أم النور

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 28 أكتوبر 2012 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

حمام وأنوار.. نجم لامع فى السماء.. نحن فى انتظار العلامة. لكننا أيضا نضحك كثيرا وبعمق ونحن نتابع فيلم نمير عبدالمسيح «العذراء والأقباط وأنا»، الذى يتحدث بخفة دم غير مفتعلة عن الدين ومسيحيى مصر ومسلميها.

 

تفاصيل صغيرة تنسج بعمق حول ظهورات السيدة مريم فى أنحاء مصر، منذ ابريل 1968 وحتى الآن... فى كل مرة يحتاج فيها الشعب لدعم نفسى وروحى يأتى حلم المعجزة ليصرفهم عن واقعهم ويهدئ من ردود الأفعال. كل شىء فى السماء تم اعتباره ظهورا للعذراء يتوقف على المكان والشخص الذى يرصد، كل واحد حسب إيمانه... يقولها المخرج الشاب صراحة وتقولها أمه السيدة الصعيدية الاستثنائية التى شاركت فى الفيلم كواحدة من أهم أبطاله، فالأشخاص الذين نتعرف عليهم من خلال فيلم نمير حقيقيون ولا علاقة لهم بالتمثيل من قريب أو من بعيد...

 

 

 لكنهم فاتنون، طيبون، يرغبون فى المساعدة ويأسرونا بمحبتهم. نرى فى الفيلم كيف حذرت الأم ابنها من الاعتماد على أفراد عائلتها فى التصوير، وكيف كانت ترفض أن يتم الزج بهم فى قصة ظهور العذراء التى أراد نمير أن يجعلها موضوعا لفيلمه التسجيلى ــ الروائى.. كانت تخشى أيضا أن يظهر فقرهم أو أن يعايرها الأصدقاء ببساطتهم وهم أبناء قرية صغيرة بالقرب من أسيوط، فأم نمير رغم أنها عاشت منذ السبعينيات فى فرنسا إلا أنها متشبعة بالشخصية المصرية... بيتها هناك لا يختلف كثيرا عن أى بيت قد تراه فى مصر لأسرة من الطبقة الوسطى، المكتبة البنية وطريقة ترتيب الأثاث وصديقتها سهير التى أتت لزيارتهم ومعها شريط يصور ظهور السيدة العذراء بإحدى كنائس القاهرة. تصطحب ابنها إلى قسيس مصرى بباريس، فيتضح أنه كان قد غادر مصر بالفعل لدى ظهور السيدة العذراء بكنيسة الزيتون فى الستينيات، سافر لدراسة الدكتوراه ولم يعد...

 

 

 نضحك مع القسيس عندما يتساءل كيف للعذراء أن تظهر بعد رحيله وهو الذى يحبها ويحملها فى قلبه أو يقول شيئا بهذا المعنى، ونضحك أيضا عندما تعاتب الأم ابنها لأنه ذكر أمام رجل الدين أنهم لا يذهبون كثيرا إلى الكنيسة، فهناك دوما أشياء لا يجب أن تقال هكذا صراحة... طريقة عرض الأمور والخفة غير المبتسرة يمنحانا بعضا من التواطؤ المرح، فنحن نتناول معانى غاية فى الجدية والعمق دون المزيد من الجدية أو التجهم.

 

●●●

 

«الصحافة فين النصارى أهم!» أو «بص شوف العذرا بتعمل ايه؟!»، هتافات يطلقها المترددون على مولد السيدة العذراء بأسيوط، وكأنهم بحاجة دائمة إلى لفت الأنظار لأكبر طائفة مسيحية فى العالم العربى والإسلامى، رغم أن أحدا لا يعرف عددها بالضبط. بعض جمل الحوار التلقائية تحمل فى طياتها الكثير حول علاقة المسيحيين والمسلمين فى مصر التى تفسد كلما تدخلت فيها السياسة، بعض التحفظ والكثير من التشكك... لكن ذلك يظهر على أرضية من الصدق فلا يجرح وإن ظل مؤلما. ننتقل إلى عالم مصرى خالص حيث القديسون والشهداء يتولون محاربة الشر بكل ما أوتوا من قوة، لذا يوشمهم البعض على ذراعه أو صدره. أحيانا نلمس شبها واضحا بين أيقونات مريم العذراء وهى تضم المسيح إلى صدرها وتماثيل ايزيس وهى ترضع حورس... تتجسد فكرة أم الإله فى المسيحية والفرعونية، فقد صبغت هذه الأخيرة ديانات مصر كلها، وأخذنا عنها شفاعة القديسين والأولياء وزيارة الأضرحة، بل إن فكرة ظهور القديسين بعد موتهم تنتمى للتراث المصرى القديم...

 

●●●

 

الأفكار تتداعى لتأخذنا بعيدا بعض الشىء عن فيلم نمير عبدالمسيح، نتذكر صور جمال عبدالناصر وهو ينتظر بصحبة حسين الشافعى ليشهد ظهور العذراء فى أعقاب هزيمة 1967...خير من يجمع هذا الشعب، أم الإله عند النصارى وسيدة نساء العالمين عند المسلمين. وأتذكر أيضا موقع كنيسة الزيتون، بالقرب من مدرستى، حيث أعلن البطريرك كيرلس أنها ظهرت لأول مرة بهيئة نورانية فوق المنارة. كما أتذكر صورة والدة صديقتى- الحاجة المحجبة- رحمها الله وهى توقد الشموع أمام صورة العذراء كعادتها، توقد الشموع للعذراء والسيدة زينب معا بمحبة تمتزج فيها موروثات سنية وشيعية، فاطمية وقبطية، كهنوتية وصوفية... فالإضاءة الخافتة للشموع تنير القلوب. أما فيلم نمير عبدالمسيح فيصفيها لأنه يخرج شحنة من الضحك والسخرية من أنفسنا، كفيلة بتصفية الحسابات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved