ستبقى الإجابة تونس

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 28 يوليه 2021 - 11:04 م بتوقيت القاهرة

رغم أن الغموض مازال سيد الموقف فى تونس بعد قرارات الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وتوليه رئاسة النيابة العامة فى البلاد ليجمع فى يده السلطتين التشريعية والتنفيذية وشطرا من السلطة القضائية، فإن أغلب المؤشرات تقول إن تونس ستتجاوز هذه الأزمة السياسية دون أن تصبح «زى سوريا والعراق ولا أى دولة غيرهما».
ومدعاة هذا التفاؤل ليس لأن تونس تمتلك مؤسسات سلطة قوية قادرة على فرض سيطرتها على المجتمع، ولكن لأنه تأكد للمرة المائة أنها تمتلك مؤسسات مجتمع مدنى قوية وقادرة على اتخاذ المواقف المستقلة التى تدعم تطلعات الشعب التونسى ورغبته فى الخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة التى يمر بها، دون أن يضحى بمكتسباته الديمقراطية التى حققها بعد ثورة الياسمين فى 2011.
فالنقابات المهنية والاتحاد العام للشغل، الذى هو اتحاد العمال عندنا مع الفارق الكبير طبعا، أصدرت بيانا فى أعقاب إعلان الرئيس سعيد جملة التدابير الاستثنائية، أيدت فيه من حيث المبدأ هذه التدابير، لكنه لم يكن «تفويضا على بياض» ولا تأييدا مطلقا للسلطة الرئاسة انطلاقا من «الثقة فى الرئيس القائد والزعيم الملهم الذى منَّ الله به على تونس الخضراء لتزيد اخضرارا».
أكدت النقابات المهنية ومنها نقابتا الصحفيين والمحامين وجمعية القضاة واتحاد الشغل إلى جانب ــ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى البيان تبنيها للمطالب المشروعة للشعب التونسى والتى عبر عنها خلال تحركاته السلمية، كما تحيى تحركاته الاحتجاجية بعد فشل منظومة الحكم فى إيجاد حلول للازمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى استنزفت المواطن وصادرت القرار الوطنى، فى الوقت نفسه حذرت «من أى تمديد غير مشروع ومبرر فى تعطيل مؤسسات الدولة، وتشدد على ضرورة الالتزام بمدة الشهر المعلنة والمنصوص عليها بالدستور لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية وتجميع السلطات بيد رئيس الجمهورية».
هكذا تحركت قوى المجتمع المدنى الفاعلة فى تونس، لتأييد الإجراءات الاستثنائية التى تراها مبررة ومقبولة فى ظل الظروف التى تمر بها تونس، لكنها لم تنجرف إلى التأييد المطلق لسلطة الأمر الواقع للرئيس قيس سعيد، ولا إلى شيطنة عناصر السلطة المجمدة فى البرلمان والحكومة المنحلة.
هذا الموقف القوى والذى يدرك الجميع فى تونس قدرة هذه المنظمات المدنية على الدفاع عنه، وربما فرضه على مختلف أطراف المعادلة السياسية فى البلاد، انعكس سريعا إلى مكاسب للحراك الديمقراطى فى البلاد، فأصدر الرئيس التونسى ملحقا لبيانه الأول أكد فيه التزامه بفترة الشهر التى يحددها الدستور للإجراءات الاستثنائية بعد أن كان قد غض الطرف عن هذا القيد الدستورى المحدد لفترة الإجراءات الدستورية فى بيانه الأساسى. وحركة النهضة الإخوانية صاحبة الأكثرية فى البرلمان المجمد، تراجعت عن التلويح باللجوء إلى الشارع فى صورة مظاهرات واعتصامات وأصدرت بيانا دعت فيه إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، دون الحديث عن «الشرعية التى دونها الرقاب» ولا عن «الاعتصام حتى عودة المشيشى والغنوشى» رئيسى الحكومة المنحلة والبرلمان المجمد إلى منصبيهما وغير ذلك من الشعارات التى دفعت بسببها مصر ثمنا باهظا من استقرارها ودماء أبنائها بعد أحداث 30 يونيو 2013.
الخلاصة هى أن الإجابة ستظل تونس، التى أكدت مجددا أن وجود منظمات مجتمع مدنى قوى من نقابات مهنية ونقابات عمالية ومنظمات غير حكومية، هى ضمانة قوية لاستقرار وسلام المجتمع، سواء فى مواجهة النزوع الطبيعى من السلطة إلى التغول والاستبداد أو فى مواجهة أى قوى سياسية تسعى إلى فرض إرادتها بقوة العنف وسلاح الفوضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved