ما يحمله تواجد الصين فى جيبوتى من تهديدات وفرص

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يوليه 2020 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد بروكينجز تقريرا للكاتب Zach Vertin ضمن مبادرة لتقييم دور الصين المتصاعد فى العالم.. تناول التقرير خوف الولايات المتحدة من تزايد الوجود الصينى فى منطقة البحر الأحمر وما يمثله من تهديدات لمصالحها فى المنطقة، إلا أن الكاتب يرى أن هناك فرصا على الولايات المتحدة اغتنامها لمواجهة الصين... نعرض منه ما يلى.
جذب تنامى الحضور الصينى اهتماما غير مسبوق بالدول الساحلية الإفريقية غير المعروفة وأدخلها النقاش الجارى حول أهداف الصين التوسعية فى العالم. فى 2017، افتتح جيش التحرير الشعبى الصينى أولى قواعده العسكرية هناك، عند مصب البحر الأحمر، مخالفا سياسة الصين الراسخة ضد تمركز قواتها فى الخارج. لا تقع قاعدة الصين العسكرية فقط على واحد من الممرات الاستراتيجية الرئيسية وأكثر ممرات الشحن البحرى ازدحاما، بل أيضا يبعد ستة أميال فقط عن قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية.
هذه الخطوة أثارت جدلا حول تغير العقيدة العسكرية الصينية، وجذبت اهتماما جديدا بالاستثمارات الاقتصادية الصينية فى منطقة البحر الأحمر التى سبقت القاعدة العسكرية بأكثر من عقد. أثار الخليط بين توسع الصين الاستراتيجى والاقتصادى قلقا فى دوائر الأمن القومى بالولايات المتحدة وسلط الضوء على البحر الأحمر كمسرح محتمل لتنافس القوى الكبرى.
القروض الصينية وعقود البناء والاستثمارات فى البنية التحتية فى منطقة القرن الإفريقى أو منطقة البحر الأحمر على نطاق أوسع ــ التى أصبحت الآن أكثر اندماجا فى مبادرة الحزام والطريق ــ تجاوزوا بكثير ما تقدمه الولايات المتحدة. هذه الفجوة نتجت عن الاختلاف فى نهج البلدين؛ فالولايات المتحدة تنظر إلى جيبوتى ومنطقة القرن الإفريقى من منظور أمنى، بينما تنظر إليها الصين من منظور تنموى، أيا كان المستفيد من تلك التنمية فى الأخير.
تعتقد النخبة فى جيبوتى أن التمويل والتكنولوجيا والتجارة الصينية لن تجعل من جيبوتى «سنغافورة إفريقيا» فقط، ولكن أيضا تسريع النمو والتكامل فى منطقة متخلفة إلى حد كبير.. وهى الرواية التى ترددها بكين. ولكن هناك من يشكك فى هذه الرواية ويرى أن جيبوتى وجيرانها سيصبحون منافذ للتخلص من الإنتاج المحلى الصينى الزائد، إلى جانب الخوف من أن جيبوتى، مثل غيرها من متلقين المساعدات الصينية السخية، ستقع فى فخ الديون وتجبر على تقديم تنازلات من شأنها تهديد مصالح الولايات المتحدة الحيوية فى المنطقة.
***
ساعدت شراكات الصين الاقتصادية المتزايدة عبر منطقة البحر الأحمر، ومبادرة الحزام والطريق، الرئيس الصينى شى جين بينغ على تخفيف الضغط الاقتصادى فى الداخل وسط تباطؤ نمو الناتج المحلى الإجمالى. لكنها سمحت أيضا لبكين بالتأثير السياسى وخلق تواجد عسكرى يعزز من مصالحها الجيوسياسية... والقاعدة العسكرية الصينية فى جيبوتى من المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.
تفرض القاعدة البحرية لجيش التحرير الشعبى فى جيبوتى للقوات الأمريكية بعض التحديات مثل مواجهة محاولات التجسس، ولكن يجب اغتنام ما بها من فرص ــ لمراقبة جيش التحرير الشعبى ومراقبة العلاقة بين التجارة والدبلوماسية والجيش فى الصين ومعرفة تحركات بيكين التالية فى المنطقة ولتحديد شكل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين فى المستقبل.
فمواجهة الوجود الصينى المتزايد وتحقيق المصالح الأمريكية يتطلب النظر خارج عدسة الأمن وتبنى نهجا متعدد الأوجه يحدد المزايا الموجودة ويستفيد منها بما فى ذلك تعزيز الشراكات القائمة فى المنطقة، والعمل بشكل متعدد الأطراف، والحفاظ على تفوق الولايات المتحدة كشريك أمنى، وتقديم الخبرة التقنية والإنمائية، والبحث عن القطاعات التى يمكن للشركات الأمريكية المساهمة فيها... بمعنى آخر، تصميم حزمة مساعدات تستجيب، ولأول مرة، لمطالب جيبوتى مع دمج المساعدات الاقتصادية والسياسية والأمنية لتحقيق أقصى تأثير.
من الناحية الاقتصادية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تضاهى نوع القروض أو التجارة أو الاستثمارات التجارية التى تضخها بكين فى المنطقة، ولا ينبغى لها أن تدعى أنها تستطيع ذلك... ولكن تستطيع الولايات المتحدة التركيز على الاستثمارات التى تمتلك فيها قيما فريدة، مثل نقل المهارات والتكنولوجيا وتشجيع الدول على تنويع استثماراتها حتى لا تحتل الصين جزءا كبيرا من سوق أى دولة.
وفى ظل جائحة كورونا، يجب على واشنطن التأكيد على دورها القيادى فى حشد الجهات الفاعلة والمؤسسات الدولية لزيادة قدرات القطاع الصحى وتسهيل المساعدات الطارئة أو تخفيف عبء الديون فى الدول التى تضررت بالفعل. إن مثل هذا الجهد يصب فى مصلحة الولايات المتحدة ويمكن أن يتصدى لروايات الانسحاب الأمريكى.
من الناحية السياسية، يجب على واشنطن أن تحذر من المبالغة فى الحديث عن «تنافس القوى العظمى» فى أماكن مثل جيبوتى. من المنطقى تحويل المزيد من الموارد الأمريكية تجاه الصين، ولكن على الولايات المتحدة الاهتمام بصياغة رسالتها. مثل العديد من دول المنطقة، لا تريد جيبوتى الوقوع فى حرب باردة جديدة. لذلك سيكون من الخطأ التركيز فقط على التهديد الصينى أو إعطاء انطباع أن التركيز الأمريكى على منطقة البحر الأحمر وجيبوتى هو فقط من أجل منافسة الصين.
يجب أيضًا العمل مع الحلفاء ذوى التفكير المماثل والمهتمين بالمنطقة لتعزيز المصالح المشتركة. قد يكون تعدد الأطراف الأداة الأكثر فعالية للولايات المتحدة. يمكن لفرنسا والشركاء الأوروبيين الآخرين المساعدة فى تقاسم العبء، وكذلك الهند واليابان وكلاهما مهتمان بتعاظم النفوذ الصينى. وقد أسفر هذا التنسيق المتعدد الأطراف بالفعل عن مكاسب ملموسة، ولكن لم يستمر هذا الالتزام. ولذلك تكون الحاجة ليس فقط إلى الدعم الأمريكى لمثل هذه الآليات، ولكن أيضا لقيادتها.
فى الوقت نفسه، فى الداخل الأمريكى، فى أحيان كثيرة يظهر ضعف وزراتى الخارجية والدفاع بسبب التضارب بين عمل المكاتب الإقليمية والأوامر التى يتلقوها والتى لا تعكس واقع العالم المتغير الآن. وبالتالى يجب تمكين المسئولين عن إفريقيا والشرق الأوسط والصين وتحفيزهم على العمل وتجاوز الحواجز المؤسسية.
الصين تستخدم أرضية جيبوتى كاختبار.. ولذلك بدلا من المقاومة يجب على الولايات المتحدة البحث عن الفرص لتشكيل هذا الفضاء الذى تتوسع فيه الصين وبالتالى شكل العلاقة بين القوتين العظمتين فى المستقبل.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://brook.gs/3g28wu5

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved