أحزان متنوعة..!

وحيد حامد
وحيد حامد

آخر تحديث: الأربعاء 28 أكتوبر 2009 - 9:13 ص بتوقيت القاهرة

 سيادة الرئيس.. شعبك يرجوك أن تغضب من أجله..

فى تسجيلات العبارة الغارقة السلام 98 رجل منكوب يصرخ قبل أن تطويه الأمواج الصاخبة (المركب بتغرق يا قبطان.. المركب بتغرق يا قبطان) ثم اختفى الصوت تماما.. القبطان كان يسمع نفسه فقط.. ظن أن خبرته ومهارته وكفاءته فيها الكفاية والقدرة على انقاذ السفينة المتهالكة.. الرجل ركب رأسه وعاند نفسه فكان الغرق.. وكانت المأساة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فى كل بلاد الدنيا تقريبا الفاشل يرحل، يستقيل حفاظا على ماء الوجه وبتصرف شجاع منه أو يقال ويذهب دون وداع مناسب، أما صناع الكوارث أو المسئولين عنها فإنهم فى البلاد الديمقراطية يحاكمون والقضاء يحكم بما يراه عدلا.. وفى بلاد أخرى ديمقراطية أيضا مثل اليابان المتسبب فى الكارثة يوفر على الدولة مصاريف المحاكمة ويحكم على نفسه وينفذ الحكم.. ينتحر.. ونحن نكتفى بالرحيل.

فى مصر تحديدا.. الفاشل هو المميز والمدلل وصاحب الرأى الصائب.. وهو الذى يحصل على أعلى المناصب مع النفوذ والثراء وطول العمر فى المنصب، وهذه النوعية من الفاشلين تغطى فشلها بإعلام كاذب ومضلل ومخادع.. ولديهم كتائب من المنافقين وأكلة الجيفة تروج لهم حتى يستمروا.. ويستمروا.. مع أنهم الأشد قسوة فى تنفيذ سياسة الأرض المحروقة.. حيث لا يترك أحد موقعه إلا بعد أن يصبح خرابا.

حادث القطار الأخير المفروض أنه حادث عادى جدا ولا يستحق هذه الضجة الإعلامية، الحصاد اليومى لقتلى حوادث الطرق يفوق هذا العدد بكثير، وصرعى القطارات مثلهم مثل صرعى السيارات والمقطورات وسيارات نقل الركاب وأيضا المركبات السياحية.. كلهم سواء أمام الله بعدله ورحمته سوف يخفف عنهم، وسوف يعلمون أن آخرتهم أفضل من دنياهم.

عشرون ألف جنيه مصرى من الوزير محمد منصور وخمسة آلاف جنيه من السيد محافظ السادس من أكتوبر فيصبح المجموع النهائى خمسة وعشرين ألف جنيه مصرى (قيمة المواطن المصرى) وحسب أسعار سلة العملات الأجنبية بتاريخ اليوم نجد أن المواطن المصرى يساوى بالدولار (4580) اليورو (3060) الإسترلينى (2820) الريال السعودى (17230) الدرهم الإماراتى (16930) الريال القطرى (16790) الريال العمانى (1775) وهذه القيمة محددة بمعرفة الدولة، وقد سألت فى دهشة: المبلغ هذا ممكن يشترى إيه..؟ قالوا لى يدوب «توك توك».

كلمة حق يجب أن تقال.. لا يجوز محاسبة السيد الوزير محمد منصور على حادث القطار.. ولا حتى توجيه اللوم إلى سيادته، لأن الحالة العامة فى هذا المرفق المهم ضربها الإهمال فى مقتل منذ سنوات بعيدة حتى صار أسلوب عمل، واحتلها التسيب بجيش جبار فرض شروطه عليها حتى صار الخطأ هو الصواب والصواب هو الخطأ إلى جانب السرقات والعمولات.. وكل هذه المصائب أخذت فى التزايد ولم تعرف التراجع أبدا.. ولم تجد من يتصدى لها فأصبحت سرطانا يعجز عن علاجه مستشفى (57357).

أما إذا كان البعض يطالب بمحاسبة السيد الوزير منصور فهناك أشياء أخرى يجب أن يحاسب عليها، أولها أنه قبل بالوزارة ورجل مثله له مكانته الاجتماعية والاقتصادية لم يكن فى حاجة لهذا المنصب خاصة أنه يعلم علم اليقين أنه لن يكون الأفضل فى هذه الوزارة تحديدا، ثم إن «الوزارة» لا تقدم كهدية حتى يقبلها ويرد بما هو أحسن منها.. إنما الوزارة مسئولية جسيمة ومضنية.. ولكنه قبل بها على سبيل الوجاهة الاجتماعية وحتى يكون مع أصدقائه وأقربائه فى هذه الوزارة صاحبة الانجازات على الورق.. والسيد الوزير منصور كان يمكن أن يكون من أنجح الوزراء فى سويسرا أو دبى.. أما فى مصر فالأمر مختلف.. الوزير الذى ينجح يكون محاربا ومقاتلا وغالبا ما يكون زاهدا.. وبالمناسبة هذه الوزارة بكاملها تنجح فى سويسرا ما عدا وزير واحد هو السيد يوسف بطرس وزير المالية لأن الضرائب هناك لا تفرض بالقوة الجبرية وإنما تفرض باستفتاء شعبى.. وهذا الوزير بلا ضرائب يبتزها من الناس فإن عمله يحتل مرتبة متقدمة فى قائمة الفاشلين. الأمر الثانى الذى يجب أن يحاسب عليه السيد الوزير منصور هو أنه مارس الكذب المدفوع الأجر وأحاط نفسه بالكذابين بأجر، ورأينا قطارات سكك حديد مصر فى أبهى صورة.. بينما الحال الذى رأيناه على أرض الواقع هو فى حقيقة الأمر مأساة إنسانية وحضارية.

من أجلك أنت..

الشعار الجديد الذى أطلقه الحزب الوطنى هذه الأيام.. أراه مكتوبا أعلى مبنى الحزب بصورة يومية، فى البداية ظننت أن المقصود بأنت هو السيد الرئىس محمد حسنى مبارك على اعتبار أن وجوده فى الحزب هو مصدر الحياة والطاقة وبدون الرئيس لا حياة ولا طاقة، وعليه فإن الإخلاص كله مع أفضل الوفاء حق للسيد الرئيس ودين فى عنق الحزب.. إلا أن أحد الأصدقاء كسر غلالة الغباء التى كانت تحيط بعقلى وأخبرنى بأن المقصود بأنت هو المواطن المصرى.. أى أنا و أنتم حضرات السادة القراء الأفاضل.. وحسب المعلومات المتوافرة لدى فأنا أعلم أن اختيار شعارات الحزب مسألة لها أهميتها الكبرى.. والشعار يتم اختياره بدقة ويجرب ويختبر، إلا أننى أرى أن هذا الشعار ذو حدين.. فما الذى لدى الحزب حتى يقدمه للمواطن المصرى والأحوال حولنا مؤسفة ومحبطة..؟ وأسأل السادة أعضاء الحزب: ما رأيكم دام فضلكم فى حال التعليم والصحة والزراعة والتى انهارت جميعها، ما رأيكم فى عدم تفعيل القانون وإهداره، وانتشار الفساد والفوضى والبلطجة، ما رأيكم فى الغلاء الذى يطحن الناس..؟ وحتى لا أسترسل ما رأيكم فى مشكلة الزبالة هل تقدرون عليها..؟ أعتقد أن من لا يقدر عليها فإنه لا يقدر على شىء آخر.. وبالتالى ليس أجلى.. بل أجلكم أنتم.. ودمتم لنا.. فقط دعونا فى حالنا يرعانا الله..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved