دور غائب للجامعة العربية

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 10:09 ص بتوقيت القاهرة

 
عادت إيران لتتصدر المشهد العالمى بقوة، ولم يجد زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مفرا من الخروج معا ــ فى مظاهرة لم ير العالم مثيلا لها منذ عنفوان الحرب الباردة ــ لكى يدينوا، وينذروا إيران، ولكن دون قطع الالتزام بالحوار الدبلوماسى معها لتسوية مسألة برنامجها النووى، بما لا يهدد الأمن الإقليمى، والدولى، وبما لا ينتهك مبدأ خطر الانتشار النووى.

كل ذلك، وأكثر منه ذلك التحول الطارئ على الموقف الروسى ــ كما ورد على لسان الرئيس ميدفيديف ــ ترتب على كشف إيران للمرة الأولى عن مشروع أو منشأة نووية ثانية قبيل أيام من بدء حوارها مع الدول الكبرى، بما فى ذلك الولايات المتحدة نفسها لأول مرة.

لكن كما هى العادة بقى أقرب الجيران لإيران، وأول المتضررين من صراعها الإستراتيجى مع الولايات المتحدة، وحربها الباردة مع إسرائيل، أى الدول الغربية فى موقف المتفرج الصامت، أو المعلق المكتفى بأضعف الإيمان، وهو الاستنكار باللسان، أو التمنى بالقلب، بل إنه فى هذا الموقف المستجد بالذات لم تصدر ــ حتى كتابة هذه السطور ــ كلمة واحدة من أى عاصمة عربية كبيرة أو صغيرة، قريبة من إيران أو بعيدة عنها.

ربما لغياب أكثر وزراء الخارجية العرب فى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية، وربما ــ وهذا هو الأرجح ــ لأن العرب ارتضوا منذ وقت طويل بترك الملف الإيرانى برمته للدول الكبرى، لعلها تأتى بالتسوية الإقليمية، فإن لم تتحقق تلك التسوية، فهناك البديل العسكرى الأمريكى أو الإسرائيلى، وإلا فالمظلة الدفاعية الأمريكية «النووية» ستفى بالغرض.

الذى هو هنا ردع إيران عن مهاجمة أو ابتزاز الجيران العرب، ومعهم إسرائيل، ولهذا السبب لم يضع العرب إستراتيجية موحدة للتعامل مع إيران، ولغياب هذه الاستراتيجية المتفق عليها فى إطار مؤسسات العمل الجماعى العربى وأهمها جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجى، فإنه لا توجد خطة، ولا يوجد إطار تنظيمى، وكذلك لا توجد أدوات محددة للعمل والحركة.

المفارقة المحزنة هنا هو أنك كلما التقيت سياسيا أو دبلوماسيا أو خبيرا استراتيجيا عربيا، بمن فى ذلك المسئولون الرسميون، فإنهم جميعا، وبلا استثناء واحد يعترفون لك بخطأ هذا الموقف العربى، وبأن ترك الملف الإيرانى للدول الكبرى يضر بمصالح العرب سياسيا وأمنيا ومعنويا، ويكرس مبدأ الاستقالة العربية الجماعية من تقرير مصير المنطقة، وأوضاعها وهذا معناه العملى إعلان قبول الحماية الأمريكية الإسرائيلية لحدود الدول العربية ووحدة مجتمعاتها، فضلا عن النظم الحاكمة فيها.

الأغرب من المفارقة السابقة أن الدول الكبرى ــ فى حدود علمنا ــ لا تمانع من دور عربى فاعل فى الملف الإيرانى، وأن دولا إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران انتدبت نفسها لأدوار ــ لم يطلبها منها أحد، ولكن ضمتها مصالحها ــ فى الحوار أو المواجهة المحتملة مع إيران.

لقد كان أهم درس استخلصته دول الاتحاد الأوروبى الكبرى ــ خاصة ألمانيا وفرنسا ــ من القرار الأمريكى المنفرد بغزو العراق، هو عدم تمكين الولايات المتحدة من اتخاذ مثل هذا القرار فى الحالة الإيرانية، ولم يكن أمام الأوروبين طريقة لقطع الطريق على الانفراد الأمريكى بمعالجة الملف الإيرانى سوى الانخراط بأنفسهم مباشرة وبقوة فى التعامل مع المسألة النووية الإيرانية حوارا، وعوقبات، واستعدادا للمواجهة إذا لزم الأمر.

ولذا فإن كان أول قرار اتخذه وزراء الخارجية الأوروبيون بعد سقوط بغداد هو المبادرة بوضع إستراتيجية منسقة مع الولايات المتحدة وروسيا للتعامل مع إيران، وكانت هذه المبادرة هى الأساس لكل التحركات الدولية الحالية والمقبلة فى القضية، ولم تجد الولايات المتحدة نفسها بدا من اللحاق بهذه المبادرة بعد أن تغيرت سياستها من مقاطعة الاتصال المباشر مع إيران فى عهد الرئيس السابق جورج بوش إلى الدعوة إلى الحوار معها بعد دخول الرئيس الحالى باراك أوباما إلى البيت الأبيض.

إذن لا يوجد سبب أخلاقى أو سياسى مقنع يمنع الدول العربية من المشاركة النشطة فى الحوار مع إيران، أو حتى فى الضغط عليها بل إن لدى الدول العربية رصيدا أكثر فاعلية فى مثل هذا الضغط، وذلك الحوار، إذ إن أهم الحلفاء الإقليمين لإيران هم، أطراف عربية مثل سوريا والائتلاف الأكبر فى العراق، فضلا عن حزب الله فى لبنان، وحماس فى فلسطين، ولا نتحدث عن الحوار الإقليمى، والانتماء الإسلامى، والتداخل الإنسانى والاجتماعى والثقافى بين العرب والإيرانيين عبر القرون، والحدود.

لكن الحقيقة الأليمة وبصرف النظر عن الاقتناع من عدمه، أن هناك أسبابا لهذا الغياب العربى المعبر عن العجز عن هذا الملف، وهى أسباب يعلمها الجميع، وأولها تضامن مصر مع السعودية ودول الخليج فى موقف التخفظ المطلق على السياسات الإيرانية، والخشية من التأثيرات السلبية للنفوذ الإيرانى على الأقليات الشيعية فى مجمل دول الخليج وعلى التيارات الإسلامية فى الدول العربية الأخرى، على الرغم من أن الولايات المتحدة هى التى سلمت شيعة العراق على طبق من ذهب للنفوذ الإيرانى، أما السبب الثانى فهو هذه الحرب الباردة بين الدول العربية، والتى لا تبدو لها نهاية فى الأفق، وهى الحرب التى تضع مصر والسعودية والأردن وحركة فتح الفلسطينية، وقوى 14 آذار اللبنانية فى جانب، وسوريا وحزب الله البنانى، وحركة حماس الفلسطينية فى الجانب الآخر.

وإذا كنا لا نأمل فى نهاية قريبة لهذه الحرب العربية العربية، على الرغم من زيارة الرئيس السورى الأخيرة لجدة، ومن تجدد الأمال فى المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإذا كنا لا نأمل أيضا فى نهاية قريبة لتحفظات الحكومات العربية، على السياسات الإيرانية، ولا فى نهاية قريبة لهذه السياسات الإيرانية التى تثير قلق الدول العربية، فإن هناك مخرجا جاهزا وكريما لإقامة حوار عربى إيرانى، وهو تفويض جامعة الدول العربية لتولى هذا الحوار، وبذلك يتحقق الحضور العربى فى أى تسويات أو صفقات إقليمية ودولية مع إيران، دون تنازلات من أى دولة عربية، على أن يكون هذا التفويض صريحا وغير قابل للنقض، وعلى أن تكون الجامعة ــ كما هو مفترض ــ وكيلا عن مجموع الدول العربية، وليست ممثلا لهذه الدولة أو تلك، أو هذا التكتل العربى، أو ذاك، ومن تحصيل الحاصل القول بأن الأمين العام لجامعة الدول العربية مستعد لهذا الدور، بل وتطرق إليه على الأقل، وفقا لتصريحاته السابقة، إن لم نقل بحكم خبرته وشمول رؤيته، وإحساسه بالمسئولية، لكنه فى الوقت نفسه مطالب أيضا بألا يجلس على كرسيه منتظرا أن يهبط عليه هذا التفويض من السماء.

وإنما عليه أن يقرن رؤيته وخبرته بالتحرك والضغط على الدول العربية للحصول منها على هذا التفويض، وأن يكون لديه ما يقنع المترددين، ويطمئن القلقين، ونظن أن هذا هو الوقت المناسب، فالحوار الأمريكى الإيرانى على وشك أن ينطلق، والرئيس الفرنسى نيكولاى ساركوزى حدد شهر ديسمبر المقبل موعدا لنهاية المهلة الدولية لإيران قبل الشروع فى مرحلة العقوبات الدولية المشددة، والأدهى أن الأنباء المتواترة من إسرائيل تقول إن زيارة رئيس وزرائها بنيامين نتيناهو «التى كانت سرية» لموسكو كان هدفها استئذان روسيا فى توجيه ضربة إسرائيلية لمنشآت إيران النووية، فى حين تتواتر المؤشرات على صفقة أمريكية روسية ضخمة حول إيران.

كانت بدايتها العلنية إلغاء مشروع الدرع الصاروخية الأمريكى فى شرق أوروبا استرضاء للروس، وتنازلا لهم للحصول على مقابل فى المسألة الإيرانية.
إنه إذن الفصل الأخير، أما قبل الأخير ــ قبل الصفقة أو الضربة.. فهل يحق للعرب ولجامعتهم، ولأمينها العام الصمت والغياب أكثر من ذلك؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved