الممكن وغير الممكن فى الإصلاحات العراقية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 28 أغسطس 2015 - 3:25 ص بتوقيت القاهرة

صرخات الإصلاح فى العراق تتعالى والشارع يغلى بالمطالب التى لا تعد ولا تحصى بسبب تلكؤ وعجز الحكومات السابقة عن تحقيق أى شىء يذكر، فالخدمات الأساسية متدنية والأمن متدهور والبطالة مرتفعة، بينما الفساد ضارب أطنابه فى كل مرافق الدولة. إلا أن يدى رئيس الوزراء، حيدر العبادى، ليستا مطلقتين كليا فى إجراء الإصلاحات الجذرية التى يمكن أن تظهر نتائجُها بالسرعة التى يرغب بها المحتجون، على رغم التفويض الشعبى الكبير والتأييد السياسى الواسع الذى حظى به حتى الآن.

وعلى رغم أن العبادى أجرى إصلاحاتٍ جريئة، مثل إلغاء مناصب عليا وإلغاء أو دمج ١١ وزارة، وتسريح المستشارين المتعاقدين وتقليص مخصصات المسئولين وامتيازاتهم وملاحقة الموظفين غير العاملين والمدرجة أسماؤهم على قوائم الرواتب، أو ما سمى فى العراق بـ«الفضائيين»، إلا أن هذه الإصلاحات لم ترضِ المحتجين الذين يطالبون بالمزيد، ابتداء من القضاء المبرم على الفساد واستعادة الأموال المسروقة خلال السنوات الماضية وإقالة المسئولين الفاسدين وتحسين الخدمات فى شكل عاجل وتشغيل العاطلين من العمل وإغاثة النازحين وحل مشكلاتهم، وليس انتهاء بتعديل الدستور وتحقيق قدر أعلى من العدالة والمساواة فى توزيع الثروة.

غير أن العبادى ما زال مقيدا، فهو لا يستطيع تشكيل حكومة من دون مصادقة البرلمان عليها، والبرلمان مكون من كتل سياسية أخرى معظمها منافس له. لذلك فهو مضطر لأن يأخذ بنظر الاعتبار آراء هذه الكتل التى ربما تعلن عن استعدادها للتعاون معه لكنها تبقى تطالب بحصصها من الحكومة. وبعد الترحيب الأولى، وربما الاضطرارى، بإصلاحات العبادى، بدأ المتضررون بتجميع قواهم والضغط على العبادى، وقد لاحظنا الاستياء الذى عبر عنه نائب رئيس الجمهورية أياد علاوى من تلك الإصلاحات التى طالت منصبه.

تعديل الدستور مطلب جماهيرى وسياسى، وقد آن الأوان لاتخاذ قرار بذلك وتشكيل لجنة لتعديله. هناك من سيعارض التعديل ولكن الغالبية تطالب بالتعديل ويجب ألا يشكل أى نص دستورى أو قانونى عائقا أمام الإصلاحات.

هناك من يطالب بحل البرلمان وتشكيل حكومة موقتة من التكنوقراط، ولكن هناك مشكلة فى شرعية هذه الحكومة، وليس فى مصلحة العبادى أن يقود حكومة غير شرعية خصوصا أن البرلمان الحالى مستعد للتعاون معه، وقد أقر حزمة الإصلاحات التى اتخذها فى البداية على رغم أنه أضاف إليها فقرات لم تكن ضمن ورقة الإصلاحات المعروضة عليه ما أزعج العبادى لأن بعضها كان موجها ضده أو ضد حلفائه ومؤيديه، خصوصا حرمان العراقيين من حملة الجنسيتين من تولى المناصب الإدارية العليا، فى مخالفة واضحة للدستور الذى ينص على المناصب السيادية فقط.

***

هناك على الأقل خمسة ملايين عراقى يحملون جنسيات أخرى بسبب اضطرارهم لمغادرة العراق بسبب قمع النظام السابق أو نتيجة لضغط العقوبات الدولية المفروضة على العراق إثر احتلاله الكويت. هناك مستاؤون من وجود هؤلاء فى المناصب الحكومية إذ يعتقدون أنهم سيحصلون على فرص أكبر عندما يُحرم متعددو الجنسية من شغل المناصب العليا، متجاهلين الفائدة التى يمكن أن يحصل عليها البلد من عودة الكفاءات المهاجرة، ومخاطرين بممارسة التمييز بين المواطنين على أسس جديدة. فبعد التمييز الطائفى والقومى والمناطقى، يأتى التمييز على أساس الحقوق المكتسبة فى بلدان أخرى والتى لا تنفع أصحابها فحسب بل العراق أيضا.

أما خيار حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة فصعب ــ إن لم نقل مستحيلا ــ لأن العراق غير مهيأ للانتخابات حاليا وأكبر محافظتين، هما الموصل والأنبار، محتلتان الآن من قبل الجماعات الإرهابية ولا يمكن إجراء الانتخابات فيهما، وإجراء الانتخابات دون هاتين المحافظتين سيسبب إحراجا للنظام ككل لأن البرلمان المقبل سيضم عددا أقل من ممثلى العرب السنة، بينما يضم البرلمان الحالى ممثلين عن كل المحافظات العراقية لأن الانتخابات الماضية أجريت قبيل احتلال الموصل والأنبار.

هناك خلط عند عراقيين كثيرين بين الحكومة والبرلمان وهؤلاء يلومون البرلمان على أخطاء الحكومة وقد يعود السبب إلى إشاعة هذه الثقافة من قبل الحكومة السابقة التى كانت ترمى بأخطائها على البرلمان. هناك خطورة فى هذا الخلط لأن الحرية والديمقراطية مما يتمتع به العراق حاليا نتيجة مباشرة لوجود النظام البرلمانى الذى يمكِّن كل مواطن من انتخاب ممثله. إن كان النواب الحاليون لا يمثلون ناخبيهم بحق فإن بإمكان الناخبين التصويت لغيرهم فى الانتخابات المقبلة. لذلك فإن فى مصلحة المحتجين التمسك بالبرلمان والنظام البرلمانى لأنهم مدينون بحريتهم له.

أما مطلب المحتجين بالقضاء على الفساد فهو بالتأكيد من أهم ما يسعى إليه العبادى، على الأقل من أجل توفير الأموال لخزينة الدولة المنهكة حاليا بسبب اضطرار الحكومة للإنفاق على الحرب على الإرهاب التى تشكل أولوية قصوى. إلا أن تحقيق هذا المطلب ليس بالأمر الهين مع استشراء الفساد وقوة شبكاته.

هناك حقيقتان على المحتجين أن يعوهما. الأولى هى أن من المستحيل اجتراح المعجزات خلال فترة قصيرة، فالإصلاحات تحتاج وقتا طويلا كى تثمر، أولا لأن تشخيصها وتشريع قوانين جديدة لمعالجتها يحتاج إلى وقت، وثانيا لأن هناك من يعرقلها لأنها تضر بمصلحته، حتى وإن ادعى أنه معها. والأمر الثانى أن الإصلاحات لا يمكن أن تتحقق إلا عبر النظام القائم حاليا برئاسة حيدر العبادى باعتباره النظام الشرعى الوحيد. الخروج على الشرعية سيضع العراق فى مهب الريح وقد يفقد الشعب حريته وقدرته على التغيير لفترة طويلة عندما يتحكم به أصحاب القوة العسكرية. حتى الآن الجميع متمسك بهذا النظام ورئيس الوزراء المنتخب متجاوب مع المطالب الشعبية ومتحمس لها ويشعر أنها مكنته من تحقيق طموحاته وطموحات باقى العراقيين فى إقامة دولة حديثة يحترمها العراقيون والعالم.

***


أمام قادة الاحتجاجات تحدٍ خطير وهو السيطرة على العواطف الجياشة وتثقيف المحتجين بالتركيز على الممكنات لأن المطالبة بغير الممكن ستقود إلى تبديد الجهود وإضاعة الوقت وربما الفوضى التى لا تخدم أحدا باستثناء الجماعات الإرهابية.



الحياة – لندن
حميد الكفائى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved