عن مستقبل «الأمة» المهدد بمخاطر كثيرة.. أى عراق غدا؟ وأى سوريا؟ وأى يمن؟ و...

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 28 أغسطس 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

فى الأفق العربى ما يؤشر إلى جملة من التطورات التى يفترض أن تبدل وتغير فى صورة الوضع الراهن، حيث تغرق المنطقة فى دماء أبنائها، من أقصى جنوبها فى اليمن، بمحاذاة إفريقيا، إلى شمالها المطل عبر المتوسط على أوروبا، بعنوان ليبيا، مع ارتجاجات تنذر بالخطر فى تونس التى تصعب عليها العودة إلى عصر الحبيب بورقيبة، ويصعب عليها بالمقابل أن تغادره تماما إلى صيغة تنتمى إلى المستقبل ولا تحمل فى ثناياها موروثات الماضى.. هذا من دون أن ننسى الجزائر وما ينتظرها فى المستقبل القريب.

وتبقى التطورات الأهم وذات التأثير المباشر على صورة المستقبل العربى تلك التى تتصل باحتمالات النهاية القريبة للحرب فى سوريا وعليها بعد سنوات الدم والخراب والتدمير التى كادت تذهب «بالقلب النابض للأمة العربية جميعا»، كما كانت تسمى سوريا بعاصمتها دمشق وشهبائها حلب فى «الزمن الجميل».

ذلك أن هذه الحرب قد استطالت أكثر من سبع سنوات مستدعية العديد من الدول إلى التدخل فيها، سواء بالمشاركة العملية (بقوات من «المتطوعين» الممولين من الخارج) أو بتغذية وتمويل وعسكرة أشتات المعارضات السياسية المختلفة للنظام..

وعبر هذه السنوات الطويلة طرأت تغييرات خطيرة على جغرافيا المشرق، نتيجة الاحتلال الأمريكى للعراق (2003) وما أحدثته من خلل تدمير لنظام صدام حسين وتشجيع الغرائز الطائفية المحتقنة على التفجر وتشويه صورة النظام الجديد عبر محاولة إقامة نظام طوائفى جديد يسرع فى تفجير حرب أهلية جديدة، تقسم العرب عربين (سنة وشيعة) وتشجع الأقليات ولا سيما أكبرها أى الأكراد على المطالبة بالانفصال تماما والخروج على الصيغة الاتحادية التى أعطت للأكراد فى شمالى العراق نوعا من الحكم الذاتى الواسع، ضمن إطار الدولة المركزية فى العراق.

***
الحلقة المركزية فى احتمالات التغيير المقبل تتخذ من سوريا العنوان، وإن تعذر استمرار التطورات الخطيرة والمشينة بوحشيتها غير المسبوقة والتى دمرت بلاد الحضارة الأولى فى الوطن العربى، اليمن، وأغرقتها فى دماء أطفالها ونسائها ورجالها.

ذلك أن الحرب فى سوريا وعليها، كانت ــ وبغض النظر عن شعاراتها المطالبة بإسقاط النظام ــ أسوأ ما مرت به الأمة العربية من نكسات وتراجعات.

فهى قد كانت، فى جانب منها، الوجه الثانى لحرب «داعش» على العراق.. وهكذا فقد الوطن العربى «القلب» منه، بعدما أغرقته دماء أبنائه، واختلط الصح بالغلط بحيث صار صعبا الفصل بينهما.
ثم إن هذه الحرب كانت فى جانب منها بل لعله عنوانها الأساسى، كما فى العراق، حربا على الهوية العربية للبلاد، عن طريق التركيز على شخصنة النظام وتطئيفه وكأنه يعنى سوريا جميعا فينزع عنها هويتها العربية ودورها الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى أى تصور للغد الأفضل فى الوطن العربى عموما.

حتى إذا جاءت الحرب فى اليمن وعليها تبدى جليا وكأن «العروبة» ذاتها هى المستهدفة تمهيدا لإعادة العرب قبائل وطوائف وشيعا وأعراقا مقتتلة، تارة باسم المذهب، وتارة بداعى تكبير الصغير وتصغير الكبير.
ومن الصعب تقدير أكلاف هذه الحرب الظالمة على أفقر دولة عربية (اليمن) ولكن من المؤكد أنها بمليارات المليارات من الدولارات... هذا إذا ما تجاوز ضحاياها من البشر، رجالا ونساء وأطفالا فتك بالآلاف منهم مرض الكوليرا.
وإذا كانت بعض المرجعيات المختصة بتقدير أكلاف الحرب على سوريا، مع تحديد من دفع، قد حدد الرقم بـ 173 مليار دولار، فمن المؤكد أن الحرب المفتوحة على اليمن قد فاقت تكلفتها، حتى اليوم، مثل هذا الرقم المتواضع فى سوريا.

***
ومن نافلة القول إنه لو أنفقت مثل هذه المبالغ ــ وبدافع الأخوة وحماية الذات بهم – على إعادة إعمار سوريا واليمن ومعهما العراق، لكانت طريق المستقبل العربى الأفضل قد انفتحت على مداها، وبدافع الأخوة وحماية المصير المشترك.
إن التضامن العربى، المعبر عن الإيمان بوحدة هذه الأمة ومصيرها المشترك الذى لا يحميه إلا الموقف الموحد من أعدائها، سواء تمثلوا بالعدو القومى (إسرائيل) أو بالمتآمرين على مستقبلها الذى لا يمكن أن يكون أفضل إلا بالوحدة أو الاتحاد لمواجهة الأعداء المشتركين وتأمين الغد الأفضل لعموم العرب فى مختلف أقطارهم، مشرقا ومغربا.
***
هل من الضرورى التذكير بالخطر الإسرائيلى الذى يتعاظم ويهدد مستقبل الأمة العربية جمعاء، خصوصا وأنه يحظى بالدعم الأمريكى الذى لم يتورع عن إعلانه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والمتمثل فى إعلان إسرائيل الدولة القومية ليهود العالم جميعا، والذى استبقته واشنطن بقرارها الهمايونى اعتبار القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، ونقل سفارتها من حيفا إليها، لتأكيد ضلوعها فى المؤامرة الجديدة.
والمؤامرة الجديدة تفرض على عرب فلسطين المحتلة الرحيل من ديارهم التى كانت ديارهم، وكذلك تفرض على ما أعطى من أرض فلسطين للسلطة التى لا سلطة لها، أن يقبلوا بقيام هذه الدولة العنصرية على أرضهم بكاملها والرحيل عنها، إلى حيث يمكنهم الرحيل.. فالأرض العربية واسعة، بل شاسعة، وهى تستطيع أن «تستوعبهم» بين رعاياها.

فى هذا الوقت يجرى النفخ فى «الخطر الايرانى» على العروبة بعنوان سوريا التى تقاتل من أجل وحدتها منذ سبع سنوات طوال، والعراق الذى لا تزال تتهدده الفتنة بالتمزق، فى حين يعيش الأردن خطر الاندثار فى ظل «دولة يهود العالم» على أرض فلسطين.. ويعيش لبنان حالة من القلق على مصيره، خصوصا وأن ثمة بين العرب من يعمل على إذكاء نار الفتنة والانقسام فيه. والمثال الحى هذا التطويل فى عملية تشكيل الحكومة الجديدة، التى تحولت إلى أزمة مفتوحة من دون أى مبرر داخلى، وربما فى انتظار تطورات خطيرة فى المنطقة قد تعدل فى الخرائط، أو تؤثر على توازنات القوى السياسية فيها لمصلحة المشاريع المضمرة لهذه المنطقة بأقطارها المختلفة.
على أن روسيا بوتين تمضى جادة فى مساعدة النظام لإنهاء الحرب فى سوريا وعليها.. وبين الخطوات الجدية القمة الثلاثية التى ستجمع قادة روسيا وإيران وتركيا خلال أسبوعين عشية المؤتمر المزمع عقده برعاية الأمم المتحدة لأطياف المعارضة السورية مع النظام، فى ضوء التطورات الحاسمة «على الأرض» التى بدلت فى خريطة الصراع، وحصرت فصائل المعارضة السورية المسلحة فى الشمال السورى بعنوان إدلب.

***

هل من الضرورى إضافة شيء من التحفظ على هذه القراءة لخريطة التحولات المتوقعة فى المشرق العربى أساسا، مع ترك ليبيا لمصيرها، فى هذه اللحظة السياسية التى لم تكتمل تفاصيلها وما يمكن فى الطريق إليها من مخاطر واحتمالات مفتوحة على المجهول؟

من باب التحفظ علينا الاستدراك بالقول:
إذا ما استمر القرار المتصل بالمستقبل العربى فى أيدى «الآخرين»، وتحديدا فى أيدى أمثال ترامب والعدو الإسرائيلى، فإن المستقبل مهدد بمخاطر عديدة أعظمها وأشدها إضرارا بهذه الأمة وغدها الأفضل، غياب وحدتها أو توحدها أو تضامنها – بالحد الأدنى ــ فى مواجهة ما يتهددها من مخاطر جسيمة تهددها بالاندثار عبر التمزق دولا شتى، حسب ثرواتها التى ليست لها، وعبر غفلتها عن مصيرها الواحد، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة القائمة، وهل هى ملكية أو جمهورية أو سلطنة أو أميرية وخلافه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved