«مصر أم الدنيا»

حازم خيرت
حازم خيرت

آخر تحديث: الثلاثاء 28 سبتمبر 2021 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

يجمع أغلبية المؤرخين والعلماء والباحثين على أن مصر سميت أم الدنيا، وتتعدد الأسباب لهذا المسمى سواء نسبة للسيدة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام، أو الدعاء الذى أقره العديد من العلماء عن سيدنا نوح عليه السلام لابنه «اللهم أسكنه الأرض الطيبة المباركة التى هى أم البلاد وغوث العباد». أو لكون الحضارة الفرعونية المصرية هى أم الحضارات وكانت مصر هى المسئولة عن غذاء كل سكان العالم القديم خاصة فى أوقات القحط، وأطلق عليها كذلك ألقاب منها: أرض الكنانة، هبة النيل، أرض الخزائن وأرض الحضارة.
ولم يكن غائبا عن السيدة راندا أبو الحسن، ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، عند حديثها للرئيس السيسى بمناسبة إطلاق تقرير التنمية البشرية لمصر2021 أن تعبر عن الإعجاب الشديد الذى تكنه لمصر تاريخا وثقافة، وإدراكها بأن عبارة «مصر أم الدنيا» هى بالفعل صادقة، قولا وفعلا، لأنها غدت شاهدة على قدرات وقوة مصر وقيادتها على قهر من يعاديها ومواجهة التحديات الجمة وتجاوز الأزمات العسيرة بعزيمة وإصرار مهما كان حجم تلك المصاعب والعقبات. ولم يكن ذلك غائبا أيضا خلال اللفتة الإنسانية للرئيس السيسى فى الاستجابة لطلب السيدة راندا أبو الحسن التصوير مع والدتها التى جاءت خصيصا من بيروت للمشاركة فى الحدث وقولها للرئيس «أنتم قدوة» وما قمتم به هو إعجاز وليس فقط إنجازا.
ويقينا، فإن الموجة التى شهدتها المنطقة منذ عام 2011 وتداعيات الربيع العربى السلبية على استقرار دول المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أدخلت المنطقة فى سلسلة من الأزمات والمحن غير المسبوقة، وهنا لابد من أن نكون صادقين مع أنفسنا بعيدا عن الشعارات والمصطلحات الشعبوية والفضفاضة، فلاتزال هناك دول تعيش فى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وغياب المؤسسات منذ بداية هذه الأحداث.
ولمن يتذكر ويملك بصيرة، فإن مصر كادت أن تنجرف وسط هذه الموجة التى هددت أمنها واستقرارها بشكل مباشر، وكان فى مقدمتها خطر الإرهاب بفضل رعاية جماعة الإخوان لجميع مكوناته، إذ واجهت مصر موجة إرهابية عاتية هى الأكبر والأعنف فى تاريخها اختلفت بشكل جذرى عن إرهاب عقد التسعينيات من القرن الماضى، وتزامن معها أحداث إقليمية ودولية بل ومؤامرات استهدفت الدولة المصرية لإضعافها وزعزعة استقرارها، كما برزت قضايا إقليمية ودولية على السطح تهدد المصالح المصرية بشكل مباشر أو غير مباشر، وغيرها من الأمور التى كانت بطبيعة الحال تؤثر سلبا على حجم الاستثمارات وحركة السياحة والاقتصاد المصرى بصفة عامة.
•••
ومن هنا يروى لنا تقرير التنمية البشرية ملحمة سيذكرها التاريخ فى أصعب الأوقات، وشاهدا على إصرار الدولة المصرية على تجاوز التحديات وتبنى سياسات تعكس إصرار قيادتها على الوصول بمصر وشعبها إلى التقدم والازدهار وتبنى سياسة تضمن مستقبلا آمنا للأجيال القادمة فى ظل قيادة وفريق عمل مخلص شاغله الأول هو تحقيق الرخاء لوطنه والكرامة لشعبه.
وهذا التقرير الذى لم يصدر منذ عشر سنوات هو تقرير مستقل ومحايد صادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى وليس من الحكومة التى اقتصر دورها على توفير المعلومات والبيانات وتسهيل مهمة العاملين ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائى وبمنتهى الدقة والمصداقية والشفافية، وليكون متاحا للجميع داخل مصر وخارجها.
ويعتبر تقرير التنمية البشرية تقريرا من سلسلة تقارير يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى سنويا، وبدأ إصدار هذا التقرير عام 1990، وتتناول هذه التقارير شواغل البلدان على صعيد السياسة العامة من منظور التنمية البشرية، وذلك من خلال استشارات وأبحاث تجرى على الصعيد المحلى. وتغطى هذه التقارير قضايا إنمائية أساسية مثل تغيير المناخ، وبطالة الشباب، وعدم المساواة، ويهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس ليعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة، ويكتسبوا المعرفة، ويتمتعوا بمعيشة كريمة.
•••
ونعود لتقرير التنمية البشرية فى مصر «المسيرة والمسار» والذى يرفع شعار «التنمية حق للجميع» ليروى لنا على لسان خبراء ومستقلين قصة عن إنجازات جديدة لأبناء مصر فى الصمود أمام موجات من التحديات والمصاعب قد لا تتحملها الأوطان.
فقد تعرضت مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 إلى موجة من العمليات الإرهابية استهدفت البنية التحتية للدولة، إلا أن مصر استطاعت أن تواجه هذا الإرهاب الأسود ودحضه عبر خطة وسن القوانين التى تلزم الدولة بمكافحة الإرهاب بشتى صورة. وتضافرت جهود المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر والكنيسة المصرية للتصدى للأفكار المتطرفة تنفيذا لمبادرة الرئيس السيسى بتجديد الخطاب الدينى، كما استخدمت سلاح التنمية أيضا وبدأت فى تنفيذ خطة شاملة لإعادة إعمار سيناء من خلال بناء شبكة طرق لربط سيناء بباقى الجمهورية.
وإنشاء مشروعات ضخمة فى مجالات الكهرباء والصرف الصحى والبنية التحتية، والزراعة والاستزراع السمكى، وتحلية المياه، والسياحة، والصناعة. كما تم تنفيذ مشروعات خدمية لأهالى سيناء كوحدات سكنية آمنة، ومدارس وجامعات، ومستشفيات ووحدات صحية، وإدراجهم ضمن خطة التأمين الصحى الشامل، ومشروعات الحماية الاجتماعية كتكافل وكرامة وغيرها. ومازالت لدى الدولة العديد من المشروعات الطموحة فى سيناء.
ووسط هذا الجهد الكبير الذى تبذله الدولة لتنفيذ خطتها الاقتصادية، جاءت جائحة كورونا لتضرب الاقتصاد العالمى وتضيف عبئا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلا، إلا أن الدولة تعاملت مع أزمة الجائحة بامتياز، وخصصت نحو 100 مليار جنيه لتخفيف الآثار الاجتماعية الناجمة عن جائحة كورونا، أى نحو 2% من إجمالى الناتج المحلى، واتخذت التدابير الاستباقية بشأن تلبية الاحتياجات الصحية والاجتماعية ودعم القطاعات الأكثر تضررا، والتى ساعدت فى التخفيف من حدة الأزمة، والآثار السلبية لها على النواحى الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الإجراءات.
•••
والآن بعد أن أصبح تقرير التنمية البشرية لمصر متاحا للجميع، فإن المواطن المصرى بات يدرك حجم الجهود التى بذلتها الدولة، وكيف استطاعت وبإصرار أن تتغلب على المصاعب التى تواجهها لتحقيق التنمية البشرية على مستوى الاستثمار فى مجال التعليم والصحة، وكيف استطاعت أن تحقق خطوات متقدمة فى مجال التحول الرقمى، وهو أحد الملفات الهامة والذى ينظم الخدمات للمواطنين والمستثمرين بشكل متطور، ويقضى على البيروقراطية والفساد، فضلا عن أنه يساهم فى التطور المؤسسى والإصلاح الإدارى للدولة لتحقيق نظم الحوكمة ومعالجة التشوهات فى الجهاز الإدارى للدولة.
كما يبرز التقرير مدى التحسن فى برامج الإصلاحات الاقتصادية منذ 2016، والتى انعكست إيجابا على معدلات النمو (3.6%) فى عام 19 /2020، و(3.3%) فى عام الأزمة 20 /2021، وذلك فى ظل انكماش وتراجع مستوى النمو الاقتصادى عالميا بسبب جائحة كورونا، وتوفير جميع السلع والخدمات لجميع المواطنين، والتحكم بقدر كبير على معدلات التضخم فى ظل ظروف صعبة، ورصد التعديات على الأراضى الزراعية، ودعم الاحتياجات العاجلة والملحة للمواطنين على برامج مثل الكهرباء والنقل والطرق والكبارى وتحسين منظومة الأمن وتدعيم احتياجات الوحدات المحلية المختلفة، فضلا عن السيطرة النقدية والمالية والتحول التدريجى المحسوب والمدروس لملف الدعم مع عدم المساس بالسلع التموينية الأساسية.
وهنا لا بد أيضا أن نسلط الضوء على برامج الحماية والمزايا الاجتماعية التى تبنتها الدولة مثل برنامج تكافل وكرامة الذى استفاد منه ملايين المواطنين ومبادرة حياة كريمة، وهو إنجاز غير مسبوق لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجا على مستوى الدولة والارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين الأكثر احتياجا وخاصة فى القرى وفى ظل استراتيجية شاملة ومستدامة وتشاركية.
•••
حقا أن الدولة المصرية تبذل جهودا غير مسبوقة وتعمل كخلية نحل تدور بصورة مستمرة فى جميع ربوع الدولة وتتعامل مع جميع الملفات بالتوازى، فهى تتحرك لتطوير الريف المصرى بتكلفة تقارب 700 مليار جنيه مصرى، وتبطين الترع وتنمية محافظات الصعيد والمحافظات الأخرى والعمل على القضاء على العشوائيات واسترداد أراضى الدولة المسلوبة ومكافحة الفساد وغيرها.
وفى النهاية، فتقرير التنمية البشرية عن مصر كان صادقا، لا يوارى حقيقة أو يخفى سوءات، فلم يقر أن الأمور فى مصر وردية، فمازال هناك العديد من التحديات رغم التحسن النسبى وخاصة بالنسبة لمعدلات الفقر والبطالة والتضخم وفى ظل الزيادة السكانية المتسارعة ومشكلة العشوائيات ووصول الخدمات إلى مستحقيها وملف الدعم وغيره، فالمشكلات لن تحل فى ليلة وضحاها، والمواطن يحتاج إلى صبر ليشعر بثمار هذا الجهد، ولكن بنظرة ثاقبة علينا أن نقر كيف كانت مصر عام 2014 وكيف أصبحت عام 2021 وكيف ستصبح عام 2030، وخلاصة القول أنها ماضية بلا أدنى شك رغم كل التحديات فى تحقيق رؤية 2030 الكاملة بمشيئة الله... لتدخل مصر عهدا جديدا يليق بها وبقدرها وقدر تضحيات شعبها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved