الاثنان معًا (السينودس)

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الخميس 28 أكتوبر 2010 - 10:24 ص بتوقيت القاهرة

كلمة السينودس هى كلمة لاتينية قديمة تعنى الاثنان معا والاثنان المعنيان هنا هما الإكليروس (الكهنة) والعلمانيون والكلمة تعنى أيضا معا على الطريق، وهو مؤتمر يتجمع فيه الأساقفة ورؤساء الأساقفة وبعض العلمانيين لمناقشة قضية عامة تهم الكنيسة فى العالم تلقى فيه الأبحاث التى تتعلق بهذه القضية ويناقش أبعادها المختلفة، وفى النهاية تخرج الجماعة بتوصيات عامة بها رأى المجتمعين فى هذه القضية والمطلوب عمله بهذا الشأن، والسينودس كمؤتمر يكون له التأثير العالمى حيث يلقى الضوء على إحدى القضايا الساخنة والملحة لينتبه العالم والحكومات إليها، وهو ما حدث بالفعل فى لقاء السينودس الذى عقد فى الفاتيكان (10 24 أكتوبر) وترأسه البابا بيندكت السادس عشر تحت عنوان مستقبل مسيحيى الشرق الأوسط وهو أول مؤتمر عالمى يناقش هذه القضية التى تشغل كنائس العالم سواء فى أمريكا أو أوروبا أو أسيا أو أفريقيا،

فالحديث عن مسيحيى لبنان ومصر وسوريا والسودان والعراق وفلسطين لم يتوقف منذ سنين، خاصة بعد تطبيق الشريعة فى السودان وانقلاب حماس وغزو العراق والاضطرابات الطائفية فى مصر والهجرات المسيحية من كل بلدان الشرق الأوسط مما أدى إلى تناقص النسبة العددية إلى أدنى حد، وهذا المؤتمر أراد أن يلفت النظر لما يعانيه مسيحيو الشرق حيث إن هذه القضية طرحت وتطرح فى الإعلام الأمريكى بصورة مبالغ فيها وعلى جميع المستويات، وتقوم مؤسسة (بيت الحرية) وهى مؤسسة أقيمت أساسا لمناهضة التمييز والاضطهاد

الذى يمارس ضد المسيحيين فى الشرق الأوسط بتقديم جائزة كل عام لشخصية مسيحية من الشرق الأوسط تقوم بفضح وكشف ممارسات التمييز للغرب، وبالطبع هذا يؤدى بالبعض إلى تقديم بعض الأبحاث بمبالغات شديدة، وتقف كنائس الشرق الأوسط فى معظمها ضد من يحاول أن يفعل ذلك على أساس أن مشاكل الوطن يجب أن تناقش فى الداخل وليس من الخارج، وأرى أن هذا المؤتمر جاء فى موعده وله ثقله العالمى لعدة أسباب منها انه يعقد فى الفاتيكان ويضم إكليروسا وعلمانيين من جميع أنحاء الشرق الأوسط أى أن المتحدثين فيه هم رؤساء كنائس وهو ما يعطى مصداقية شديدة لما يقال بمعنى انه لن يكون فيه مبالغة من أى نوع،

 

أو ممارسة مرفوضة فالذين يتحدثون هم أناس مسئولون ويعبرون عن واقع يعيشون فيه وبأسلوب واضح ومحدد وغير مستفز فهم يجلسون معا تحت رعاية الفاتيكان والبابا بيندكت أى رعاية روحية وليست سياسية، أما الأمر الآخر فإن توصيات المؤتمر بحسب رأيى سوف تنصب على تشجيع الكنائس على الارتباط بقضايا الوطن والوقوف ضد الظلم مهما كانت ديانة المظلوم أو جنسه أو عرقه والمطالبة بدور اجتماعى وسياسى واقتصادى لمسيحيى الشرق الأوسط فيتفاعلون مع الأحداث ويقفون مع إخوتهم المسلمين ضد الصهيونية والغزو الأمريكى للعراق وتقسيم السودان.. إلخ.

أما الأمر الثالث فهو إعلان إن الكنيسة العربية ما زالت حية نابضة ومنظمة وقادرة على الحركة والفعل والتعبير عن الذات وتستطيع أن تتواصل مع مسيحيى العالم وأن تجمع المسيحيين العرب هو القناة الأساسية للتفاعل بين الغرب والشرق وتأثير هذه اللقاءات والمؤتمرات أقوى كثيرا من تأثير الجاليات المسيحية التى تعيش فى الغرب فهؤلاء يعيشون فى قلب الشرق الأوسط ويعانون معاناة الشعوب المحيطة بهم أو العائشة معهم ولذلك هم أفضل من يعبرون عن وجودهم وهويتهم للعالم، أما الرابع فإن مسيحيى الشرق كانوا وما زالوا هم الجسر المقبول إلى الحضارة الغربية وذلك لأنهم عرب أصلا ولأنهم مسيحيون،

وهكذا كان ادوارد سعيد وغيره كثيرون وهكذا كانت وما زالت الكنائس الإنجيلية التى تؤمن بالإصلاح الكنسى الغربى بجانب الكنائس الكاثوليكية حيث إنها كنائس شرقية تأسست وآمنت بالفكر الكاثوليكى الغربى أيضا، وهذه المعادلة العجيبة تؤدى إلى إقامة جسور حقيقية بين الشرق والغرب أما السبب الخامس فهو تشجيع هذه الكنائس على تعميق العلمانية الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان فى بلدانهم وتشجيع المثقفين والسياسيين والفنانين الذين يؤمنون بهذه الأمور لأنه بهذا تتحسن المجتمعات وتتقدم،
وليس هذا فقط بل على الكنائس القيام بدور مجتمعى متميز من مدارس ومستشفيات ودور رعاية وتدريب مهنى وتعليم..إلخ، وذلك لكى يكون لها الدور المؤثر والواضح حيث إن الخدمة من هذه النوعية تشمل المسلم السنى والشيعى والمسيحى الكاثوليكى والأرثوذكسى والإنجيلى وهنا يصبح دور هذه الكنائس أكثر قوة وفاعلية، أما السبب الأخير فهو أن الكنائس الكاثوليكية لها باع طويل فى لاهوت التحرير وقبول الآخر والحوار الفعال مع الآخر ولقد قدم علماء اللاهوت الكاثوليك فى مصر وبيروت اجتهادات رائعة فى النظر إلى الإسلام وكان للأب فاضل سيداروس والأب سمير خليل المصريين الفضل فى أن يتحدثا عن التوجه الأخلاقى للمسلم والإسلام وأن هذا التوجه مقبول لدى الله، ورغم أن مثل هذه الاجتهادات اللاهوتية تستطيع أن تعالج الكثير من التوترات الطائفية وتضع أساسيات الفهم والتفهم إلا انه يحدث تعتيم على مثل هذه النظريات فى مقابل تلميع النظريات التى ترفض الآخر وتتحدث عن «شعب الله المختار» بالمقارنة «بخير أمة أخرجت للناس» ومحاولة الوصول إلى ما ومن هو الأفضل؟

إن على كنائس الشرق الأوسط بكل طوائفها أن تعمل على صياغة لاهوت عربى معاصر فلنا تاريخ لاهوتى عربى منذ القرن التاسع وحتى القرن الخامس عشر، من اجتهادات وحوارات إسلامية مسيحية، وفقهية ولاهوتية وقد وصلت إلى قمتها فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر وبظهور الإمبراطورية العثمانية خيم ظلام دامس على منطقتنا حيث قامت هذه الخلافة على تقسيم البلدان التى تحتلها إلى مِللْ ونِحَلْ..إلخ ما زالت قوانينها تحكم بلاد الشرق الأوسط وخاصة تلك القوانين الخاصة بغير المسلمين حتى اليوم وهى أحد أسباب الفتنة الطائفية، واليوم لدينا علماء مسيحيون عرب من كل الطوائف قادرون على التنظير اللاهوتى المسيحى كامتداد للاهوت المسيحى العربى القديم، فهل يمكن لكنائس الشرق على اختلاف مذاهبها أن يكون هذا هو مشروعها حيث تقدم للعالم الإسلامى لاهوتا مسيحيا عربيا معاصرا فى إطار حضارة إسلامية.

 


إن هذا التنظير العربى سوف يجيب عن أهم الأسئلة المثارة مثل ما معنى أن نكون مسيحيين عربا نعيش حضارة إسلامية؟ وما هو إسهامنا الفكرى واللاهوتى فى هذه المنطقة؟ وما هو موقف اللاهوت المسيحى من العيش فى ظل بلد أغلبيتها مسلمة ورئيسها وحكومتها مسلمة؟ وهل يعتبر اللاهوت المسيحى مثل هذه الحكومة من الله؟ وهل يستطيع المسيحى أن يكون مواطنا فاعلا فى مثل هذا الوطن حتى لو لم يأخذ حقوقه كاملة؟

وهل يعمل على رفعة هذا الوطن الذى قال عنه الكتاب المقدس انه بسلامة الأوطان التى تعيشون فيها كأقلية يكون لكم سلام؟ وهل يعتبر اللاهوت المسيحى أن الحكومات الإسلامية هى ضمن مشيئة الله وإرادته فى تطبيق العدالة وحقوق الإنسان ومقاومة الشر؟ وماذا يقول اللاهوت المسيحى عن العلاقة مع مسيحيى العالم ؟ وما هى أولويات العلاقة للمواطن المسيحى هل علاقته بغير المسيحى فى وطنه أو بالمسيحى من خارج الوطن؟.

إن مشروعا مثل هذا سوف يغير خريطة الفكر عند مسيحيى الشرق مما يؤدى إلى تغيير خريطة الفكر عند مسلمى الشرق الأوسط؟ والذى يغير بالتبعية خريطة الفكر عند حكومات ودول ورؤساء ومنظمات حقوق الإنسان فى الغرب من نحو نظرتهم إلى مسيحيى الشرق الأوسط ونوعية العلاقة التى يجب أن تسود.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved