مشكلة اليوم الثانى

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 28 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أينما ذهبت فى أوروبا، كما حدث معى، يقابلك من يقول لك هل شاهدت صعود فلاديمير بوتين؟ هل اصغيت إليه يتحدث بثقة بالغة عن اليوم الثانى وعندما يرى الدهشة على وجهك يقول: انه صاحب ذلك التعبير العبقرى عندما سئل لماذا لم توافق على توجيه ضربة للنظام السورى لا تسقطه ولكن تحد من قدراته على استخدام السلاح الكيماوى فقال: لأننا لم نتفق مع اوباما على «اليوم الثاني» وهو يقصد بذلك التعبير انه لم يصل معه الى اتفاق على مرحلة ما بعد الاسد وهو وكثيرون من قادة العالم لا يريدون أن يحدث لسوريا ما حدث للعراق وليبيا ولقد شاركت فى اكثر من ندوة عن «مشكلة اليوم الثانى» خاصة فى دول الربيع العربى فالتخبط الذى وقع لمصر وتونس وليبيا كان من جراء عدم تصور واضح لليوم الثانى بعد نجاح الثورة.

●●●

لقد كان اليوم الاول للثورات اكثر من رائع أهازيج وموسيقى وهتافات منمقة وجميلة تصل الى عنان السماء، فرح وابتهاج وثقة فى النصر وتحقيق الاهداف والتى تحققت بالفعل بتنحية الانظمة الديكتاتورية بطريقة أو أخرى، وجاء اليوم التالى والذى فيه راحت سكرة النجاح وجاءت الفكرة، فإذا بخريطة طريق لا منطق فيها ولا حكمة بدأت بانتخابات بهدف سيطرة تيارات إسلامية متشددة، ثم جاء دستور من وضع هذه التيارات لا صلة له باهداف الثورة، وكأن الثورة قد اندلعت لتأسيس ديكتاتورية دينية كبديل للديكتاتورية العسكرية، وهكذا خرج الدستور المصرى لأول مرة فى التاريخ يتحدث عن تفسير للشريعة الإسلامية، يفتح الباب لكل التيارات والمذاهب لأن تتحكم فى الشعوب بحسب اهواء من بيده سلطة التفسير مهما كان وكيفما كان مما ينزع الثقة لدى المتلقى وينشر البلبلة بين الناس، ليس هذا فقط بل أن ينص الدستور على ان المجتمع مسئول عن ارساء الأخلاق يعطى الفرصة لأن يفرض كل شخص أو جماعة فهمهم للأخلاق على الآخرين بطريقة أو أخرى وقد ارتكبت جرائم جنائية وصلت فى بعض الأحيان الى حد القتل بدعوى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

●●●

لقد كان اليوم الثانى للربيع العربى مأساوياً بكل المقاييس حيث استخدم من وصل للسلطة كل قواه لإقصاء الآخر وفرض سلطانه عليه بعد أن تنكر لكل وعوده السابقة للانتخابات الرئاسية، وهكذا جاء اليوم الثانى للثورة المصرية يسير فى الاتجاه العكسى للزمن ليعود بمصر الى عصر ما قبل محمد على الذى أسس مصر الحديثة منذ مائتى عام، ولأجل كل ذلك خرج الشعب المصرى عن بكرة ابيه استجابة لحركة تمرد فى الثلاثين من يونيو عام الفين وثلاثة عشر مطالباً بالعودة بمصر الى اليوم الأول للثورة واستطاعوا أن يحققوا ما ارادوه بمعاونة القوات المسلحة، وهنا حقق الإخوان وعيدهم بحرق مصر والذى اطلقوه لأول مرة اثناء الانتخابات الرئاسية فى حالة سقوط مرشحهم للرئاسة لذلك تأجل الحريق لينفذ بعد سقوطه مباشرة فتم اشعال النار فى الكنائس والمتاحف والدكاكين بعد نهبها هذا فضلاً عن بعض المحاكم والمدارس وبيوت المسيحيين والاعتداء على منزل ومكتب المفكر الكبير محمد حسنين هيكل وإحراقها، وكل ذلك حدث بحجة إعادة الشرعية والتبرير، هنا غريب إنه ارتكاب كل ما هو غير شرعى فى سبيل الشرعية.

 وهناك سؤلان مهمان: الأول عن أولئك الذين يبررون الحرائق والتدمير الذى يحدث بمصر أو الذين يبرئون الإخوان منها. والسؤال الثانى عن المستقبل أى اليوم التالي، أما عن السؤال الاول واتهام البلطجية بحرق الكنائس والبيوت والمتاحف والمكتبات، فقد كان السائلون يجيبون عن انفسهم فى النصف الثانى من السؤال بالقول مع العلم أن البلطجية معروفون بالاسم وليس لهم أى مصلحة فى القيام بحرق الكنائس، ذلك لأنهم غير متدينين من الاصل، وكل همهم هو أن يحصلوا على الاموال فى المواسم وليس من صالحهم قطع ارزاقهم لأى سبب من الأسباب وعلاقاتهم بالجوامع والكنائس ورجال الأعمال جيدة، وسؤال ما الذى يستفيده البلطجى باعتدائه على متحف أو مدرسة أو كنيسة ثم إن ارتباط هذا الكم من الحرائق والتدمير مع خروج الإخوان من السلطة يدعو للتساؤل.

وكانت الإجابة إننى من كثرة ما اسمع وأقرأ من الذين يحاولون ابراء الإخوان من الحرائق والقتل فى كرداسة ودلجا وملوى وبرقاش أكاد أقتنع أن المسيحيين هم الذين أحرقوا كنائسهم وبيوتهم لكى يتهموا الإخوان وأن المثقفين هم الذين أحرقوا المكتبات والمتاحف نكاية فى الإخوان، أما عن سؤال اليوم التالى أى سؤال المستقبل قلت ان هناك عدة سيناريوهات الأول والذى ارجحه هو أن تسير خارطة الطريق كما هو مرسوم لها حيث إن الإخوان لم ينشأوا على ثقافة الاعتذار فهم لا يخطئون من الاصل لأنهم يحققون إرادة الله على الارض ونتيجة لذلك لن ينضموا للعملية السياسية ولن يساهموا فى صنع مستقبل مصر والذى يستند على دستور مدنى حديث لأجل الأجيال القادمة دستور «يعدلنا ولا نعدله» أى يحقق أمال مصر فى المساواة والمواطنة وحقوق الانسان، ويتم انتخاب رئيس مدنى، وتتكون أغلبية مجلس الشعب من المثقفين والليبراليين الذين يدعون للمجتمع المدنى الحديث، وبتحقيق كل ذلك تعاد الثقة فى مصر محلياً وعالمياً فتعود السياحة والاستثمارات وتعود مصر الى قيادة العالم العربى.

أما السيناريو الثانى فهو أن يبرز جيل جديد من الإخوان يعتذر عما بدر من الجماعة سواء بالقول أو الفعل من جرائم وحرائق وتدمير وينضمون الى العملية السياسية وهنا سيكونون مصدر غنى وثراء للعملية الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة. وفى سؤال: هل تفضل أن يأتى السيسى رئيساً؟ قلت لو رشح سيكتسح لكنى أفضل رئيساً مدنياً فى حماية القوات المسلحة لفترة محدودة نتدرب فيها على الدولة المدنية الحديثة فلا تتحكم أية مؤسسات دينية مسيحية كانت أو إسلامية فى الشعب ولا تحكمنا أحزاب دينية ولا تتدخل القوات المسلحة فى الحياة المدنية.. هذا كل ما أتمناه لمصر عندما تشرق عليها شمس اليوم التالى للمرحلة الانتقالية على حد قول بوتين.

 

أستاذ مقارنة الأديان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved