السكندرى والعلامة أوريجانوس وأغسطينوس وغيرهم الكثير، فى البدايات كانوا يختارون بابا الكنيسة من أساتذة مدرسة الإسكندرية وكان لا يشترط فى ذلك الوقت أن يكون البابا راهبا بل سواء كان راهبا أو متزوجا عليه أن يكون ذا ثقافة لاهوتية عالية وفلسفة متميزة، وكانت المدرسة والمكتبة منبرا ضخما ومتسعا لطرح جميع الأفكار اليهودية والوثنية والمسيحية واستمر هذا الجو الأكاديمى الحر حتى القرن الثالث الميلادى حيث ازداد نفوذ المؤسسة الكنسية وبدأت تنتقد آراء فلاسفة مدرسة الإسكندرية خاصة الذين ينتقدون عقائدها وقد تصدت المدرسة متمسكة بآراء أساتذتها، ومن الأحداث التاريخية التى وضح منها انتشار التيار الأصولى الدينى فى ذلك الوقت ضد المكتبة والمدرسة مراجعة كتب المعلم الأول والذى كان يطلق عليه العلامة أوريجانوس وأحرقوها فى ميدان عام، كذلك كانت واقعة اغتيال أستاذة الفلسفة هيباتشيا والتى كانت تعارض الفكر اللاهوتى المسيحى فبعد عظة نارية فى كاتدرائية الإسكندرية خرج العوام من الكنيسة واختطفوها من المدرسة وهى تلقى محاضرة، وسحلوها على شاطئ الإسكندرية حتى الموت، كذلك تم تهجير اليهود من الإسكندرية وتحطيم المعابد الوثنية، ومع ذلك استمرت المدرسة منارة للعلم حتى تم إحراقها فى القرن الخامس أو السادس الميلادى، قال البعض إنها احترقت أثناء معركة أكتيوم من خلال الاسطول الرومانى بطريق الخطأ وقال البعض الآخر إن عمرو بن العاص أحرقها بقرار من عمر بن الخطاب بعد دخول الإسلام إلى مصر.
***
مرت ألف وخمسمائة عام تقريبا على إحراق المكتبة، وكان أستاذا للتاريخ من الأساتذة العظام تستطيع أن ترى بحر الإسكندرية من منزله يدعى مصطفى العبادى، كان رجلا حالما يريد أن يعيد مجد مكتبة الإسكندرية لتكون بمثابة منارة علمية لها ولمصر بل وللعالم كله، التقيت به أكثر من مرة وكانت سعادته لا توصف أن تحقق حلمه و حكى كيف تعب كثيرا لكنه لم ييأس حتى خرج حلمه للنور أما الشخصية الفذة الثانية التى أعطت لهذا الحلم أن يتحقق ويكون عالميا فهو د. إسماعيل سراج الدين وهو عالم فى تخصصه وشخصية عالمية معروفة على المستويات العلمية العالمية.كانت رئاسته للمكتبة وإدارته لها بأحدث طرق الإدارة أمرا مذهلا حقا، لقد طبق أحدث طرق الإدارة العالمية وصارت المكتبة فى سنوات تعتبر قليلة منذ تأسيسها فى مطلع القرن الحادى والعشرين إلى عام2017 وهوالوقت الذى قضاه إسماعيل رئيسا ومديرا مفخرة لا لمصر فقط بل للعالم العربى ولكل المؤسسات العلمية العالمية فقد كان لاختيار الموقع فلسفته؛ فقد اختير يطل على الميناء الشرقى التاريخى للإسكندرية وهو نفس موقع مكتبة الإسكندرية القديم وقصر البطالمة الملكى. وقد وصل د. إسماعيل بمكتبة الإسكندرية بأن أصبحت مرفقا عالميا للفكر والتاريخ والثقافة بشكل عام، لم يكن إسماعيل سراج الدين قريبا من المثقفين والعلماء المصريين حيث عاش معظم حياته فى الخارج. من هنا جاء دور العملاق الثالث د. عادل أبو زهرة والذى اقترح فى السنوات الأولى المبكرة أن تقوم المكتبة بدعوة صفوة مثقفى مصر مرة أو مرتين فى العام لكى يروا ويسمعوا ويقيموا ما تحقق وكذلك يصغون ويناقشون الخطط المستقبلية لها، ثم بدأت فكرة اللجان حيث تم تقسيم مجموعة المثقفين إلى لجان متخصصة مثل لجنة الإعلام ولجنة القانونيين ولجنة العلماء ولجنة الفلسفة والدين وكنت عضوا فى اللجنة الأخيرة، درسنا وقدمنا وناقشنا أبحاثا تخص الفلسفة والدين واستمتعنا بالتفاعل مع باقى أعضاء اللجان.
فى عام 2010 أصدرت المكتبة مجلة ربع سنوية «ذاكرة مصر المعاصرة» ولقد كان الفاعل الأصيل لها وصاحب فكرتها رجل رابع انضم إلى الثلاثة العظام وهو د. خالد عزب وهكذا سارت المكتبة من نجاح إلى نجاح وإن كانت تعرضت بعد ثورة 25 يناير إلى هزة ضخمة داخلية، لكن بسبب حكمة وفطنة القائمين عليها وعدالة القضاء المصرى عبرت السفينة فى قلب العاصفة واستقرت على شاطئ الإسكندرية بسلام دون خسائر. جاء الوقت لينهى د. إسماعيل دوره التاريخى العظيم مع المكتبة وتطلع كل من له علاقه مباشرة أو غير مباشرة بالمكتبة قلقا إلى ما الذى يمكن أن يفعله مجلس الأمناء؟ وكيف سيختار المجلس من يقوم بهذا العمل العظيم ويستطيع أن يعوض المكتبة عن قامة نظير إسماعيل سراج الدين؟

***
تم اختيار مجلس الأمناء للدكتور مصطفى الفقى مديرا للمكتبة وجاءت الدعوة منه لمثقفى مصر الذين لهم علاقة بالمكتبة لجلسة تقييم ووضع أمانينا و طموحاتنا فى تصور لمستقبل المكتبة، استقبلنا د. مصطفى الفقى ونائبة المدير وكذلك د. خالد عزب والأستاذ سامح فوزى الصحفى المعروف والمسئول الإعلامى فى المكتبة وقد قاد الجلسة د. مصطفى بابتسامته العريضة ومن خلال جلستين طويلتين تحدث المثقفون كما يحلو لهم وكانت قيادة د. مصطفى الفقى مرحة كعادته وله تعليقات على كل فرد سواء كان التعليق شخصيا أو عاما فهو يعرفهم واحدا واحدا وله علاقات وثيقة بمعظمهم بالطبع كان هناك بعض المثقفين الذين يميلون للسياسة أرادوا أن تلعب المكتبة بكل عظمتها وثقلها دورا سياسيا أى أن تقول رأيها فيما يحدث فى البلاد سواء كان سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا، وبالطبع كان الرد حاسما أنه ليس من طبيعة المكتبات بشكل عام أن يكون لها دور سياسى، اقترح البعض أن تصل المكتبة إلى المحافظات والمراكز والقرى والنجوع وبالطبع أيضا ليس هذا هو عمل المكتبة، لكن قيل يمكن أن يحدث ذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعى واتفق الجميع على أن دور المكتبة هو دور معرفى من الدرجة الأولى طبقا لطبيعتها أى أن تكون مصدرا لا ينضب للمعرفة، وكانت هناك عدة اقتراحات منها تكوين مكتبات متخصصة وأرشيف للإنترنت ومتاحف ومخطوطات وتطبيقات للعلوم والتكنولوجيا، ومراكز طبية، وغير ذلك من الاقتراحات ولقد كان من المثير للدهشة والضحك فى نفس الوقت إجابة د. مصطفى الفقى والتى رددها أكثر من مرة: كل هذه الاقتراحات سبق ونفذت وهى موجودة فى المكتبة بما فيها مركز د. مجدى يعقوب وكذلك نظام التفاعل الافتراضى الذى يسمح للباحثين بتحويل البيانات ثنائية الأبعاد إلى نماذج محاكاة ثلاثية الأبعاد ويمكن الدخول فيها.. إلخ.

***

اتفقنا تقريبا أن المكتبة نموذج للإدارة الحديثة، ومن المطلوب تحديد منهجها الثقافى حاليا وهو أن تكون ثقافية غير متعالية رغما عن أنه يجب أن يكون المستوى الثقافى للمكتبة أعلى من أى مصدر آخر فى مصر والعالم العربى وبالطبع هناك فارق فى اللغة بين العالى والمتعالى. لكن الانطباع الذى خرج به معظم المدعوين هو أن د. إسماعيل سراج الدين وضع المكتبة على الخريطة العالمية لأن علاقاته وجوائزه ونجاحاته كانت عالمية غربية وأن وجود د. مصطفى الفقى على رأس فريق العمل بالمكتبة سوف يضع المكتبة على الخريطة العربية والآسيوية بعلاقاته المتعددة والمتنوعة بالبلاد العربية وبالداخل المصرى فإسماعيل كادر علمى لغوى عالمى ومصطفى كادر سياسى فكرى أدبى واختلاف السياق فى الشخصيتين إثراء للمكتبة ولجهدها وهى فروق شخصية تصب دائما فى صالح المشروع. كان معنا الإعلامى المعروف مفيد فوزى وقد أثارته إجابة د. مصطفى على كل اقتراح أنه بالفعل موجود بالمكتبة من قبل وليس فكرة جديدة فكتب ورقة وقدمها للمنصة وقرأها الفقى: «إذا كان كل اقتراح يقال هو متحقق وموجود بالفعل إذن ما هى الفائدة من اجتماعنا أو وجودنا» وكانت إجابة د. الفقى: هذه حقيقة. معظم الاقتراحات نفذت من قبل لكننا نحن نكمل المشوار معا ونطور الموجود. ونظرنا حولنا لم نجد مفيد فوزى. اختفى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved