الرضا هو الأهم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 28 أغسطس 2016 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

الوزير فى مصر يقال ولا يستقيل. وهو يؤمر بذلك إذا ما ارتكب فعلا فاضحا وليس لاتباعه سياسة فاشلة. هذا ما تعلمناه من خبرة الممارسات الجارية. والفعل الفاضح الذى أعنيه سياسى وليس أخلاقيا، ولأن تلك هى القاعدة فإن الأسباب الحقيقية للإقالة لا تعرف، وغاية ما يعرف منها هو ما ظهر إلى العيان من وقائع. وهو ما يصح فيه القول بأن الوزير يخرج من الوزارة سواء بالإقالة أو من ثنايا التعديل الوزارى، للأسباب التى لا يعرفها الناس وليس تلك التى يعرفونها.

يوم الأربعاء الماضى ٢٤/٨ كان عنوان الصفحة الأولى لجريدة الشروق كالتالى: إسماعيل (رئيس الوزراء) غاضب من نغمة التعديل الوزارى وفى يوم الجمعة ٢٦/٨ كانت استقالة وزير التموين عنوانا رئيسيا لصحف الصباح المصرية. كانت الحجة المعلنة أن تقرير فساد القمح وحكاية إقامته فى أحد الفنادق الكبرى منذ توليه الوزارة أدانا الوزير السياسى وتسببا فى إعفائه من منصبه. التفاصيل التى ذكرتها جريدة «الأهرام» عن الإقالة كانت كالتالى: تلقى رئيس الوزراء توجيها من القيادة العليا (ليس هنا أعلى من رئيس الوزراء فى الوقت الحالى سوى رئيس الجمهورية) بإقالة الوزير وإحداث تغيير وزارى محدود. بعد ذلك دعا رئيس الوزراء وزير التموين لاجتماع ثنائى حيث نقل إليه الرسالة وطلب منه أمرين، أولهما أن يكتب الاستقالة بنفسه (أعطاه مهلة لذلك) ثم أن يقرأها على الملأ فى مؤتمر صحفى. فعلها الرجل وعرض نص الاستقالة المكتوبة على رئيس الوزراء الذى أقرها، فعقد الوزير المؤتمر الصحفى وأعلنها. بعد ذلك اجتمع رئيس الوزراء معه لمدة ساعة، انصرف بعدها الوزير إلى بيته فى الإسكندرية وأسدل الستار على قصته، ليبدأ اللغط حول بدائله والمرشحين للخروج فى التعديل الوزارى المرتقب.

فى تجربة السنوات الثلاث الأخيرة «استقيل» ثلاثة وزراء هم: وزير العدل المستشار محفوظ صابر الذى أثار زوبعة بعدما تورط فى تصريح قال فيه إن ابن عامل النظافة لا يجوز له أن يتقلد منصبا قضائيا. بعده جاء المستشار أحمد الزند الذى تورط فى تصريح آخر بدت فيه الإساءة إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ثم استقال وزير الزراعة صلاح هلال بعد اتهامه بالرشوة وضبط متلبسا بها، فى واقعة مثيرة. أما الإقالة الرابعة فهى تلك التى تمثلت فى حالة وزير التموين الدكتور خالد حنفى.

القاسم المشترك بين الحالات الثلاث المشار إليها يتمثل فى ثلاثة أمور، أولها أن كلا منهم ارتكب واقعة مسيئة إلى الوزير وإلى شكل السلطة بررت عزله. أما الثانى فإن الإقالة تمت بطلب من رئيس الجمهورية. الأمر الثالث أن الإقالة لم يكن لها علاقة بسياسة أى من الوزراء الأربعة.

يؤيد الفكرة التى أدعيها أن الفشل واضح فى سياسات عدة وزراء، لكنهم باقون فى مناصبهم فقصة تسريب الامتحانات فى وزارة التربية والتعليم. وفضيحة الجنيه المصرى أمام الدولار، وفشل وزير الأوقاف وأزمته مع شيخ الأزهر، والغموض الذى يحيط بمصير مفاوضات سد النهضة، وورطات وزير الخارجية التى كان منها نفى وصف قتل الإسرائيليين للأطفال بأنه إرهاب، وصولا إلى الفشل الأمنى الذى كشفت عنه قصة مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، إلى جانب فضيحة انتهاك أجهزة الأمن لحقوق الإنسان التى أصبحت محورا ثابتا فى التقارير الحقوقية الدولية ــ ذلك كله حاصل، وهو قليل من كثير، دون أن يهتز مقعد كل وزير مسئول عنه فى مجاله.

أما ما جرى مع المستشار هشام جنينة، وفضيحة التنكيل بابنته وفصلها من وظيفتها، فإنه استدعى ملف فساد الأكابر الذى نجح فى عزل الرجل من منصبه والحكم بسجنه وليس محاسبة المتهمين بالفساد. وتقاريره أوضحت حالات وأسماء محددة. ذلك كله يشكل فصلا خاصا فى الملف مسكونا بعلامات الاستفهام والتعجب.

الخلاصة التى يخرج بها المرء من كل ذلك، أن استمرار المسئول فى منصبه من عدمه لا علاقة له بالفشل أو النجاح، ولكنه مرهون بحظه من الرضا والسخط. فمن شمله الرضا استمر رغم كل ما ينسب إليه من أخطاء، ومن حل عليه السخط أقصى أيا كانت كفاءته.

لا أستطيع أن اطمئن إلى التعميم فيما ذكرت، لأن ثمة حالات مدرجة على القائمة لا يشملها معيار الرضا والسخط، ولكنها يمكن أن تنسب إلى صراعات الأجهزة فيما بينها. ذلك أن بين أيدينا حالات أثارها بعض أصحاب الحناجر العالية ليس لشجاعة من جانبهم وذلك ما نعرفه عنهم، ولكنهم يفجرونها من خلال معلومات سربتها إليهم الأجنحة المختلفة فى الأجهزة السيادية لتصفية حساباتها الخاصة.

تثير القضية ملف «الشفافية»، وهى الفريضة الغائبة التى بسببها تتوه الحقائق، ويظل الجزء الغاطس منها أكبر بكثير مما يظهر للعيان على الملأ. وذلك تشخيص ينبغى أن نتفق عليه، قبل أن نخوض فى العلاج الذى ما عاد فيه سر، إذ بغير الشفافية لن يتاح للرأى العام أن يعرف الحقيقة وراء خروج أى وزير من منصبه أو حتى شغله لذلك المنصب، خصوصا أننى أعرف وزراء سابقين لا يعرفون لماذا دخلوا ولماذا خرجوا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved