التقييم قبل المزيد من التعليم الإلكترونى

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الأربعاء 28 يوليه 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

من البديهيات أن التعليم هو أساس نهضة الأمم، وأن الفارق الأساسى بين الدول المتقدمة والمتخلفة هو التعليم، فمن خلال نهضة التعليم يستطيع الاقتصاد أن يتحول من اقتصاد بدائى إلى اقتصاد متنوع ومتقدم، كذلك هناك شكوى عامة من تدهور مستوى التعليم فى مصر، مما جعل الدولة تضع السياسات لتطوير التعليم سواء الأساسى أو العالى.
ويلاحظ أن التغييرات فى السياسات مرتبطة بتوجيهات رئيس الجمهورية، وفى ذلك دفعة قوية وسريعة للتطوير، ولكن التطبيق يتم دون دراسة كافية وتقييم لما تم تنفيذه لتلافى ما يظهر من مشاكل وتقويم السياسات المتبعة.
وإذا تناولنا محاولات تطوير التعليم الجامعى من خلال تحسين العملية التعليمية، فسنجد ثلاثة إجراءات قد اتخذتها الجامعات وهى:
أولا: تغيير نمط أسئلة الامتحانات إلى أسئلة تستخدم علامات الصواب والخطأ فى تحديد الإجابات مما يستبدل التصحيح من خلال الأفراد إلى التصحيح الإلكترونى، ورغم مرور سنوات على هذا التحول فلا يوجد تقييم واضح لنتائج هذا التحول، وهل أدى ذلك إلى تحسن مستوى تعليم الطلبة أم العكس، وهل أدى ذلك إلى عدالة التقييم أم ساعد على سهولة الغش مما لا يعطى معيارا سليما لتقييم الطلبة، كما أدى هذا النظام إلى عدم قدرة الطلبة على صياغة فكرة معينة فكل ما يحتاجونه هو اختيار علامة دون كتابة تعليل أو عرض رأى، فهل هذا فى صالح التكوين المعرفى للطلبة؟ ويحتاج هذا النظام إلى توافر ما يسمى ببنوك الأسئلة حيث يجد الطالب والطالبة نماذج لأسئلة تغطى المنهج، فهل ساعد ذلك على التحول من الحفظ والتلقين إلى الفهم والاستنتاج أم المزيد من الحفظ؟ كذلك ظهرت ظاهرة جديدة وهى أن يطلب أستاذ المادة من الطلبة بعد الامتحان تقييم الامتحان، وبالطبع فمن يفعل ذلك يعرف أنه جاء بامتحان سهل فتنهال على الأستاذ عبارات الشكر والتقدير، أو أن يكون الأستاذ قد قام بتحديد نطاق الأسئلة مما يجعله يحصل على نفس المديح، وهو ما جعل الوضع معكوسا فبدلا من تقييم الأستاذ للطالب أو الطالبة أصبح الطالبة والطالب من يقوم بتقييم الأستاذ وفقا لسهولة الامتحان، وقد يرى البعض أن هذا أمر طبيعى ويحدث فى الجامعات الأجنبية، ولكن متطلبات ذلك لا تتوافر فى حالتنا وهو ما يجعل هناك اتجاه لكسب رضاء الطلبة من خلال تسهيل الامتحانات بحجة أنهم (ناجحين ناجحين) ويساعد على ذلك استمرار العمل بما يسمى درجات الرأفة، وهو ما يوضح ضرورة دراسة وتقييم هذا التغيير، وهل يؤدى إلى تقييم سليم للطلبة أم الاستمرار على نفس ما سبق من تخريج دفعات تتراجع مستويات تعليمها مما يؤدى إلى تراجع الأداء فيما يقومون به من أعمال.
***
ثانيا: التوسع فى التعليم عن بعد: كان من الآثار المباشرة لتفشى فيروس كورونا، أن توقفت الدراسة وكان البديل لذلك التحول إلى التعليم عن بعد والذى تطور إلى التعليم الهجين حيث يحضر الطلبة أياما ويدرسون عن بعد أياما أخرى، وبالطبع فلقد أعلنت كل الجامعات نجاحها فى تطبيق هذا النظام، ولكن الواقع يمتلئ بالكثير من المشاكل، قد يكون أكثرها وضوحا مشاكل شبكات الاتصالات وعدم قدرة الكثير من الطلبة على تكاليف تشغيل هذا النظام، ويحتاج هذا التغيير للتقييم من خلال تحديد مدى استيعاب وفهم الطلبة للمادة العلمية فى التخصصات المختلفة، ومدى جدية الطلبة فى التعامل مع هذا النظام ومن ثم استفادتهم العلمية، أم أن الأمر كما صرح وزير التعليم بأن الوزارة قد أتاحت بنك المعرفة وأن الاستفادة من ذلك هى مسئولية الطالب أو الطالبة، وبالطبع فهذا هو الحال عند طلبة الجامعات كذلك، ومن الأهمية دراسة أثر هذا التعليم عن بعد على تكوين القيم والثقافة وسلوكيات الشباب وكيفية تعاملهم الاجتماعى، فمن المعروف أن الشباب فى هذه المرحلة العمرية يكتسبون القيم والثقافة وعلاقاتهم الاجتماعية من خلال التفاعل والتعامل المباشر فى الجامعة، فهل سيجعل التعليم عن بعد من الشباب أكثر انعزالا عن المجتمع ولا يعرف ولا يتعامل إلا مع الدائرة الضيقة من الأصدقاء ويفقد القدرة على التعامل مع النوعيات المختلفة فى المجتمع، وهل هذه الطريقة فى التعليم والتصحيح أدت إلى تحسن فى نوعية الإلمام المعرفى بالمناهج أم أدى ذلك إلى تراجع اهتمام الطلبة بالمذاكرة اعتمادا على سهولة النجاح من خلال تجميع نقاط النجاح عن طريق العدد الكبير من الأسئلة.
من الممكن أن يكون التعليم عن بعد مفيدا إذا كان فى استطاعة الطالب أن يستمع للمادة العلمية من أكثر من مصدر، حيث يبحث عن من يفهم منه أفضل، ولكن ذلك غير وارد فى نظامنا التعليمى.
***
ثالثا: الكتاب الإلكترونى:
من أحدث الإجراءات فى التحول للتعليم الإلكترونى قرار التحول من الكتاب الورقى إلى الكتاب الإلكترونى لكل السنوات الدراسية وبداية من العام الجامعى 2021 / 2022، وأيضا هذا القرار بناء على توجيه رئيس الجمهورية مما جعل المجلس الأعلى للجامعات يطلب من الجامعات تحديد الإجراءات التنفيذية وليس دراسة إمكانية التنفيذ، وبالطبع فلقد سارعت كل الكليات والجامعات إلى تشكيل اللجان ووضع خطط التنفيذ دون دراسات كافية لمشاكل هذا التحول، وبالطبع تم تكوين اللجان وتحديد المشرفين والنسب التى تحصل عليها هذه اللجان من عائد المبيعات، مما يخلق مزيدا من الإجراءات الروتينية والمنتفعين من هذا النظام.
وإذا كنا جميعا نشكو من أن الأجيال الجديدة لا تقرأ، فإن هذا القرار يؤدى إلى المزيد من ذلك، حيث كان الطلبة يضطرون لقراءة كتبهم الدراسية مما يجعل البعض يتعود على القراءة، ولكن هذا القرار سيجعل وسيلة الثقافة التى سيتعود عليها الشباب هى المواقع الإلكترونية وبالطبع فتوجهات الشباب ستكون غالبيتها فيما لا يخلق وعيا ثقافيا مفيدا.
كذلك إذا كان الطالب أو الطالبة يريد الاستذكار بهذه الوسيلة فهل من الصواب أن يجلس يحملق فى الكومبيوتر لساعات ليدرس ما عليه من مواد، أم سيقوم بطباعة المادة العلمية ليتمكن من مذكراتها وبالتالى نكون قد أضفنا عليه تكاليف طباعة هذه الكتب الإلكترونية مع ما دفعه ثمنا لها، كذلك لم يراعِ هذا القرار أن الكثير من الطلبة لا يملكون «كومبيوتر» مما يؤدى إلى المزيد من الأعباء على الطلبة غير القادرين.
لقد كانت مصر رائدة لعالمها العربى فى توفير الكتب الدراسية لكل التخصصات، ومع هذا النظام ستتقلص طباعة الكتب وتفقد مصر ريادتها فى توفير المراجع العلمية بعد ما كانت الكتب المصرية هى الأساس فى كل المكتبات العربية، كذلك ستضار مئات المطابع التى كانت تعمل فى طباعة هذه الكتب.
ما أطرحه هو أن الإجراءات التى تتخذ لتطوير التعليم الجامعى بالطبع ضرورية، ولكن الخطأ فيها يؤدى إلى المزيد من التدهور ليس على مستوى الخريجين والخريجات فقط بل فى بنية الاقتصاد القومى ككل، لأنك تدفع إلى سوق العمل متخصصين غير أكفاء، بينما العالم يتجه إلى المزيد من التخصص العلمى لإدارة الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولا يمكن بالطبع كلما نفشل فى إدارة مرفق أن نستعين بالشركات الأجنبية.
لذلك لابد من الدراسة العلمية وفتح المجال لمناقشة كل الآراء وليس فرض رأى محدد، وهو ما يتطلب تقييم ما تم من إجراءات لتقويم السياسات قبل المزيد من التعليم الإلكترونى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved